"ضمانات تنفيذ الحكم بالنفقة بين القانون والواقع"، بقلم ذ: أحمد جدوى

انشرها على:


"ضمانات تنفيذ الحكم بالنفقة بين القانون والواقع"

بقلم ذ: "أحمد جدوى"

لقد أحاط المشرع تنفيذ أحكام النفقة بضمانات بعضها وارد في قانون المسطرة المدنية وبعضها في مدونة الأسرة، وبعضها في قانون الالتزامات والعقود، والقانون الجنائي وذلك لما لها من صبغة معاشية لا تقوم الحياة إلا بها.
ونتعرض لهذه الضمانات في محورين :
الأول : يتعلق باستعراض هذه الضمانات.
الثاني : العوائق القانونية والواقعية التي تعترضها.
المحور الأول : الضمانات القانونية لتنفيذ أحكام النفقة.
أولا : الضمانات الواردة في قانون المسطرة المدنية :
1) تنفيذ الأحكام الصادرة في النفقة رغم كل طعن :
ينص الفصل 179 مكرر من ق.م.م في فقرته على ما يلي :
"يبت في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام الصادرة في هذه القضايا رغم كل طعن".
كما نص في فقرته الثالثة والأخيرة على تنفيذ الأحكام المؤقتة المشار إليها في الفقرة الثانية قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه.
    وهو ما يعني أن الطعن في الأحكام المتعلقة بالنفقة لا يوقف الطعن تنفيذها، كما أنه لا يمكن إيقاف تنفيذها من طرف غرفة المشورة طبقا للفصل 147 من ق.م.م.
والأحكام المؤقتة المشار إليها أعلاه تنفذ على الأصل وقبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه عادية دون حاجة إلى الحصول على النسخة التنفيذية المذيلة بالصيغة التنفيذية المنصوص عليها في الفصل 433 من ق.م.م.
2) عدم قابلية النفقة للحجز لدى الغير.
ينص الفصل 488 من ق.م.م في مقطعه الثاني على ما يلي :
"غير أنه لا يقبل التحويل والحجز فيما يلي :
"1-..............
2- النفقات."
فطبقا للفصل المذكور لا يجوز إجراء أي حجز لدى الغير أو تحويل على النفقة حماية لها وضمانا لصبغتها المعيشية.
3) إمكانية إجراء الحجز لدى الغير على المعاشات المدنية والعسكرية من أجل أداء النفقة.
إذا كان الفصل 488 من ق.م.م. قد منع الحجز لدى الغير على المعاشات المدنية والعسكرية من أجل استيفاء الديون، فإنه استثنى النفقة في الفصل 39 من 30/12/1971 المتعلق بالمعاشات المدنية والفصل 42 من القانون المتعلق بالمعاشات العسكرية المؤرخ بنفس التاريخ حيث ينص الفصل 39 على ما يلي في فقراته الأولى :
"لا تحول إلى الغير رواتب التقاعد المحدثة بموجب هذا القانون ولا يمكن حجزها ما عدا في حالة وجود بقية حساب لفائدة الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية للدولة أو من أجل الديون ذات الامتياز حسب مدلول التشريع المعمول به والديون المتعلقة بالنفقة".
وينص الفصل 42 من القانون المتعلق بالمعاشات العسكرية على نفس الاستثناء أي بجواز الحجز لدى الغير من أجل النفقة بنفس الصيغة الواردة في الفصل 39 أعلاه حرفا حرفا"
4) إعفاء الحجز لدى الغير من أجل أداء النفقة من دعوى المصادقة في حالة عدم وقوع أي خلاف في التصريح الايجابي.
تنص الفقرة السادسة من الفصل 494 من ق.م.م على أنه : "لاتسري مقتضيات المقطع الثالث من هذا الفصل على الأحكام والأوامر الصادرة في موضوع النفقة إذا لم يقع خلاف في التصريح الايجابي".
والمقطع الثالث المشار إليه أعلاه يتعلق بإجراءات دعوى المصادقة على الحجز لدى الغير.
وعليه فبمجرد ما يتفق الأطراف على التصريح الايجابي للمحجوز لديه وعلى توزيع المبالغ المحجوزة، يسلم المحجوز لديه إلى مستحق النفقة المبالغ المحكوم بها في حدود ما جاء في التصريح الايجابي (الفقرة الأخيرة من الفصل 494).
ثانيا : الضمانات المنصوص عليها في مدونة الأسرة.
1) المادة 102 من .م.
- خولت المادة أعلاه للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه وفق الحالات والأحكام الآتية :
1- إذا كان للزوج مال يمكن أخذ النفقة منه، قررت المحكمة طريقة تنفيذ نفقة الزوجة عليه ولا تستجيب للتطليق.
2- في حالة ثبوت العجز تحدد المحكمة حسب الظروف أجلا للزوج لا يتعدى ثلاثين يوما لينفق خلاله، وإلا طلقت عليه، إلا في حالة ظرف قاهر أواستثنائي.
3- تطلق المحكمة الزوجة حالا إذا امتنع الزوج عن الإنفاق ولم يثبت العجز.
2) المادة 191 من .م. :
" تحدد المحكمة وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة وتكاليف السكن على أموال المحكوم عليه، واقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه، وتقرر عند الاقتضاء الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة.
الحكم الصادر بتقدير النفقة، يبقى ساري المفعول إلى أن يصدر حكم آخر يحل محله أو يسقط حق المحكوم له في النفقة."
3) المادة 202 من .م.
تقول المادة : "كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول، تطبق عليه أحكام إهمال الأسرة."
ثالثا : الضمانات المنصوص عليها في الفصل 1248 من ق.ل.ع.
رتب الفصل المذكور أعلاه الديون الناشئة عن نفقة الزوجة ونفقة أبنائها في المرتبة الثالثة بعد مصروفات الجنازة والديون الناشئة عن مصروفات الموت، وذلك بمقتضى التعديل الذي أدخل عليه بواسطة ظهير 10/9/1993.
رابعا : الضمانات المنصوص عليها في الفصل 480 من القانون الجنائي.
تنص المادة 480 من ق.ج على ما يلي : "يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المؤقت بدفع نفقة إلى زوجه أو أحد أصوله أو فروعه، وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد.
وفي حالة العود يكون الحكم بعقوبة الحبس حتميا..."
وقد جاء هذا الفصل بعد الفصل 379 من ق.ج الذي يحدد العقوبة في الحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 200 إلى 2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المحور الثاني : العوائق التي تعترض الضمانات قانونا وواقعا.
بعد الفراغ من الضمانات القانونية التي أحاط بها المشرع تنفيذ أحكام النفقة، ننتقل إلى ما يعترض هذه الضمانات من صعوبات قانونية وواقعية، ونكتفي هنا بضمانات التنفيذ في قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة باعتبارهما ينصان على أهم الضمانات.
1) العوائق القانونية في شان الضمانات الواردة في المسطرة المدنية :
أ – إعفاء دعاوى النفقة من أداء الرسوم القضائية وعدم إعفائها من أتعاب المفوض القضائي.
لقد نص ظهير 27/4/1984 المتعلق بالمصاريف القضائية على إعفاء الطلبات المتعلقة بالنفقة من أداء الرسوم القضائية.
لكن القانون رقم 03-81 المتعلق بالمفوضين القضائيين لم يستثن طلبات النفقة وتبليغها وتنفيذها من أداء أتعاب المفوض القضائي عندما اسند إليه الاختصاص من أجل التبليغ والتنفيذ المتعلق بالأحكام القاضية بأداء مبالغ مالية ومن ضمنها الأحكام القاضية بالنفقة والتي تنفذ طبقا للفصل 440 من ق.م.م الذي ينص على تبليغ الحكم المطلوب تنفيذه وإعذاره بالوفاء بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه وذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ.
ولهذا فأول عائق قانوني يعترض تنفيذ حكم النفقة هو أداء أتعاب المفوض القضائي عن التنقل مؤقتا إلى حين استخلاصها كمصاريف من المنفذ عليه إن تم التنفيذ وهو ما لايمكن للمستحقين للنفقة أداؤها خاصة الزوجات والمطلقات، أولا، لإعفائهن من أداء الرسوم، وثانيا لعوزهن غالبا، فكيف العمل أمام هذا العائق؟.
فبالرغم من تدخل المسؤولين عن التنفيذ بالمحاكم لإقناع المفوض القضائي للقيام بإجراءات التنفيذ ومحاولة استخلاص أتعابه من المنفذ عليه، إلا أن هذه التدخلات غالبا ما لا توتي أكلها لأن المفوض القضائي إذا انتقل مرة واحدة وفشل في محاولة التنفيذ فإنه لا يتحمس للانتقال مرة ثانية لأن ذلك يكلفه مصاريف لا طاقة له بها.
وكان على المشرع لتفادي هذا الإشكال القانوني أن ينص في القانون رقم 03-81 المتعلق بتنظيم مهنة المفوض القضائي على إعفاء تنفيذ الأحكام القاضية بأداء النفقة من الأتعاب مسبقا من طرف المحكوم لهم على أن يستوفيها من المنفذ عليه إذا أدى، وإذا لم يتم التنفيذ يعوض عن ذلك كما هو الشأن في تبليغ القضايا الجنحية.
ب- توقف الحجز من أجل التنفيذ والبيع على مصاريف مسبقة :
إن التنفيذ يتوقف على وسائل النقل وعلى الأداء المسبق لبعض المصاريف كما سبق الذكر، وهو ما تفتقده مؤسسات التنفيذ بالمحاكم، سيما أعوان التنفيذ التابعين للمحكمة.
فالمفوض القضائي يعتمد في تنقله من اجل التنفيذ على واجب التنقل الذي يؤدى له مسبقا، وهو شيء لا يتأتى في الانتقال من أجل تنفيذ أحكام النفقة. وحتى إذا تم تجاوز هذه العقبة وتوفرت له وسيلة النقل ووجد المحكوم عليه وامتنع عن التنفيذ، وأجرى الحجز على أمواله المنقولة إن وجدت فإن ذلك يطرح عدة صعوبات :
1) من يؤدي واجب الخبرة لتحديد الثمن الأساسي لانطلاق المزاد العلني.
2) من يؤدي واجب الإشهار من أجل البيع بالمزاد العلني.
3) من يتحمل مصاريف نقل المنقولات إلى المحكمة أو إلى السوق الأسبوعي لإجراء البيع.
وإذا لم يُقدم أي عرض وهو ما يقع في كثير من الأحيان، فأين نضع هذه المنقولات علما أن المحاكم لا تتوفر على المستودعات خاصة إذا كانت هذه المنقولات عبارة عن حيوانات، ومن يتحمل مصاريف نقلها إذا قبل المنفذ عليه إبقاءه حارسا عليها.
2) العوائق القانونية في شان الضمانات الواردة في مدونة الأسرة :
1- المادة 102 :
ويلاحظ على المادة أنها عبرت بالإخلال دون الامتناع أو التوقف وهو ما يعني أن عدم الانتظام في أداء النفقة أو أدائها ناقصة وانقطاعها من حين لآخر تخول المرأة حق طلب التطليق، كما أنها استثنت التطليق على الزوج في حالة ظرف قاهر أو استثنائي كالمرض او عدم إيجاد العمل، وهو ما يعني أن العجز إذا كان له مبرر لا يكون سببا للطلاق وهو ما يعد إجحافا بحق المرأة.
وتميل المحاكم نحو التشدد في إيقاع الطلاق من اجل عدم الإنفاق وذلك بالمطالبة بالأداء بمحضر الامتناع ومحضر بعدم وجود ما يحجز مع أنه ليس بالمادة ما يحمل على هذا التشدد، إذ لم يشترط الامتناع الصريح وعدم وجود ما يحجز.
2- المادة 191 من .م.
أ – ما المقصود بوسائل تنفيذ الحكم بالنفقة المطلوب من المحكمة تحديدها في المادة.
ب- كيف تقتطع النفقة من منبع الريع أو الأجر؟
ج- ما هي الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة والتي يمكن تقريرها من طرف المحكمة؟
د- هل بقاء سريان الحكم بالنفقة إلى حين صدور حكم آخر أو سقوط الحق في النفقة كاف لضمان استمرار أداء النفقة؟
أ- تحديد وسائل تنفيذ الحكم :
إنني لا أتصور أية وسيلة لتنفيذ الحكم بالنفقة يمكن للمحكمة تحديدها، سوى الاقتطاع من منبع الريع أو الأجر، هل يمكن حجز جواز سفر المحكوم عليه مثلا إذا كان مهاجرا أو بطاقة ملكية السيارة أو رخصة النقل؟ وهل هذا الإجراء إذا تم يمكن أن يكون ذا فائدة ؟ ولا يخفى ما يمكن أن ينتج عن حجز جواز السفر من نتائج وخيمة تتمثل في فقدان العمل الذي هو مصدر العيش، كما أن حجز بعض الوثائق الأخرى كرخصة السياقة وورقة ملكية السيارة من شانه قطع مصدر الرزق على المحكوم عليه وعلى المحكوم له على المدى البعيد؛ هل يمكن النص في الحكم على حجز سيارة المحكوم عليه حجزا تحفظيا وبيعها مباشرة إذا لم يؤد ما قضى به الحكم بعد مرور مدة عشرة أيام على التبليغ والإعذار والمنصوص عليهما في الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية.
ب- كيف تقتطع النفقة من منبع الريع ومن الأجر
1- الريع :
يمكن أن يتم هذا الاقتطاع من مبالغ الكراء أو الدخل من شركة أو أرض فلاحية أو عائدات الفوائد في الأبناك أو عائدات رخص النقل، لكن السؤال المطروح هو: هل يقتطع مبلغ النفقة دفعة واحدة إذا كان دخل المحكوم عليه مما ذكر يستوعبه أم يقتطع مجزءا؟ حتى لا يحرم المحكوم عليه من نفقته هو ومن يسير مصدر الريع، وما هي نسبة الاقتطاع؟ وما الحكم إذا امتنع المكتري أو البنك من الاستجابة لما جاء في الحكم خصوصا إذا لم يدخل في الدعوى ليصير طرفا في الحكم؟ هل يمكن تطبيق مسطرة إهمال الأسرة على الحائز للريع أو الوسيلة المذرة للريع كسيارة الأجرة.
2- الأجر :
كانت الوسيلة الممكنة للاقتطاع من الأجر بالنسبة للمأجورين في القطاع الخاص هو الحجز لدى الغير، فكيف يمكن الاقتطاع منها في إطار المادة 191، هل بمجرد تبليغ الحكم للمشغل؟ أم لا بد من مطالبته من طرف المفوض القضائي بالأداء ؟ وما هي النسبة التي يؤديها من طرف العامل، هل يتقيد بالنسبة المنصوص عليها في ظهير 1943 المتعلق بالاقتطاع من الأجور ولمن سيؤدى، هل لمستحق النفقة مباشرة أم يؤدى بكتابة الضبط وهل عن طريق الحوالة أو المناولة.
هذا إذا قبل المشغل تحمل وجع الرأس هذا ولم يمتنع بعلة أن الحكم لا يعنيه ما دام ليس طرفا فيه.
3- مرتبات الموظفين والمتقاعدين :
إن الطريقة الجاري بها العمل هو تقديم طلب تنفيذ الحكم القاضي بالاقتطاع من مرتب الموظف المحكوم عليه، وإحالة الطلب عن طريق الإنابة إلى المحكمة الابتدائية بالرباط للقيام بالمطلوب عن طريق المفوض القضائي أو عون المحكمة.غير أن الممارسة العملية أظهرت أن المفوضين القضائيين وكذا موظفي الخزينة العامة لم يستوعبوا بعد مقتضيات مدونة الأسرة ولازالوا يتعاملون مع الأحكام الصادرة بالاقتطاع معاملة الحجز لدى الغير ولدي نموذج في هذا الشأن وهو :
حكم صدر عن ابتدائية امنتانوت على موظف باقتطاع نفقة الأبناء وتكاليف سكنهم من المرتب، فتقدم نائب المحكوم لها بطلب التنفيذ فأحيل على المحكمة الابتدائية بالرباط فسلمته إلى المفوض القضائي الذي انتقل إلى الخازن العام وبلغه بالحكم وبإجراء الحجز لديه طبقا لمقتضيات الفصل 494 من ق.م.م فقام الخازن بحجز المبلغ وإخبار هذه المحكمة بذلك على أساس إجراء مسطرة التسوية الودية والانتقال لدعوى المصادقة على الحجز في حال فشل التسوية، وهو إجراء لا علاقة له بموضوع الاقتطاع الذي يجب أن يحول مباشرة إلى المحكوم لها.
إنه لتسهيل تنفيذ هذه الأحكام ينبغي إدخال الغير في الدعوى الذي سيقوم بالاقتطاع والأداء كالمكتري والمشغل والخازن العام.
ج- الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة وبقاء سريان الحكم بالنفقة إلى صدور حكم آخر أو سقوط الحق في النفقة غير كاف لضمان استمرار أداء النفقة؛ فما هي الضمانات التي يمكن تقريرها من طرف المحكمة هل بتقديم ضامن شخصي او ضامن عيني كإيداع مبلغ بصندوق المحكمة أو بالبنك أو تخصيص ريع معين لأداء النفقة.
3- المادة 202 من مدونة الأسرة
يلاحظ أن المادة رتبت حكمها على التوقف عن أداء نفقة الأبناء فما حكم التوقف عن أداء نفقة الزوجة؟ هل هي مستثناة من هذا الحكم أم مجرد إغفال من المشرع؟ مع أن نفقة الزوجة لها الأولوية على نفقة الأولاد في حالة عدم قدرة الملزم بالنفقة على أدائها للإدلاء وغيرهم طبقا للمادة 193 من المدونة.
لذا فإني أرى أن المشرع كان عليه أن ينص على التوقف عن أداء نفقة الزوجة والأبناء، وإن كان يمكن القول بأنه خص نفقة الأبناء لعدم قدرتهم على المطالبة بها لانعدام أهليتهم.
ولابد من الإشارة إلى أن حكم المادة يشمل حتى الزوجة عندما نكون ملزمة بنفقة الأبناء والتوقف عن الأداء.
وتثير المادة عدة تساؤلات أخرى حول كيفية إمكان إثبات التوقف عن النفقة، هل بإنذار من مستحق النفقة وبقاؤه بدون جواب وأداء مدة شهر من تاريخ التوصل؟ أم بمحضر من المفوض القضائي؟
هل النيابة العامة عندما تقدم إليها الشكاية في هذا الشأن تتأكد من الشروط الواردة في هذه المادة وتتابع المتوقف عن النفقة؟ أم لابد من تأكدها من توفر الشروط الواردة في الفصل 480 من ق.ج، وهل لها أن تحرك الدعوى العمومية بدون شكاية المعني بالأمر باعتبارها طرفا أصليا في قضايا الأسرة؟
ويظهر أن القول بتطبيق مواد القانون الجنائي على الحالة يفرغ المادة 202 من محتواها لأنها تشترط فقط التوقف لمدة شهرين في حين تشترط فصول القانون الجنائي وجود حكم نهائي او حكم مؤقت قابل للتنفيذ وتقديم الشكاية وتوجيه الاعذار.
كما يثور التساؤل حول نوع العذر المقبول للتوقف عن أداء النفقة؟ هل المرض، هل عدم إيجاد العمل، هل السجن، هل السفر، هل العسر وبما يثبت هذا العسر ؟ .
لا ريب أن أحدا لا يجادل في أن العسر الثابت والسجن والسفر المفاجئ يعتبر عذرا مقبولا في حين أن المرض وخصوصا غير الخطير منه وعدم إيجاد العمل لا يعتبران عذرا يسقط العقاب، لان المريض قد تكون له مداخيل لا تتأثر بالمرض كما أن عدم إيجاد العمل ينتج عن التكاسل عن البحث عنه أو فقدانه بسبب السلوك السيئ.
ونظرا لهذه الصعوبات فإن أغلب ملفات تنفيذ أحكام النفقة تنتهي بتحرير محاضر بعدم وجود ما يحجز، وإن تم حجز بعض المنقولات فإنها تبدد من طرف المحجوز عليه.
العوائق الواقعية :
إن هذه العوائق منها ما هو متشابه يمكن أن يقع في جميع الجهات، ومنه ما هو خاص ببعض المناطق تبعا للموقع ومستوى الوعي والوضعية الاجتماعية والإمكانيات الاقتصادية واهم العوائق الواقعية المتشابهة هي:
1) صعوبة التعرف على المنفذ عليه والعثور على المحجوز:
إن القائم بالتنفيذ يلاقي صعوبات كثيرة في التعرف على المنفذ عليه عندما ينتقل إلى التنفيذ عليه لكون طالب التنفيذ لا يرافقه إلى سكن المنفذ عليه لإرشاده إليه، مما يضطر معه العون المكلف بالتنفيذ إلى البحث عن سكناه أو مكان وجوده بواسطة جيرانه أو أعوان السلطة الذين لا يقدمون المساعدة اللازمة لتحقيق النتيجة المرجوة.
ويساهم في تعقيد المشكل المنفذ عليه نفسه الذي يتعمد الاختفاء إذا علم بقدوم العون أو المفوض من أجل مطالبته بالأداء، وقد يكون موجودا داخل مسكنه فيوصي من فيه بعدم الجواب عن طرق الباب، ويترصد حركات العون المكلف بالتنفيذ من بعيد أو عبر النوافذ.
ويلجأ إلى عدة أساليب وحيل لإخفاء كل ما يمكن حجزه من منقولات وحيوانات وتهريبها إلى جهة غير معلومة، الأمر الذي لا يستطيع معه المكلف بالتنفيذ فعل شيء ويرجع خالي الوفاض.
كما يثور عائق جر الناقلات والعربات والإيداع في مكان مأمون.
2) عائق حراسة الشيء المحجوز :
إن المكلف بالتنفيذ ملزم بتعيين حارس على الشيء المحجوز وفي إمكانه أن يعين المنفذ عليه بموافقة طالب التنفيذ، لكن إذا لم يقبل المنفذ عليه تحمل مسؤولية الحراسة، فمن يتولاها، إذ يصعب إسنادها إلى المرأة أو الأطفال، وإسنادها إلى أمين يتطلب مصاريف لا يمكن تحميلها لطالب التنفيذ لإعفائه من الرسوم القضائية ولاقتقاده الطاقة على أدائها.
ويتعمد المنفذ عليهم أحيانا رفض الحراسة لعرقلة إجراء التنفيذ، وإذا فرضت عليه فإنه يتولاها على مضض وغالبا ما يبدد المحجوز ويدفع عند متابعته بجريمة التبديد بأنه لم يقبل الحراسة، وأنه وضع المحجوز رهن إشارة العون والمفوض القضائي، وعينه حارسا عليه بدون رضاه.
وإذا كان الأمر يتعلق بالحيوانات فإنها تتعرض للإهمال والتفريط حتى تتعرض للهزال والضعف أو تموت فيدعي الحارس بأن ذلك قضاء وقدر ولا طاقة له برده.
3) عائق عدم الاقبال على المزايدة :
إن الغاية من إجراء الحجز التنفيذي على المنقولات هو عرضها للبيع لاستخلاص مبلغ الدين المحكوم به منها، لذلك تعرض للبيع بالمزاد العلني بعد القيام بعملية الإشهار بالوسائل المتاحة، غير أن عرض المنقول للبيع قد يتم عدة مرات ولا يتقدم أي مزايد لزهد الناس في ذلك لعدم أهميته، أوتجنبا لإيذاء شعور المنفذ عليه خصوصا إذا كان من الأقارب أو الأصدقاء أو خوفا من نقمته، وهو ما يؤدي إلى ضياع المحجوز وتعرضه لانخفاض ثمنه ونقص قيمته.
أما أهم العوائق التي تواجهها عملية التنفيذ بمنطقة امنتانوت فهي :
1) غياب المنفذ عليهم وعدم استقرارهم :
إن المنطقة معروفة بأوضاعها المزرية من حيث انتشار الأمية والعزلة والجفاف وقلة الموارد المالية ونذرة فرص العمل، الأمر الذي يدفع ساكنتها إلى النزوح نحو المدن الكبرى وبعض المناطق المزدهرة اقتصاديا للبحث عن العمل وكسب لقمة العيش.
لذا فإن كثيرا من المنفذ عليهم لا يتم العثور عليهم بعناوينهم لمغادرتها للأسباب المذكورة آنفا، ولا يعودون إليها إلا في الأعياد وبعض المناسبات، ولا يلبثون أن يعودوا من حيث أتوا قبل أن ينتقل المفوض القضائي لمطالبته بأداء ما بذمته، ولا يملك المفوض حلا غير تحرير محضر التحري بغياب المنفذ عليهم، ولإعطاء صورة عن النسبة المرتفعة التي تشكلها هذه الحالة من قضايا التنفيذ أسوق لكم إحصاء لشهر أكتوبر من هذه السنة، حيث بلغ عدد ملفات تنفيذ النفقة المسجلة بمحكمة امنتانوت 31 ملفا تنفيذيا حرر محضر تحر في احد عشر ملفا منها بسبب الغياب.
2) صعوبة المواصلات :
تضاريس المنطقة التي تقع ضمن سلسلة جبال الأطلس الكبير عبارة عن قمم وشعاب ووديان، تتسم بصعوبة المواصلات وبانعدامها أحيانا، ويتم الاعتماد على الوسائل البدائية كالدواب أو المشي على الأقدام، وهو ما يجعل الوصول إلى المنفذ عليهم صعبا إضافة إلى الحاجة إلى مرشد يرشد القائم بالتنفيذ إلى الدوار وإلى الدار، ولا يتأتى للمرأة والأطفال القيام بهذا الدور سيما إذا كانوا يتواجدون في مكان بعيد عن مكان وجود المنفذ عليه، وإذا كان الوصول إلى المنفذ عليه بهذه الصعوبة، فكيف بإجراء الحجز ونقله للبيع؟.
3) الوضعية المادية والاجتماعية للمنفذ عليهم :
أظهرت الممارسة العملية أن كثيرا من المنفذ عليهم لا عمل لهم ولامورد عيش وأنهم يعيشون في كنف والديهم، ولا مال لديهم يمكن أداؤه، أو منقول يمكن حجزه، فتارة يقبل الوالد الأداء عن الابن، وتارة يمتنع ولا سبيل لجبره وهو ما يجعل التنفيذ ينتهي بالامتناع وتحرير محضر بعدم وجود ما يحجز.
فهل تحرير محضر بعدم وجود ما يحجز واعتماده من طرف الزوجة لتقديم شكاية من أجل إهمال الأسرة، وهل عقاب مبدد المحجوز ومهمل الأسرة يرفع عن المرأة الضيم والحيف، وهي التي كافحت من أجل الحصول على نفقة تسد بها رمقها ورمق أبنائها وذلك بتقديم دعوى النفقة ومتابعتها ابتدائيا واستئنافيا وربما نقضا وتبليغا وتنفيذا، وفي آخر المطاف ترجع بخفي حنين كما يقال.
أليس من السهل أن تصبح عرضة لكل الشرور من تشرد وذل ومسكنة هي وأبناؤها، وبالرجوع إلى الإحصائيات التي تتعلق بقضايا إهمال الأسرة التي راجت بمحكمة امنتانوت خلال 2007 تبين أن مجموعها 20 قضية، سبعة منها هي التي أدى المتابعون فيها النفقة والباقي عوقبوا بالحبس النافذ لعدم الأداء.
وعليه فلا يكفي سن التشريعات وإصدار الأحكام لإنقاذ المرأة والأبناء من الأوضاع المزرية التي يعيشونها بسبب حرمانهم من لقمة العيش التي تقوم أودهم.
وإنما آن الأوان لتأهيل المرأة والرجل علما وعملا وجعلهما أساسا للتنمية حتى يكونا أسرة قوية متماسكة تستطيع الاستمرار وأداء دورها في تكوين أجيال صالحة.
ولعل في التعجيل بإنشاء صندوق التكافل العائلي الذي نادى به ملك البلاد محمد السادس وتفعيل مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة التي تحمل الدولة مسؤولية اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ما يرفع شيئا من الحيف اللاحق بالمحرومين من النفقة والرعاية دون ذنب جنوه.

 

انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:
التالي
رسالة أحدث
السابق
هده آخر مقالة

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة