"الكفالة في التشريع المغربي" بقلم ذ: "رشيد بومريم"

انشرها على:


"الكفالة في التشريع المغربي"

بقلم ذ: "رشيد بومريم"

تلعب التأمينات سواء العينية أو الشخصية دورا مهما في عملية الائتمان حيث إنها توفر الضمان الكافي للدائن من اجل تقديم القرض للمدين.

وتعتبر الكفالة أهم الضمانات الشخصية ذلك انه بمقتضاها يصبح للدائن عدة مدينين مسؤولين عن الدين  وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 1117 من قانون الالتزامات و العقود بقوله: "الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن بأداء التزام المدين، إذا لم يؤده هذا الأخير نفسه."

وبالرجوع إلى النصوص المنظمة لأحكام عقد الكفالة الواردة في ق.ل.ع يمكن القول بأنها أصبحت لا تواكب المستجدات و التطورات الاقتصادية، حيث أن القواعد التي تنظم هذا النوع من العقود التي تعتمد كأساس لها صفة التبعية للالتزام الأصلي أصبحت متجاوزة، بعد أن أصبح الدائنون بفعل قوتهم الاقتصاديــــة لا يقبلون إلا الضمانات الشخصية المستقلة والمجردة من كل ارتباط بالالتزام الأصلي" المبحث الأول"  مما يستوجب تدخل المشرع المغربي لكي يعيد صياغة النصوص القانونية المنظمة لهذا العقد حتى يكون بناؤه القانوني متكاملا ومطبوعا بروح التجديد والعصرنة لمواجهة مختلف الأوضاع المستجدة "المبحث الثاني"

المبحث الأول: هيمنة صفة التبعية على الكفالة في جميع مراحلها

تظهر صفة التبعية التي هي من خصائص عقد الكفالة في جميع مراحله سواء عند انعقاده "المطلب الأول" أو عند ترتيب آثاره "المطلب الثاني" أو حتى في مرحلـة انقضائه "المطلب الثالث".

المطلب الأول: تكوين عقد الكفالة

ينص الفصل 1117 من ق ل ع ان الكفالة عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن بأداء التزام المدين، إذا لم يؤده هذا الأخير نفسه، فالكفالة باعتبارها عقد تخضع شانها شان سائر العقود لشروط انعقاد العقد بصفة عامة من أهلية و رضا و محل و سبب ، وأيضا للشروط الواجب توافرها لصحته.ان عقد الكفالة كما سبق ان رأينا في العرض المتعلق بالمدخل لدراسة عقد الكفالة هو من العقود الرضائية التي لا يشترط في انعقادها أي شكل خاص، ويكفي ان يتم التراضي بين الكفيل و الدائن ودون حاجة إلى أي إجراء آخر.السؤال الذي يطرح هنا هو مدى أهمية رضاء المدين و بالتالي اثر ذلك على عقد الكفالة، مادام ان هذا العقد يربط بين الكفيل  و الدائن كطرفين أساسيين حيث ان رضائهما هو المعول عليه في تكوين العقد وترتيب آثاره؟

ينص الفصل 1126 من ق ل ع على أنه يمكن كفالة الالتزام بغير علم المدين الأصلي ولو بغير إرادته، غير أن الكفالة التي تقدم برغم الاعتراض الصريح من المدين ، لا يترتب عنها اية علاقة قانونية بين هذا الأخير وبين الكفيل، وإنما يكون ملتزما في مواجهة الدائن فقط. لكن ما هو شكل هذا التراضي؟ هل يشترط أن يكون صريحا؟ أم يكفي أن يكون ضمنيا؟

وفقا للقواعد العامة يمكن ان يكون التعبير عن الإرادة بشكل صريح أو بشكل ضمني، أم بالنسبة للكفيل فقد اوجب المشرع المغربي شانه في ذلك شان المشرع الفرنسي وغيره أن يكون الرضا صريحا وواضحا حيث جاء في الفصل 1123 من ق ل ع " يجب أن يكون التزام الكفيل صريحا و الكفالة لا تفترض"، إذن لا بد لانعقاد الكفالة أن يرد رضاء الكفيل صريحا وواضحا وضوحا كافيا لا لبس فيه، وليس ضروريا أن ياتي رضاء الدائن صريحا وهذا ما يستشف من الفصل 1125 من ق ل ع الذي ينص على ما يلي:" لا ضرورة لقبول الكفالة صراحة من الدائن، غير أنها لا يمكن أن تعطى برغم إرادته " وبذلك يستوي أن يكون رضاء الدائن صريحا أو ضمنيا.لقد جاء في الفصل 1124 من ق ل ع بان التعهد بكفالة شخص معين لا يعتبر كفالة، ولكن يحق لمن حصل له هذا التعهد ان يطلب تنفيذه، فان لم ينفذ كان له الحق في التعويض"، يتبن من هذا الفصل انه كما قد يتم التراضي بين الكفيل و الدائن على عقد الكفالة يمكن أن يكون محل هذا التراضي وعدا بالكفالة فقط، والمشرع المغربي جاء صريحا في عدم اعتبار التعهد بالكفالة بمثابة الكفالة، وكل ما هنالك أن الشخص الذي حصل له هذا التعهد وقد يكون اما الدائن او المدين حسب الأحوال بإمكانه اللجوء للقضاء لطلب تنفيذ هذا التعهد.

لكي تكون الكفالة صحيحة يجب ان تكون إرادة كل من طرفي الكفالة إرادة سليمة أي غير مشوبة بأي عيب من عيوب الرادة زيادة على ذلك يجب ان يكون التعبير عن الإرادة صادرا ممن يملك إصداره أي متوفرا على الأهلية اللازمة لا برام عقد الكفالة. بالنسبة للأهلية يمكن التمييز بين كل من الكفيل و الدائن ، فبالنسبة للدائن تعد الكفالة من الأعمال النافعة نفعا محضا اذا لم يكن ملتزما بشيء في مقابل التزام الكفيل و بالتالي يكفي ان يكون بالغا سن التمييز ، فيكون الصبي المميز أهلا لإبرام الكفالة، أما إذا كان الدائن ملتزما بشيء في مقابل التزام الكفيل، لزم أن تتوافر للدائن الأهلية الكاملة. أما بالنسبة للكفيل و الذي تعد الكفالة بالنسبة اليه عملا تبرعيا فقد اوجب ق ل ع في الفصل 1119 الذي جاء فيه:" لا يجوز لأحد ان يكفل دينا، ما لم يكن متمتعا بأهلية التفويت على سبيل التبرع......" ثم جاء في الفقرة الثانية من نفس الفصل ليقرر بطلان  الكفالة التي يكون فيها الكفيل قاصرا  ولو حصل على إذن من أبيه أو وصيه بالموافقة طالما لم تكن له مصلحة في موضوع الكفالة. وبمفهوم المخالفة يجوز للقاصر أن يكفل دينا معينا إذا كان قد استأذن في ذلك أباه أو وصيه وإذا كانت هناك مصلحة له في موضوع الكفالة. هذا فيما يتعلق بالأهلية و الرضا أما بالنسبة للمحل فيتحدد التزام الكفيل بالوفاء بالالتزام الأصلي الذي هو التزام المدين وذلك في حالة عدم تنفيذ هذا المدين لالتزامه.

إن طابع التبعية الذي يميز العلاقة بين التزام الكفيل والتزام المدين الأصلي تفرض ان يكون التزام المدين التزاما صحيحا،؟ حتى يكون التزام الكفيل صحيحا أيضا، حيث نص المشرع المغربي في الفصل 1120 من ق ل ع على انه" لا يجوز ان تقوم الكفالة إلا إذا وردت على التزام صحيح".

ونظرا للارتباط الوثيق القائم بين التزام الكفيل و التزام المدين الأصلي فانه يعبر عن محل الكفالة في الفقه بالالتزام المكفول لأنه بهذه الصورة يجمع بين كلا الالتزامين.

فمحل عقد الكفالة " الالتزام المكفول" لا بد ان تتوافر فيه شروط محل الالتزام بصفة عامة حيث يجب ان يكون المحل موجودا او قابلا للوجود أي ممكنا، وان يكون معينا او قابلا للتعيين وان يكون مشروعا.

بالنسبة للشرط الأول وهو وجود الالتزام المكفول، فكما هو معلوم أن التزام الكفيل ينصب على تنفيذ الالتزام المضمون إذا لم يقم المدين الأصلي بتنفيذه، ولذلك فان الكفالة تفترض قيام التزام أصلي، يرد عليه التزام الكفيل بالضمان ، فان لم يكن هناك التزام أصلي أو لم يكن يتوافر لهذا الالتزام مقومات وجوده القانوني كالتزام، فلا مجال للحديث عن الكفالة، لان التزام الكفيل  التزام تبعي يرتبط في قيامه و في بقائه بوجود و بقاء الالتزام الأصلي .                                              

"كفالة الالتزام المعلق على شرط":

بالنسبة للمشرع المغربي لم يتعرض لهذه الحالة بنص خاص عكس مثلا المشرع المصري الذي اقر جواز الكفالة في الدين الشرطي، وهذا الحكم يعد تطبيقا للقواعد العامة، حيث انه طبقا لهذه الأخيرة تجوز كفالة الدين المشروط سواء كان الالتزام الأصلي معلقا على شرط واقف او شرط فاسخ.

    فاعتبار أن الكفالة عقد تبعي للالتزام الأصلي فان هذه التبعية تظهر في هذا المقام أيضا حيث أن الكفالة تأخذ وصف الالتزام الأصلي، فإذا كان  معلقا على شرط فاسخ كان التزام الكفيل معلقا على شرط فاسخ ، وبالتالي يجري عليه ما يجري على الالتزام الأصلي من أحكام، فإذا تخلف الشرط الفاسخ صار الالتزام الأصلي  باتا، ويصير التزام الكفيل أيضا باتا، أما إذا تحقق الشرط الفاسخ فان الالتزام الأصلي يفسخ بأثر رجعي ويعتبر كان لم يكن ويتبع ذلك فسخ التزام الكفيل ويصبح كان لم يكن. وإذا كان الالتزام الأصلي معلقا على شرط واقف ، فانه بالتبعية يكون التزام الكفيل أيضا معلقا على شرط واقف، ومتى تخلف الشرط الواقف زال الدين الأصلي، ويزول معه بالتبعية التزام الكفيل ويعتبر كان لم يكن، أما إذا تحقق الشرط الواقف فان الالتزام الأصلي لا ينفذ بأثر رجعي و إنما يكون له اثر مباشر ، ويصبح كل من التزام المدين الأصلي  والتزام الكفيل نافذا باتا و في هذه الحالة تسري جميع أحكام الكفالة.             

" كفالة الالتزام الطبيعي":

ننتقل الآن إلى نقطة أخرى مهمة وهي كفالة الالتزام الطبيعي، فكما هو معلوم أن مصطلح الالتزام الطبيعي يطلق على واجب لا يجبر من يقع على عاتقه أدائه، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى صحة كفالة الالتزام الطبيعي؟

 المشرع المغربي على غرار  باقي التشريعات لم يورد نصا خاصا بكفالة الالتزام الطبيعي، ويرى اغلب الفقه أنه لا يجوز كفالة هذا النوع من الالتزام  خصوصا وانه بوقوع مثل هذه الكفالة، سيصبح الكفيل ملزما بالوفاء بالتزام لا يمكن أن يجبر المدين الأصلي على وفائه، وهذا قد ينتج عنه أن يصبح التزام الكفيل اشد من التزام المدين الأصلي، وهذا لا ينسجم مع أحكام الكفالة، إضافة إلى ذلك فان الكفيل الذي يرجع على المدين بما وفاه عنه ، فإذا لم يستطع ذلك فيكون في هذه الحالة مدينا أصليا وليس كفيلا، ويرى أستاذنا الدكتور سعيد الدغيمر بإمكانية تصور كفالة الالتزام الطبيعي في حالة موافقة المدين على الكفالة ، ويضيف أستاذنا على انه مادامت كفالة الالتزام المعلق على شرط جائزة فمن باب أولى إجازة كفالة الالتزام الطبيعي.

"صحة الالتزام المكفول":

ينص الفصل 1120 من ق ل ع على انه:" لا يجوز ان تقوم الكفالة إلا إذا وردت على التزام صحيح" فإذا كان الالتزام الأصلي صحيحا صحت الكفالة الضامنة له، لكن قد يحدث ان يبطل الالتزام لاختلال ركن من أركانه أو قد يصيبه عيب يجعله مهددا بالإبطال فما هو مصير الكفالة في هذه الأحوال؟

- بالنسبة لكفالة الالتزام الباطل: إذا كانت صحة الالتزام المكفول مرهونة بصحة الالتزام الأصلي  فإنه بمفهوم المخالفة يكون التزام الكفيل باطلا متى كان الالتزام الأصلي باطلا أيضا، أي أن التبعية تكون في حالة الصحة كما تكون في حالة البطلان، وقد نصت المادة 1140 من ق ل ع على أن للكفيل أن يتمسك  في مواجهة الدائن بكل دفوع  المدين الأصلي سواء كانت شخصية او متعلقة بالدين المضمون، ومن الدفوع التي يمكن أن يحتج بها المدين الأصلي البطلان وعليه وبحكم التبعية الموجودة بين كلا الالتزامين فان الكفيل أيضا بإمكانه الاحتجاج ببطلان الالتزام الأصلي وبالتالي  بطلان الكفالة الضامنة له وهذه النتيجة كرسها المشرع المغربي  في المادة 1150 من ق ل ع حيث نص على أن كل الأسباب  التي يترتب عليها بطلان الالتزام الأصلي  أو انقضاؤه يترتب عليها انقضاء الكفالة وسوف نقوم بتفصيل هذه النقطة عند التطرق لانقضاء الكفالة.

- أما بالنسبة لكفالة الالتزام القابل للإبطال فما قلناه عن كفالة الالتزام الباطل ينطبق على هذا الأخير من حيث إمكانية تمسك الكفيل بالدفع بهما في مواجهة الدائن.

  فالكفيل يستطيع ان يتمسك بإبطال التزامه نتيجة لقابلية الالتزام الأصلي للإبطال أما إذا كان الالتزام القابل للإبطال أصبح صحيحا بالإجازة، فان هذا الالتزام يصبح صحيحا نهائيا بالنسبة للمدين الأصلي ولكن للكفيل أن يتمسك بإبطال الكفالة ما لم يجز هو بدوره الكفالة فتصبح صحيحة بعد أن كانت قابلة للإبطال أو ما لم يسقط حقه في التمسك بالإبطال.

المطلب الثاني: آثار عقد الكفالة:

لا تظهر آثار الكفالة حيث يقوم المدين بالوفاء بدينه ، فتبرا ذمته وتبرا ذمة الكفيل تبعا له، وعلى العكس فإن آثار الكفالة تظهر لدى رجوع الدائن على الكفيل مطالبا إياه بالوفاء بالدين المكفول، هذه الآثار ندرسها من خلال علاقات ثلاث:- علاقة الدائن بالكفيل.- علاقة الكفيل بالمدين. – علاقة الكفلاء بعضهم ببعض.

أولا: "علاقة الدائن بالكفيل":

العلاقة بين الدائن و الكفيل تعكس من جانب سعي الدائن لاستيفاء حقه من الكفيل من خلال مطالبته بالوفاء ، وتعكس من جانب آخر  مواجهة الكفيل هذه المطالبة بما يتسنى له من دفوع بغرض تأجيل هذه المطالبة أو إبراء ذمته كلا أو بعضا من الدين المكفول.

أ)- مطالبة الدائن الكفيل بالوفاء:

يتقيد حق الدائن في مطالبة الكفيل بسبق حلول اجل الدين المكفول و سبق الرجوع على المدين.

1)- تقيد الدائن بسبق حلول الأجل: الغاية منه عدم إمكانية تنفيذ الالتزام جبرا إلا بعد حلول اجله، لكن قد يكون الأجل الممنوح للكفيل ليس هو نفس الأجل  الممنوح للمدين الأصلي، وفي هذه الحالة لا يجوز للدائن ان يرجع على الكفيل قبل حلول هذا الأجل، وقد أجاز المشرع المغربي في الفصل 1128 من ق ل ع أن يتجاوز الأجل الممنوح للكفيل الأجل الممنوح  للمدين الأصلي الفصل 1128 يقول:" لا يصح ان تتجاوز الكفالة ما هو مستحق على المدين إلا فيما يتعلق بالأجل".

أما إذا اتفق الدائن و الكفيل  على مدة اقل من تلك الممنوحة للمدين فلا يجوز في هذه الحالة للدائن أن يطالب الكفيل بالدين قبل حلول اجل الدين الأصلي حتى ولو استند الدائن في مطالبته هذه للأجل المتفق عليه مع الكفيل.

إذا حصل اتفاق المدين مع الدائن بعد إبرام عقد الكفالة على تعديل اجل الالتزام الأصلي، فان هذا الاتفاق لا يمس بمصلحة الكفيل إذا انطوى على تقصير هذا الأجل أما إذا كان الاتفاق على مد اجل الدين، كان من حق  الكفيل أن يستفيد من ذلك ليتمسك باعتبار التزامه بالضمان  مستحقا عند الأجل الجديد، ولكن للكفيل أيضا أن يتمسك بالأجل الأصلي، فلتزم الدائن بقبول وفائه بالالتزام المكفول ، ولو قبل حلول الأجل الجديد حيث إن الخيار للكفيل ليفي في الأجل الذي يحقق مصلحته، ويثبت نفس الخيار للكفيل إذا ما نزل المدين الأصلي عن اجل التزامه، حيث ان نزوله هذا لا يلزم الكفيل، أي انه لا يجبر على الوفاء قبل حلول اجل الدين كما تم تحديده عند قبول الكفيل لكفالته، ولكن مع ذلك للكفيل ان يفي بالدين فورا  ما دام دين المدين أصبح مستحقا مع ثبوت حقه في الرجوع على المدين بما أداه . إلا أن هذه القواعد لا تبقى سارية دائما بحيث ان تغير وضعية الكفيل أو المدين بسبب الوفاة أو الإعسار قد يكون له اثر بالغ على اجل المطالبة بالوفاء.

* اثر تغير وضعية المدين على اجل الكفالة:

هنا نميز بين حالتين: حالة إعسار المدين و حالة وفاة المدين.

- بالنسبة لحالة إعسار المدين، ينص الفصل 139 من ق ل ع على انه:" يفقد المدين مزية الأجل إذا أشهر إفلاسه، أو اضعف بفعله الضمانات الخاصة التي سبق له أن أعطاها بمقتضى العقد....................".

يقرر إذن هذا الفصل سقوط الأجل بالنسبة للمدين لكن هل لهذا تأثير على التزام الكفيل؟ هل سقوط اجل المدين الأصلي يستتبع سقوط اجل التزام الكفيل بصفة تبعية؟ هنا اختلف الفقه في حل هذا الإشكال، فهناك من قال بعدم سقوط اجل التزام الكفيل بصفة تبعية استنادا إلى انه لا يمكن لا يمكن جعل مركز الكفيل أسوأ بعد الكفالة، وهذا الحل يتعارض مع خاصية   التبعية " تبعية التزام الكفيل لالتزام المدين" أما الجانب الآخر من الفقه فيقول بسقوط اجل التزام الكفيل، وذلك نظرا للطبيعة القانونية لالتزام الكفيل التي تكمن في تبعيته للالتزام الأصلي المكفول، كما يستند هذا الجانب من الفقه على المادة 662 من مدونة التجارة التي تنص على انه لا يمكن للكفلاء متضامنين كانوا ام لا ان يتمسكوا:

+ بمقتضيات مخطط الاستمرارية

+ بوقف سريان الفوائد المنصوص عليه في المادة 659

ثم تأتي هذه المادة في الفقرة الثانية لتقرر حكما وهو: يحتج على الكفلاء بسقوط الأجل، فهذه المادة جاءت صريحة وحاسمة في ان الكفيل يتحمل نتائج سقوط الأجل. هذا الاتجاه يستجيب لفكرة التبعية، إلا أنه فيه نوع من القسوة في معاملة الكفيل.

- بالنسبة لوفاة المدين: نص المشرع المغربي في الفصل 1135 من ق ل ع أن وفاة المدين تؤدي إلى حلول اجل الدين بالنسبة إلى تركته ولكن لا يسوغ للدائن مطالبة الكفيل قبل حلول  الأجل المتفق عليه. إذن لا يجوز مطالبة الكفيل بالوفاء إلا بعد حلول اجل كفالته. هذا بالنسبة لأثر تغير وضعية المدين على اجل الكفالة فماذا عن اثر تغير وضعية الكفيل على اجل الكفالة؟

* اثر تغير وضعية الكفيل على اجل الكفالة: 

نميز هنا كذلك بين حالتين حالة وفاة الكفيل وحالة إعساره.

  - بالنسبة لحالة وفاة الكفيل: نظم المشرع المغربي هذه الحالة في الفصل 1135 من ق ل ع وخصوصا وفاة الكفيل قبل حلول اجل الالتزام الأصلي للمدين حيث نص هذا الفصل على  ما يلي :" اذا مات الكفيل قبل حلول الأجل، حق للدائن الرجوع فورا على تركته دون ضرورة لانتظار حلوله، واذا دفع الورثة الدين في هذه الحالة كان لهم ان يرجعوا على المدين عند حلول اجل الالتزام  الأصلي"، فهنا تعتبر الكفالة من الحقوق الواجب إخراجها من تركة الكفيل.

- حالة إعسار الكفيل: نص نفس الفصل السابق 1135 من ق ل ع على أن إشهار إفلاس الكفيل يترتب عليه حلول اجل الدين بالنسبة إليه، حتى قبل حلول اجل الالتزام الأصلي، وللدائن في هذه الحالة أن يتقدم بدينه في تفليسة الكفيل.هنا تجب الإشارة إلى وجود خطا في الترجمة فهذا الفصل يتحدث عن شهر إعسار الكفيل وليس شهر إفلاسه على اعتبار أن النص الفرنسي ينص على l’insolvabilité déclaré de la caution………………

2)- سبق الرجوع على المدين: نص الفصل 1134 من ق ل ع على ما يلي:" لا يحق للدائن الرجوع على الكفيل إلا إذا كان المدين في حالة مطل في تنفيذ التزامه". إذن لكي يكون للدائن الحق في مطالبة الكفيل بالتزامه الذي حل اجله، فانه من اللازم عليه قانونا أن يقوم بهذه المطالبة بمباشرتها أولا في مواجهة المدين الأصلي، عند تماطل هذا الأخير في تنفيذ التزامه، آنذاك يكون من حق الدائن إعمال مقتضيات الرجوع على الكفيل وتقبل آنذاك دعواه. إن المقصود بالرجوع على المدين هو رفع الدعوى أي المطالبة القضائية فلا يجوز للدائن ان يرفع الدعوى على الكفيل وحده لإلزامه بالوفاء إلا بعد أن يرفع الدعوى على المدين ويحصل على حكم ضده بإلزامه بالوفاء، لان المشرع عندما اشترط الرجوع من الدائن على المدين، قصد بذلك استنفاذ الدائن للوسائل القضائية في استيفاء حقه من المدين، وعلى هذا الأساس إذا رجع الدائن على الكفيل وحده، فانه للكفيل ان يتمسك بالدفع بوجوب رجوع الدائن على المدين ، ويشترط للتمسك بهذا الدفع :

+ أن لا يكون الكفيل قد تنازل عن التمسك بهذا الدفع.

+ أن لا يكون الكفيل متضامنا مع المدين.

+ يشترط ان يكون للكفيل مصلحة في التمسك بهذا الدفع وهذا الشرط مستمد من القواعد العامة، حيث لا دعوى ولا دفع بدون مصلحة وحتى إن لم يتمكن الكفيل من إثارة هذا الدفع، فقد مكنه المشرع من مجموعة من الآليات الدفاعية فما هي إذن هذه الدفوع؟

ب)- الدفوع التي يحق للكفيل التمسك بها في مواجهة الدائن:

من بين الدفوع التي يمكن للكفيل التمسك بها في مواجهة الدائن:

- الدفع بالتجريد: هذا الدفع منظم بمقتضى الفصلين 1136 و1137 من ق ل ع ويشترط لإعماله ما يلي: 

+ لا بد أن يتمسك الكفيل بالدفع بالتجريد وحتى يتسنى له ذلك يجب أن لا يكون قد تنازل عن إعماله، والتنازل عن هذا الدفع لا بد وان يكون صريحا حيث نص الفصل 1137 في الفقرة الأولى على انه ليس للكفيل طلب تجريد المدين الأصلي من أمواله: أولا إذا تنازل صراحة عن التمسك بالدفع بالتجريد.

+ الشرط الثاني لإعمال هذا  الدفع يتعلق بأموال المدين التي يمكن التنفيذ عليها " الفصل 1136 و الفصل 1137 من ق ل ع . ومن آثار هذا الدفع حسب ما هو وارد في الفصل 1136 من ق ل ع، تتوقف مطالبة الكفيل إلى أن تجرد أموال المدين الأصلي بدون إخلال بحق الدائن في اتخاذ ما عساه أن يؤذن له به من الإجراءات التحفظية ضد الكفيل لضمان حقه.

- الدفع بالتقسيم: من الدفوع أيضا الدفع بالتقسيم  في حالة تعدد الكفلاء للدين الواحد، ويجب أن يكفل هؤلاء نفس المدين، إضافة إلى أن يكون تعدد الكفلاء بعقد واحد إذ انه إذا تعدد الكفلاء  وكان التزامهم بعقد واحد، فهذا دليل على أن كل كفيل كان على علم بوجود غيره من الكفلاء، وبالتالي انصرفت نيته إلى أنه لن يكفل سوى جزء من الدين كما يشترط لإعمال هذا الدفع عدم وجود تضامن بين الكفلاء الذين كفلوا نفس المدين في عقد واحد لان التضامن يعطي الحق للدائن في مطالبة أي كفيل منهم بكل الدين.

    - دفوع أخرى: بالإضافة إلى الدفع بالتجريد و الدفع بالتقسيم هناك دفوع أخرى بعضها مستمد من العلاقة بين الدائن و المدين، وهذا ما يستفاد من الفصل 1140 من ق ل ع، وكذلك حق الكفيل في الرجوع على الدائن من اجل إبراء ذمته وهذا ما بينه الفصل 1142 من ق ل ع الذي ينص على أن للكفيل ان يرجع على الدائن من اجل إبراء ذمته من الدين بمجرد تأخره عن المطالبة به بعد أن يصبح مستحق الأداء. كذلك من الدفوع التي يمكن للكفيل إثارتها حق الكفيل في مقاضاة المدين لإبراء ذمته إزاء الدين، (حيث انه في الأحوال العادية يرجع الكفيل  على المدين بعد قيامه بالوفاء ليتحلل من كفالته ويبرئ ذمته بعد قيامه بالالتزام الملقى على عاتقه) حيث انه في هذه الحالة يستطيع الكفيل الرجوع على المدين قبل قيامه بالوفاء وذلك في حالات معينة والتي تعتبر تقصيرا من المدين، حيث ينص الفصل 1141 من ق ل ع   على ما يلي:" للكفيل مقاضاة المدين الأصلي للحصول على إبراء ذمته من التزامه:

-أولا: إذا رفعت عليه الدعوى قضاء من اجل الوفاء بالدين أو حتى قبل أن توجه إليه أية مطالبة، إذا كان المدين في حالة مطل في تنفيذ الالتزام.

- ثانيا: إذا كان المدين قد التزم بان يقدم للكفيل إبراء ذمته من الدائن خلال اجل محدد، ثم حل هذا الأجل، وإذا لم يتمكن المدين من تقديم إبراء الذمة من طرف الدائن، وجب عليه أن يدفع الدين أو ان يعطي للكفيل رهنا أو ضمانة أخرى كافية.

- ثالثا: اذا صعبت مطالبة المدين الى حد كبير، نتيجة تحويل محل إقامته أو موطنه أو مركز صناعته.

وليس للكفيل الذي يوجد في إحدى الحالات المنصوص عليها في الفصل 1147 من ق ل ع أن يتمسك بمقتضيات الأحكام السابقة." والحالات المقصودة في  الفصل 1147 من ق ل ع هي حينما يكون للكفيل حق الرجوع على المدين الأصلي بمقتضى دعوى الحلول و بالتالي تنتفي الحاجة إلى إعمال مقتضيات الفصل 1141 من ق ل ع .

ثانيا: علاقة الكفيل بالمدين:

يتحدد التزام الكفيل في تنفيذ التزام المدين إذا عجز هذا الأخير عن الوفاء به، إلا انه إذا قام الكفيل فعلا بالوفاء، فان هذا الوفاء ينهي من جهة علاقة الكفيل بالدائن، وفي نفس الوقت تبدأ علاقة أخرى للكفيل في مواجهة المدين، فالكفيل الذي قام بوفاء دين غيره يبقى له حق الرجوع على المدين الأصلي بما أداه عنه، وهذا يعد تطبيقا للإثراء بلا سبب، فالكفيل لم يقضي دينه وإنما دين غيره وبالتالي على هذا الغير أن يرجع للكفيل قيمة ما أداه في محله. يمكن للكفيل الرجوع على المدين أما بمقتضى الدعوى الشخصية أو ما يطلق عليه دعوى الكفالة أو يرجع بمقتضى دعوى الحلول، ويمكن للكفيل اختيار أفضل وسيلة ملائمة له متى توفرت الشروط الضرورية لذلك إلا انه في بعض الحالات  قد يفقد الكفيل كل إمكانية للرجوع على المدين.    

أ)- الدعوى الشخصية:

بالنسبة للدعوى الشخصية نجد تطبيقا لها في الفصل 1143 من ق ل ع  الذي ينص على   انه :"  للكفيل الذي يقضي الالتزام الأصلي قضاء صحيحا حق الرجوع على المدين بكل ما دفعه عنه، ولو كانت الكفالة أعطيت بغير علمه ، وله حق الرجوع عليه أيضا من اجل المصروفات و الخسائر التي كانت نتيجة طبيعية و ضرورية للكفالة.

كل فعل يصدر عن الكفيل وليس وفاء بمعناه الحقيقي وإنما يترتب عليه انقضاء الالتزام الأصلي وبراءة ذمة المدين، يقع بمثابة الوفاء، ويعطي حق الرجوع من اجل أصل الدين و المصروفات."  ان وفاء الكفيل بالدين المكفول لصلح الدائن يخول له حق الرجوع على المدين عن طريق دعوى شخصية سواء أكان قد ابرم عقد الكفالة مع الدائن بعلم المدين او من دون علمه، وسواء أكان كفيلا عاديا أو متضامنا مع المدين.لكن إذا كانت الكفالة قد أعطيت برغم نهي المدين عنها ، فانه حسب الفصل 1148 من    ق ل ع  فليس للكفيل ان يرجع على المدين ، وكذلك حسب الفصل 1126 من ق ل ع الذي ينص على انه يمكن كفالة الالتزام بغير علم المدين الأصلي ولو بغير إرادته، غير أن الكفالة التي تقدم برغم الاعتراض الصريح من المدين، لا يترتب عنها أية علاقة قانونية بين هذا الأخير وبين الكفيل، وإنما يكون ملتزما في مواجهة الدائن فقط.

ب)- دعوى الحلول:

قد لا يكون من مصلحة الكفيل أن يرجع على المدين الأصلي بدعوى الكفالة، فيفضل ان يرجع عليه بدعوى الدائن نفسه، أي دعوى الحلول، خاصة إذا كان المدين قد قدم للدائن ضمانات عينية إلى جانب الكفالة ضمانا للوفاء بالتزامه الأصلي، اذ يكون في هذه الحالة في مأمن من مزاحمة الدائنين الآخرين للمدين، هذه المزاحمة التي يكون عرضة لها إذا ما اختار الرجوع على المدين بموجب دعوى الكفالة، فيستفيد اذن الكفيل في دعوى الحلول من الضمانات التي قدمها المدين للدائن.

وقد نظم المشرع حق ممارسة الكفيل لدعوى الحلول في الفصل 1147 من ق ل ع الذي جاء فيه:" الكفيل الذي وفى الدين وفاء صحيحا يحل محل الدائن في حقوقه وامتيازا ته ضد المدين في حدود كل ما دفعه، وضد الكفلاء الآخرين في حدود حصة كل واحد منهم، غير ان هذا الحلول لا يغير في شيء الاتفاقات  الخاصة المعقودة بين المدين الأصلي وبين الكفيل.

إن حلول الكفيل محل الدائن في حقوقه يدخل في إطار الحلول القانوني حسب ما نصت عليه الفقرة الثالثة من  الفصل 214 ق ل ع .

يشترط لإعمال دعوى الحلول ما يلي:

+ وفاء الدين عند حلول الأجل الأصلي للدين.

+ وفاء الكفيل بالدين وفاء مبرءا  لذمة المدين.

هناك حالات يفقد الكفيل فيها حقه في الرجوع على المدين حيث أورد الفصلان 1148 و 1149 من ق ل ع مجموعة من الحالات، وحرمان الكفيل هنا يكون نتيجة لإهماله وتهاونه.

ثالثا : العلاقة مابين الكفيل و غيره من الكفلاء:

نميز في هذه العلاقة بين حالتين: حالة تعدد الكفلاء مع عدم التضامن، وحالة تعدد الكفلاء مع تضامنهم.

أ)- حالة تعدد الكفلاء مع عدم التضامن:

  ينص الفصل 1138 من ق ل ع :" إذا كفل عدة أشخاص بعقد واحد نفس الدين، لم يلتزم كل منهم الا بقدر حصته منه، ولا يقوم التضامن بين الكفلاء إلا اذا اشترط، أو إذا كانت الكفالة قد أبرمت من كل كفيل على انفراد من اجل الدين كله، أو إذا كانت تعتبر فعلا تجاريا بالنسبة إلى الكفلاء". وعليه فاذا قام احد الكفلاء بوفاء نصيبه من الدين، فلا يملك اي حق للرجوع على غيره من الكفلاء بل يحتفظ بحقه في ذلك في مواجهة المدين، فكل واحد من الكفلاء مسؤول في مواجهة الدائن بمقدار نصيبه فقط، فاذا ما أعسر احد الكفلاء فان باقي الكفلاء لا يتحملون نتيجة إعساره. لكن السؤال الذي يطرح هنا إذا قام احد الكفلاء بوفاء كل الدين للدائن فهل بامكانه استعمال حق الرجوع على باقي الكفلاء بالقدر الذي يزيد على حصته في الدين؟ هنا يتم الاستناد الى قواعد الإثراء بلا سبب حيث يستطيع الرجوع على باقي الكفلاء بما أداه عنهم ولو انه لم يكن ملزما بذلك. لكن ما الحل الواجب إتباعه اذا أعسر احد الكفلاء وذلك مع افتراض ان احد الكفلاء قد قام بوفاء كل الدين؟ هنا يرى غالبية الفقهاء ان الذي يتحمل حصة المعسر هو نفس الكفيل الذي قام بالوفاء ويرى جانب اخر من الفقه ان الكفيل الذي وفى الدين كله يرجع ه على المدين، اما اذا أعسر المدين بدوره فله الرجوع على الدائن باعتباره هو الذي يتحمل إعسار احد الكفلاء.

ب)- حالة تعدد الكفلاء مع تضامنهم:

ان الأصل في تعدد الكفلاء أن لا يقوم على التضامن بينهم، ذلك أن التضامن لا يقوم بين الكفلاء الا اذا اشترط، او إذا كانت الكفالة قد أبرمت من كل من كفيل على انفراد من اجل الدين كله أو إذا كانت تعتبر فعلا تجاريا بالنسبة إلى الكفلاء (الفصل 1138 من ق ل ع)

  إذا كانت وضعية التضامن تسمح للدائن أن يطالب اي واحد من الكفلاء بمجموع الدين فان هذا الكفيل الذي قام بالوفاء له حق الرجوع على باقي الكفلاء كل بقدر حصته وبقدر نصيبه في حصة المعسر منهم ( الفصل 1145 من ق ل ع ).من جهة اخرى لا يكون للكفيل إعمال مقتضيات الرجوع على الكفلاء إلا إذا كان قد قام فعلا بالوفاء، وبالتالي فانه اذا برئت ذمة الكفيل ، ولكن لسبب اخر غي الوفاء او ما يقوم مقامه كالتقادم مثلا او الغبراء الحاصل من الدائن للكفيل فان الكفيل في هذه الحالة لن يكون باستطاعته الرجوع على غيره من الكفلاء لانعدام تحقق الوفاء الموجب لذلك، ونص الفصل 1146 من ق ل على ان الكفيل الذي يتصالح مع الدائن ليس له الحق في ان يرجع على الكفلاء  الآخرين الا في حدود  ما أداه حقيقة او قيمة ما أداه ان كان من المقومات.

  من ناحية أخرى يستطيع الكفيل الرجوع على بقية الكفلاء بالارتكاز على دعوى الحلول باعتبار انه قد حل محل الدائن عندما قام بالوفاء له بالدين، فيكتسب حق الحلول حتى في مواجهة باقي الكفلاء لكن في حدود حصة كل واحد منهم، وهذا ما أكده الفصل 1147 من ق ل ع  .اذن في التعدد و التضامن يشترك الكفلاء في المسؤولية في مواجهة الدائن الذي يستطيع أن يطالب أيا منهم بكل الدين الا انه في العلاقة الداخلية بينهم يبقى التزام كل واحد منهم محددا بحصته من الدين.                         

المطلب الثالث: انقضاء عقد الكفالة:

لقد تناول المشرع طرق انقضاء الكفالة من الفصول 1150 إلى 1160 من ق ل ع وهذه الطرق تنقسم إلى قسمين إما أن عقد الكفالة ينقضي بصورة تبعية أو بصورة أصلية.

أولا : انقضاء عقد الكفالة بصورة تبعية:

تتميز الكفالة بأنها تابعة للالتزام الأصلي لذلك فان ما ينقضي به  هذا الأخير ينقضي به التزام الكفيل عن طريق التبعية واهم أسباب انقضاء الالتزام بصورة تبعية هي:

1)- الوفاء: وهو سبب لانقضاء التزام الكفيل حيث تبرأ ذمة هذا الأخير إذا قام المدين الأصلي بالوفاء بدينه تجاه الدائن، ويكفي لانقضاء الالتزام المكفول ان يقوم الدائن بحجز أموال المدين وبيعها ، ولا يشترط في الوفاء ان يقوم به المدين الأصلي، بل قد يقوم به الكفيل، فهذا الوفاء سواء قام به المدين الأصلي او الكفيل فانه يؤدي إلى براءة ذمة المدين الأصلي من التزامه فتبرا تبعا لذلك ذمة الكفيل في مواجهة الدائن وهذا ما نص عليه الفصل 1152 من ق ل ع .

يجب توفر بعض الشروط حتى تنقضي التزامات الكفيل عند القيام بالوفاء وأهمها:

+أن يكون الوفاء كاملا وصحيحا.

+ أن يتم من طرف المدين او من طرف الكفيل، أما إذا قام الغير بالوفاء فان هذا الأخير سيحل محل الدائن فلا تنقضي التزامات الكفيل.+ ضرورة تحديد الدين الذي تم الوفاء به ( حالة تعدد ديون المدين تجاه  نفس الدائن الذي  تم الوفاء لصالحه).

2)- الوفاء بمقابل: ان انقضاء الالتزام الأصلي بطريق الوفاء بمقابل يؤدي الى انتهاء الكفالة، ففي هذه الصورة يقبل الدائن شيئا اخر غير الشيء المستحق و المتفق عليه عند إنشاء الالتزام.

ينص الفصل 1159 من ق ل ع على انه اذا قبل الدائن مختارا وفاء لحقه شيئا آخر غير الشيء المستحق له برئت ذمة الكفيل، ولو كان متضامنا، وذلك ولو استحق الشيء من يد الدائن او رده الدائن بسبب ما يشوبه من عيوب خفية، والصيغة التي جاءت بها هذه المادة جاءت عامة تقبل ان يكون من قام بالوفاء بمقابل هو المدين أو الكفيل أو غيرهما.

3)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي بالإنابة: الإنابة المقدمة من الكفيل او من المدين اذا ما قبلها الدائن و الغير المناب يترتب على ذلك انقضاء الالتزام الأصلي، وبصورة تبعية انقضاء التزام الكفيل، و الإنابة هنا هي الإنابة الكاملة التي تؤدي الى براءة ذمة المدين الأصلي بحيث تصبح الرابطة القانونية قائمة بين الدائن( المناب لديه) وبين المدين الجديد (المناب) مما يعني براءة ذمة الكفيل الذي انقضى التزامه تبعا لانقضاء التزام المدين الأصلي( حلول مدين جديد محل المدين السابق فالكفيل لا يضمن الا المدين الاول).

4)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي بإيداع الشيء المستحق: ذكر الفصل 1152 من ق ل ع انه ينقضي الالتزام بإيداع الشيء المستحق إذا اجري على وجه صحيح، فإذا لم يقبل الدائن الوفاء وكان محل الالتزام مبلغا من النقود، وجب على المدين ان يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا، فإذا رفض الدائن قبضه، كان له ليبرئ ذمته إيداعه في المكان الذي تعينه المحكمة. ولكي يكون العرض الحقيقي صحيحا لا بد من توفر الشروط التي حددها الفصل 279 من ق ل ع.

5)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي بالتجديد: أن تجديد الالتزام يكون له محل إذا كان هناك تغيير في احد العناصر الجوهرية لهذا الأخير ، بحيث يحل محل الالتزام القديم التزام جديد، والتجديد يؤدي الى انقضاء الالتزام في الحالات التالية: حالة تغير محل الالتزام، حالة تغير الدائن، حالة تغيير المدين.

  فتنتهي الكفالة اذن تبعا لانقضاء الالتزام القديم على اعتبار ان الدين الجديد يحل محل الدين القديم المكفول دون ان تنتقل اليه الضمانات الخاصة بالدين القديم الا اذا نص الاتفاق بشكل صريح على هذا الانتقال( الفصل 355 من ق ل ع)، فالفصل 1155 من ق ل ع ينص على ان التجديد  الحاصل مع المدين الأصلي يبرئ ذمة الكفلاء ما لم يرتضوا ضمان الالتزام الجديد غير انه اذا اشترط الدائن  تقدم الكفلاء لضمان الالتزام ثم امتنعوا فان الالتزام القديم لا ينقضي.

6)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الاصلي بالمقاصة: ينقضي الالتزام الأصلي للمدين بالمقاصة ويترتب عليها بالتالي انتهاء عقد الكفالة فالفصل 1153 من ق ل ع ينص على ان للكفيل التمسك بالمقاصة بما هو مستحق على الدائن للمدين الأصلي، كما أن له أن يتمسك بالمقاصة بما هو مستحق له شخصيا على الدائن.

7)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي بالغبراء: الإبراء هو أيضا سبب لانقضاء الالتزام الأصلي للمدين فينقضي تبعا له التزام الكفيل، وهذا ما تقرر في الفصل 1154  :"الإبراء من الدين الحاصل للمدين يبرئ ذمة الكفيل، ولكن الإبراء الحاصل للكفيل لا يبرئ ذمة المدين ، والإبراء الحاصل لأحد الكفلاء بدون موافقة الآخرين يبرئ هؤلاء في حدود حصة الكفيل الذي حصل الإبراء لصالحه."

8)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي باتحاد الذمة: إذا توفرت صفة الدائن و المدين في نفس الشخص يؤدي ذلك إلى انقضاء التزام الكفيل إذا اتحدت ذمة المدين الأصلي مع ذمة الدائن، كان يكون المدين وارثا للدائن، وتجب الإشارة إلى انه إذا كان الدائن قد ترك ورثة آخرين غير المدين فان ذمة الكفيل تبرا عندئذ في حدود حصة هذا الأخير من الدين فقط وليس من كل الدين.

9)- انقضاء الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي بالتقادم: إذا تم التقادم لصالح المدين أفاد الكفيل  وانتهت الكفالة تبعا لانقضاء الالتزام الأصلي للمدين وفي المقابل، إذا قطع التقادم بالنسبة إلى المدين الأصلي امتد اثر هذا القطع الى الكفيل (الفصل 1158 من ق ل ع). 

كما يمكن ان ينقضي التزام المدين الأصلي المكفول باستحالة التنفيذ لسبب قاهر أو لحادث فجائي أو لأي سبب أجنبي آخر لا يد للمدين الأصلي فيه، فإذا انقضى هذا الالتزام المكفول انقضى تبعا له التزام الكفيل فتنتهي الكفالة تبعا لهذا الانقضاء، غير انه إذا كانت الاستحالة نتيجة خطا المدين فان محل الالتزام يتحول إلى تعويض ، فيبقى المدين ملزما به، كذلك يبقى الكفيل ملتزما بكفالة هذا التعويض. وهلاك الشيء بفعل الكفيل يترتب عليه براءة ذمة المدين الأصلي( باعتبار فعل الكفيل سببا أجنبيا للمدين) فتبرا تبعا لذلك ذمة الكفيل، إلا أن هذا الأخير يتحول ليصبح مدينا أصليا في مواجهة الدائن.

المبحث الثاني: صرامة القواعد القانونية المنظمة لعقد الكفالة وعدم قدرتها على استيعاب المستجدات والتطورات التي تعرفها الكفالة

لقد أصبحت الكفالة التبعية عاجزة عن مواكبة التطورات التي تعرفها باقي التشريعات المقارنة نتيجة التطور الاقتصادي " المطلب الاول" مما يستوجب تدخل المشرع المغربي لكي يعيد صياغة النصوص القانونية المنظمة لهذا العقد " المطلب الثاني".

المطلب الأول: عجز الكفالة التبعية عن مواجهة التطورات و المستجدات:

من خلال استعراض أهم أحكام عقد الكفالة يتبين لنا ان هذه الأخيرة لا تعدو أن تكون ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المدين الأصلي، ولا يخلو هذا التعدد في المسؤولية عن الالتزام من مخاطر الإعسار الذي يهدم الكفالــة من أساسها ويجردها مـــن عنصرها الجوهري وهو الضمان.

علاوة على ذلك يتبين لنا ان هناك عوامل أخرى ساهمت في تقهقر الكفالة وتراجعها، والتي تتجلى في صرامة القواعد القانونية التي تحكم الكفالة و التي تتسم بالبطء و التعقيد مما يجعلها عاجزة عن مسايرة السرعة التي تتم بها المعاملات المالية و التجارية، وتتجلى صرامـــة القواعــد القانونيــة للكفالـة  بالخصوص في صفة التبعية التي تعرفها الكفالة في

جميع مراحلها، ابتداء بتكوين هذا العقد ، الى حين انقضائه.

يمكن أيضا إبداء بعض الملاحظات حول الأحكام المنظمة لعقد الكفالة:

+ بالنسبة لتكوين عقد الكفالة، رأينا أن الشروط الإنشائية لهذا العقد والتي هي بعيدة عن الشكليات والتعقيدات تلعب دورا مهما في جعل مؤسسة الكفالة تحقق أهدافها، وتجعل الدائنين يلتجئون إليها، وتفضيلها على باقي الضمانات العينية، والتي تتميز بضرورة احترام مجموعة من الشكليات وبطول المساطر المتعلقة بالتسجيل ومشاكل تتعلق بتحقيق هذه الضمانات .

+ أما بالنسبة للأحكام المنظمة لآثار عقد الكفالة نجد أن المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات، ساعد الكفيل على أداء هذا الالتزام الخطير، لذلك نرى أن المشرع يسلح الكفيل بمجموعة من الحقوق و الدفوع كحق الكفيل بالدفع بتجريد المدين و التمسك بالدفوع الخاصة بالمدين و ما الى ذلك.

لكن ما يحدث في الواقع العملي ان الدائن بدوره لا يظل مكتوف الأيدي، حيث يسعى جاهدا من خلال اتفاقه مع الكفيل على تجريده ما أمكن من هذه الأسلحة القانونية على صورة تنازله عنها بداية.

+ أما بالنسبة للانقضاء فهناك مجموعة من الملاحظات يتعين إبدائها و من أهمها:

* يلاحظ قصور في تنظيم انقضاء الكفالة في ق ل ع  لغياب بعض أسباب الانقضاء  الخاصــة التي نجـد التشريــعات المقارنــة قد نظمتــها كــما هــو الشأن بالنسبـــة للقانون المدني المصري( إضاعة التأمينات بخـطأ الدائن – عدم اتخاذ الإجراءات ضد المدين بعد إنذار الدائن) او القانون المدني الفرنسي( كفالة الحساب الجاري – ضرورة تقديم الدائن المعلومات اللازمة التي تفيد الكفيل لتقدير مدى التزامه).

*عالج المشرع المغربي انقضاء عقد الكفالة بطريقة منتقدة حيث تولى عرض بعض الأسباب وشرحها دون بقية الأسباب.

إذن أصبح تنظيم الكفالة لا يواكب المستجدات التي تعرفها التشريعات المقارنة والتطورات الاقتصادية ، ومن ثم أصبحت هذه القواعد و التي تعتمد كأساس لها صفة التبعية للالتزام الأصلي متجاوزة ، حيث أصبح الدائنون بفعل قوتهم الاقتصادية لا يقبلون الا الضمانات الشخصية المستقلة و المجردة من كل ارتباط بالالتزام الأصلي.

المطلب الثاني: ضرورة تدخل المشرع المغربي لتعديل احكام الكفالة لمواجهة مختلف

الأوضاع المستجـدة:

إذن فعدم مواكبة الأحكام الحالية المنظمة لعقد الكفالة للتطورات و المستجدات التي تعرفها التشريعات المقارنة نتج عنه أن انكمش دور الكفالة وتقوقع في مجال تقليدي لا يتعدى ضمان الالتزامات  الشخصية البسيطة ومن هنا أصبحت الكفالة عاجزة عن مجاراة التطورات المتسارعة في مجال العمليات التجارية ، مما يؤدي بنا إلى القول بضرورة تدخل المشرع المغربي لكي يعيد صياغة النصوص القانونية المنظمة لهذا العقد حتى يكون بناؤه القانوني متكاملا ومطبوعا بروح التجديد والعصرنة لمواجهة مختلف الأوضاع المستجدة. 

المراجع المعتمدة:

*-مامون الكزبري -التشريع العقاري و الضمانات- طبعة 1971

*-عبد الرزاق السنهوري –الوسيط في شرح القانون المدني- الجزء العاشر- في التأمينات الشخصية و العينية – طبعة1973.

*-خالد عبد الله عيد- الوجيز في العقود المسماة وفق احكام ق ل ع المغربي- الجزء الثاني- احكام عقد الوديعة وعقد الكفالة.

*-احمد محمود سعد- عقد الكفالة – دراسة مقارنة- الطبعة الأولى-1994.

*-ابتسام فهيم – عقد الكفالة في التشريع المغربي والمقارن- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص-  كلية الحقوق بالدار البيضاء – السنة الجامعة- 1998/1999.

* عمر المزكلدي -آثار عقد الكفالة- دراسة تقنية- عرض قدم في اطار البحوث المجزة من طرف طلبة وحدة القانون المدني المعمق – السنة الجامعية-2003- 2004 تحت إشراف الدكتور سعيد الدغيمر.

  * إسماعيل اوبلعيد- دراسة تقنية للكفالة- الانقضاء-  عرض قدم في إطار البحوث المجزة من طرف طلبة وحدة القانون المدني المعمق – السنة الجامعية-2003- 2004 تحت إشراف الدكتور سعيد الدغيمر.
انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة