الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمات المالية والاقتصادية العالمية: "الأزمة الأخيرة نموذجا"، بقلم ذ: 'محمد قبلي'، طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق فاس

انشرها على:



مقدمة: تحتل المشكلات الاقتصاديَّة في عصرنا مكان الصدارة بالنسبة لغيرها من المشكلات؛ لأن الناس شُغِلوا بمعركة الخبز، ولقمة العيش، حتى "أصبح العامل الاقتصادي أبرز العوامل في قِيام الحكومات أو سقوطها، ونجاح السياسات أو إخفاقها، واشتعال الثورات أو خمودها، وتكاد المعركة المذهبية (الإيديولوجية) الدائرة في قارات العالم الآن تكون ذات طابع اقتصادي.

مشكلات منها ما هو ذو بعد محلي وطني، ومنها ما هو ذو بعد دولي عالمي.

 وتعد الأزمات المالية والاقتصادية العالمية إحدى أهم المشكلات الاقتصادية ذات البعد الدولي والتي تواجه دول العالم على اختلافها والتي تتهدد اقتصاديات كثير من الدول وتزعزع استقرارها وتعيق نموها أو تربكه.

وقد عرف العالم ابتداء من سنة 2008 أزمة اقتصادية ومالية([1]) لم يشهد لها مثيلا منذ الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1924. وإذا كان من الصعب جدا الجزم بوجود سبب رئيسي واحد لهذه الأزمة. فإن جميع المؤشرات القطاعية تشير إلى انهيار مبيعات سوق "الرهون العقارية" بالولايات المتحدة الأمريكية كان الشرارة الأولى التي انطلقت منها الأزمة. لتنتقل بعد ذلك إلى القطاع العقاري برمته. ثم القطاعين البنكي والمالي نظرا لحجم الديون الكثيرة غير القابلة للإرجاع. ونظرا لضعف الثقة في الماكرو اقتصادية آنذاك، تتالت الانهيارات لتصل في آخر المطاف إلى "الاقتصاد الحقيقي"، حيث عرفت مجمل الدول المتقدمة تباطؤا اقتصاديا حقيقيا واضحا من النصف الثاني من سنة 2008، ثم خلال النصف الأول لسنة 2009، وصل إلى حد الركود الاقتصادي([2]).

وإلى نهاية سنة 2013، لم تنته بعد كوارث الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الأكثر اتساعا في تاريخ الرأسمالية. فقد تراجع الإنتاج الصناعي تدريجيا في نحو 22 دولة من بين 34 دولة تشكل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE وجرفتها دوامة الكساد. كما سجلت السنة الخامسة من الأزمة (2013) تراجعا في الإنتاج الصناعي بنسبة 8,8 % أقل من مستواه القديم الأعلى.

كلها آثار كان لها وقع سلبي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في مختلف دول العالم، لا سيما من خلال ارتفاع معدلات البطالة والفقر. لذلك قيل أن الأزمة المالية انتقلت لأزمة اقتصادية ومن ثم لأزمة تشغيل، وأن "الأزمة المالية ظاهرها مالي وباطنها بطالة.  فنتيجة للأزمة فقد تدهورت أسواق العمل وصاحب ذلك فترات من البطالة وكذلك تصاعد حالات الفقر في دول العالم.

من هذا المنطلق نتساءل عن تجليات تداعيات هذه الأزمة على المجتمعات الغربية منها والعربية، سواء على المستوى الاقتصادي، أو الاجتماعي؟

 للإجابة هذه الإشكالية، سأحاول توظيف كل من المنهج الوصفي والتحليلي، وكذا المنهج المقارن، متناولا بالبحث أولا تداعيات الأزمة على المجتمعات الغربية (المحور الأول)، ثم الانتقال بعد ذلك للبحث في تداعيات الأزمة على المجتمعات العربية (المحور الثاني)

المحور الأول: تداعيات الأزمة على المجتمعات الغربية

أثرت الأزمة المالية على أوروبا وهي في جوهرها أزمة مديونية الدولة الأمريكية. وكذلك، فإن عملية تحرير الاقتصاد في أوروبا أثرت على قطاع المصارف أيضا. ففي فترة الديمقراطية الاجتماعية كانت الحكومات الغربية تتحكم بالبنوك من خلال تشريعات، أما في فترة تحرر الاقتصاد، فقد سرى اعتقاد بضرورة ترك البنوك تنظم أعمالها من خلال مؤشرات الأسعار التي يقدمها السوق الحر. ولذلك تم تغيير التشريعات التي تحكم عمل البنوك جذرياً، بحيث تقلصت رقابة الدولة على عملها. وهو الأمر الذي مكَّن البنوك الأوروبية من المساهمة في سوق التمويل الثانوي الأمريكي.

ولذلك فإن ما حدث في بداية الأزمة لا يعدو أن يكون انهيارا في نظام الائتمان في الدول الغربية وأمريكا مما أدى إلى ارتفاع في حالات الإفلاس للأفراد والشركات لأن وظائف المؤسسات المالية في هذه الدول تغيرت لتكون سيدا للاقتصاد الحقيقي بدلا عن أن تكون خادما له. بسبب التوسع المتسارع وغير المنضبط في الأنشطة المصرفية والمالية في اقتصادات الدول المتقدمة في غياب الضوابط التى تحكم المعاملات المالية خاصة معاملات بنوك وصناديق التحوط والاستثمار ومؤسسات الرهن العقاري وشركات التأمين عن طريق التنويع الكبير في الأدوات المالية وتوسع الاقتراض بدون أسس سليمة ومعروفة.

وقد قامت أوروبا بمجموعة من الجهود لحماية القطاع المصرفي لديها، للدور الذي تلعبه البنوك في النظام الاقتصادي الرأسمالي([3]). فالاقتصاد يعتمد وبدرجة كبيرة، على القروض في تمويـــــل الاستثمارات والاستهلاك. والبنوك هــــي مصدر هذه القروض. ما يعني أنه إذا تعرض البنك إلى مشاكل مالية، أو بدرجة أسوأ إذا أعلن إفلاسه، فإن التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية سيصبح في حكم المعدوم. وهذا أمر يؤدي بالاقتصاد برمته إلى توقف طاحن. وقد أدركت الحكومات الغربية بشكل واضح، عندما ظهرت الأزمة المالية، أن انهيارا في القطاع المصرفي الأوروبي سيجر معه الاقتصاد الأوروبي برمته نحو الهاوية. ولذلك قامت الدول الأوروبية بمخالفة مبدأ عدم التدخل، الذي كانت تبشر به خلال العقدين السابقين، وقدمت كفالات لبنوكها ببلايين اليوروهات([4]).

ومع أن انهيار القطاع المصرفي أمر قد تم تفاديه في الوقت الحاضر، إلا أن أوروبا عجزت عن منع تأثير الأزمة على بقية قطاعات الاقتصاد، التي تأثرت بدورها بهذه الأزمة. ويعود السبب في ذلك إلى أن البنوك، وبالرغم من الدعم السخي، الذي قدمته الحكومات الغربية والبنوك المركزية للقطاع المصرفي، إلا أنها ـ أي البنوك ـ فرضت قيوداً على القروض للشركات والمستهلكين في الأشهر الأخيرة. الأمر الذي أدى إلى ركود الأنشطة الاقتصادية في أوروبا. وقاد إلى تقلص الاقتصاد.

ومع استمرار التناقص في الأنشطة الاقتصادية، فإن نسبة الشركات التي تعلن إفلاسها في تصاعد مستمر. وبشكل موازٍ له ارتفاع في نسب البطالة. فقد خسر قطاع المقاولات في إسبانيا منذ بداية الأزمة 354,000 وظيفة. وفي هولندا زادت أعداد العاطلين عن العمل لتصل إلى 200,000، بنسبة 3,0%. ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 2,5 مليون بزيادة 700,000 ما يجعل النسبة تصل إلى 7,1%  وهي أعلى نسبة منذ 16 عاماً. وفي فرنسا، فإنه من المتوقع أن يصل العدد إلى 400,000 شخص. وبحسب توقعات شركة التأمين الألمانية  Allianz فإن أعداد الشركات التي ستعلن إفلاسها سيتزايد إلى مستوى غير مسبوق، ربما يصل إلى 200,000 شركة([5]).

ومن الخطأ فهم هذه الأرقام على أنها مسألة اقتصادية صرفه. ذلك أنه لا يجب أن ننسى أن خلف هذه الأرقام الاقتصادية مجموعة من الآثار الاجتماعية والتي التي تلحق بالأساس الأسرة. فلآثار المدمرة للبطالة أمر مثبت وموثق. فقد ثبت أن العاطلين عن العمل، وكذلك شركاء حياتهم، يعانون من مشاكل الإحباط أكثر من العاملين. ولهذا السبب فإن تعاطي الحبوب المسكنة، والتدخين، وشرب الكحول لدى العاطلين عن العمل أعلى منه بين غيرهم.

هذا الأمر يعود في جانب كبير منه إلى التبعات المادية للبطالة، وقد يتصور البعض أنه لا يكاد يوجد في أوروبا فقراء، حتى في أوساط العاطلين، أو غير القادرين جسدياً على الكسب. فيظن البعض أن تأثير الأزمة المالية على الأسر الأوروبية لن يكون بهذا السوء. والواقع أن هذا التصور هو تصور خاطئ تماماً. صحيح أنه في زمن الديمقراطية الاجتماعية، كانت الدول الأوروبية تضمن مستوىً معيشياً محترماً للسكان، عبر تدخلها في الاقتصاد عن طريق تشريعات وفرت للناس برامج مساعدات مركزة. وصحيح أن الناس في أوروبا بمن فيهم العاطلون عن العمل كانوا يعيشون حياة مرفهة لا يحلم بها كثير من سكان الأرض. ولكن هذا الأمر تبين أنه غير قابل للاستمرار. فقد أدى تدخل الدولة في السوق إلى إعاقة نمو الاقتصاد. كما أن الدولة كانت مضطرة لاقتراض مبالغ ضخمة غير قابلة للسداد من اجل ضمان تمويل برامج المساعدات. ولذلك فإنه وعلى طريق تحرير الاقتصاد، فان برامج تمويل المساعدات قد تمت إزالتها لصالح مبدأ عدم التدخل في السوق. ولهذا السبب فإن الفقر الحقيقي، المتمثل بعدم قدرة البعض على إطعام أنفسهم أو من يعولوا بشكل تام، قد عادت للظهور في أوروبا خلال العقد الفائت. وكمؤشر على هذا التأثير  فإن أعداداً متنامية من الأسر باتت بلا مأوى في أوروبا. وتحديدا ما يزيد على 3 ملايين فرد. من هنا تظهر أهمية الأرقام التي ذكرتها آنفاً. ويمكن في ضوءها إدراك حجم الأثر الذي سببته وتسببه الأزمة في أوروبا. فالفقر وكل ما يترتب عليه من مشاكل صحية ونفسية وكذلك الجريمة..الخ هي الآثار التي خلفتها لهذه الأزمة. فالأزمة المالية الاقتصادية تقود أوروبا نحو الركود، وتؤثر بذلك على الوضع المادي والنفسي للأفراد ومن ثم على العلاقات الأسرية والاجتماعية بصفة عامة.

ففي إسبانيا، واحدة من الدول التي أصابتها الأزمة بشكل حاد، قامت مؤسسة الأطباء النفسيين الوطنية بدق ناقوس الخطر، ذلك أن أعداد الباحثين عن خدمة نفسية قد تزايدت في أعقاب الأزمة. فالمخاوف الاقتصادية قد تسببت في مشاكل ذات علاقة بالضغط النفسي. وذلك كمشاكل التواصل بين الأزواج، بين الآباء والأبناء، واضطراب النوم. وفي المعدل فإن 6,750 شخصاً يتعالجون في مدريد وحدها من هذه المشاكل. وهناك الكثير ممن يعاني هذه المشاكل، ولكن ليس بإمكانه الحصول على هذه المساعدة.

أما في المملكة المتحدة، فقد ارتفعت أعداد المتصلين بالمكاتب الاستشارية لشؤون العلاقات (الأسرية) بنسبة 70% فالأسر تتفكك بدواع الضغط الذي يسببه الخوف والهواجس مما يحمله المستقبل من نتائج قادمة للأزمة([6]).

كما أظهرت دراسة نشرتها مجلة (لانسيت) الطبية البريطانية  أن تداعيات الأزمة المالية والارتفاع الكبير في الديون السيادية بالدول الأوروبية، تسببت بحدوث زيادة كبيرة في حالات الانتحار. وضربت الدراسة مثلا باليونان حيث أوضحت الدراسة أن حالات الانتحار زادت بين اليونانيين العام الماضي بنسبة 40% مقارنة بحالات عام 2010.

كما أوضحت نفس الدراسة ـ والتي أشرف عليها البروفسور (مارتين ميكس)، أستاذ الصحة الأوروبية العامة بكلية لندن للتعقيم والطب ـ، أن إجراءات التقشف الحاد التي اتخذتها الدول الأوروبية المتضررة من الأزمة، أدت إلى زيادة الأمراض البدنية والنفسية والمشكلات الصحية بين السكان. وأن التقليص الكبير بالميزانيات العامة وما صاحبه من ارتفاع كبير بمعدلات البطالة  بالدول الأوروبية المأزومة، أفضى لخفض وإلغاء بالرواتب والمخصصات الاجتماعية، وتقليل عدد مرات التردد على الأطباء وشراء الأدوية، مما تسبب بالنهاية بتردي الحالة الصحية([7]). كما أنه في هولندا فإن ما يقارب نصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والرابعة عشرة قلقون من النتائج التي يمكن أن تأت بها الأزمة. كل ذلك يظهر عمق تأثير الأزمة على الأسر والعائلات([8]).

المحور الثاني: تداعيات الأزمة على المجتمعات العربية

انعكست الأزمة المالية الأميركية على معظم اقتصادات دول العالم ولذلك سميت بالأزمة المالية الاقتصادية العالمية. وبما أن الدول العربية جزء لا يتجزأ من منظومة الاقتصاد العالمي، فإنها أيضا تأثرت سلبا بهذه الأزمة. وتأثير الدول العربية بالأزمة اعتمد على درجة الانفتاح الاقتصادي (حجم العلاقات الاقتصادية المالية بينها وبين العالم الخارجي)، ونوعية القطاع (الصادرات، السياحة التحويلات، النفط وغيرها) لأن الدول العربية ليست متجانسة اقتصاديا.

الدول العربية الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية حسب القطاع والنشاط الاقتصادي([9]).

أسواق العمل

انخفاض الصادرات

التأثير على الصناديق السيادية

انخفاض أسواق المال **

انخفاض الإستثمارات

انخفاض التحويلات وعائدات السياحة *

انخفاض أسعار النفط وتأثيراته على الموازنات والصادرات

الدول/الوصف

زيادة معدلات البطالة بعد الأزمة في كل الدول العربية، خاصة بطالة الشباب في كلا من الجزائر، السعودية، مصر والسودان.

تونس، ليبيا، المغرب، مصر

الكويت، قطر، الأمارات، السعودية

البحرين، السعودية، قطر، الكويت، الأمارات

الأمارات، الكويت، المغرب، الجزائر

مصر، المغرب، تونس الأردن، اليمن، السودان

الجزائر، السعودية، اليمن، الأمارات، عمان، السودان، العراق، ليبيا

الدول الأكثر تأثر

 

وقد كان من أشد تداعيات الأزمة على الدول العربية تراجع تصنيفات بعض الشركات والبنوك (مما أثر على زيادة تكلفة اقتراضها من الأسواق الدولية) وانخفاض حجم استثمارات الدول العربية الغنية بالخارج. وكذلك تراجع أداء أسواق المال العربية التى خسرت نحو 600 مليار دولار منذ بداية 2008م وحتى بداية 2009م بسبب الاضطراب في الأسواق. وفي مجال القوة العاملة تم  تسريح العمالة في بعض الدول العربية وعلق العمل بالمشروعات الجديدة وارتفعت بالتالي معدلات انتشار البطالة ليقفز عداد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية من 17 مليون إلى 20 مليون عاطل. وعند تحليل آثار الأزمة (خاصة على مستويات التشغيل) هنالك اختلاف بين الدول العربية حسب طبيعة اقتصاداتها. فالدول العربية ذات الاقتصادات المتنوعة والبترولية ذات الاقتصاد المختلط اعتمدت في تجاوز أزمتها على بنية اقتصادية متنوعة بينما الدول الخليجية اعتمدت بشكل أساسي على مدخراتها من فوائض النفط التي تحققت قبل الأزمة. ولكن الدول العربية المعتمدة على تصدير المواد الخام هي الأكثر تأثرا بالأزمة.

عموما وفيما يتعلق بتأثير الأزمة على مستويات التشغيل فقد كانت التوقعات عند بدء تأثير الأزمة الاقتصادية أن يكون تأثيرها على مستويات التشغيل في المنطقة العربية أكثر حدة منها على الاقتصادات النامية الأخرى، وذلك لأنها تعتمد على صادرات المواد الخام والبترولية التي انخفضت أسعارها بمعدلات قياسية، وكذلك انخفض الطلب العالمي عليها. كما تأثرت بعض البلدان العربية من تراجع الطلب على العقارات، وبالذات في بلدان مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، وكذلك على صناعة النقل والسياحة العالمية، مما يهدد عائدات السياحة إلى البلدان العربية وعائدات رسوم المرور.  ومن أهم التحديات التي تواجه أسواق العمل العربية في فترة الأزمة شبح البطالة وانخفاض المرتبات وانخفاض التحويلات المالية للدول العربية الفقيرة والتهديد بحقوق العاملين نتيجة لإجبار القوى العاملة للعمل بأجور أقل أو مواجهة شبح فقدان الوظائف، وتراجع تحويلات العمالة العربية  من الدول العربية الغنية (من مواطني مصر  واليمن وفلسطين والأردن والسودان) والدول الأوروبية (من مواطني تونس والجزائر والمغرب)([10]).

ومهما يكن من أمر فإن الأزمة لم تضرب بقوة اقتصادات الدول العربية مقارنة بغيرها. وعموما لم يتأثر المغرب بالأزمة المالية الدولية، بفضل متانة نظامه البنكي ونتيجة لاندماجه المحدود للأسواق المالية الدولية. في هذا السياق خلص تقيم لاستقرار النظام المالي، المنجز في نونبر 2007، إلى أن النظام البنكي المغربي كان قارا، وجد مرسمل، وربحي، ومتحمل للصدمات.

وقد أشارت التحريات التي قام بها بنك المغرب، فور بروز أولى علامات الأزمة المالية الدولية، إلى كون حصة الودائع المالية الأجنبية ضمن مجموع ودائع الأبناك المغربية هامشية (أقل من 4%)، وأن محفظات الأبناك لا تحتوي على ودائع ضارة. كما يتبين من إحصائيات مجلس القيم المنقولة أن حصة غير المقيمين في رسملة البورصة، خارج المساهمات الإستراتيجية، كانت أفل من 1.8% عند متم سنة 2007.

وبالمقابل، فإن المغرب، على غرار باقي الدول النامية، قد تأثر بتقلب الاقتصاد العالمي منذ النصف الثاني من سنة 2008، وذلك ما يعكسه معدل النمو لسنة 2008 بصفة إجمالية.

وبسبب تزامن دورته الاقتصادية مع نظيراتها لدى أهم شركائه الاقتصاديين، وخاصة منها فرنسا وإسبانيا، فقد تأثر المغرب بالأزمة من خلال أربع قنوات انتقال أساسية :

- القناة الأولى : وتهم المبادلات التجارية، وتتجلى في تراجع الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب، ولا سيما تحت تأثير انكماش النشاط الاقتصادي والاستهلاك داخل الشركاء.

- القناة الثانية : وترتبط بانخفاض العائدات السياحية، نتيجة تقليص نفقات الأسر لأهم البلدان المصدرة للسياح

- القناة الثالثة: وتتعلق بتباطؤ تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، التي تأثرت في بلدان إقامتها بالبطالة وتراجع النشاط الاقتصادي، خاصة في قطاعي البناء والسيارات، حيث العمالة الأجنبية ممثلة تمثيلا واسعا. فخلال السنين الأخيرة، ساهمت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في تحسين ظروف العيش في الوسط القروي وفي تنمية سوق المواد الاستهلاكية وكذلك السكن([11]).

- القناة الرابعة: وترتبط بتقليص الاستثمار الخارجي المباشر تحت تأثير تصاعد الشكوك، والصعوبات المالية على الصعيد المالي، والتأجيلات المتوقعة لمشاريع استثمارية

حيث تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 26.3% سنة 2008 و 29.2% في نهاية شتنبر 2009. وشمل هذا التراجع أهم الدول المستثمرة في المغرب كفرنسا 26.1% وإسبانيا 27.2% والمملكة المتحدة 47.1%([12]).

أما بخصوص سوق الشغل، فقد كان للأزمة العالمية أثر كبير على قطاع النسيج بشكل خاص، حيث سجل القطاع خسارة صافية قدرت بحوالي 53.000 منصب شغل سنة 2009.

كما قلصت الأزمة سنة 2008 نمو الاستهلاك النهائي للأسر، بالمقارنة مع منحاه المعتاد، بنسبة 1.42%، وقد كان هذا التقليص أكثر حدة في سنة 2009، حيث تراجع الاستهلاك النهائي بنسبة 3.12% الأمر الذي أدى إلى تباطؤ الطلب وبالتالي النمو. وهكذا انخفض الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 0.86% سنة 2008 و 2.46% سنة 2009 ([13]).

وعموما يمكن القول بأنه على الرغم من التغلب نسبيا على آثار الأزمة على المستوى المالي والحد من انعكاساتها على القطاع الحقيقي، إلا أن التحديات التي يتعين على السياسة الماكرو اقتصادية مواجهتها بالنظر إلى تدهور الظرفية الاقتصادية العالمية قد تزايدت.

يتوجب إذن التركيز على تعميق المجالات التي تشملها الإصلاحات، لا سيما تلك المرتبطة بالتنافسية من أجل تحسين إنتاجية المقاولات وجودة الرأسمال البشري والحفاظ على التوازنات الأساسية، وكذا مواصلة المجهودات اللازمة في المجال النقدي والمالي، وتعزيز استدامة الميزانية ودعم الميادين الاجتماعية([14]).

خاتمة:

 لقد تبين من خلال ثنايا هذا البحث، كيف أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية تعد إحدى أهم المشكلات الاقتصادية، والتي يكون لها وقع سلبي على مستويات عدة في مختلف دول العالم، حيث تقود الكوارث الاجتماعية للأزمة الاقتصادية والمالية إلى اعتماد تسريحات جماعية عشوائية، وإلى تقليص حاد في الأجور سواء عبر تخفيضها أو تجميدها في ظل الارتفاع الصارخ للأسعار، أو من خلال إلغاء وتفكيك الخدمات العمومية المجانية أو ذات الأسعار المنخفضة... ولعل آخر هذه الأزمات : أزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية عام 2008 التي عصفت بالنظام المالي الأمريكي، وهي الأزمة التي ما تزال تداعياتها ملموسة على الاقتصاد الأمريكي وكل اقتصاديات العالم الصناعي والنامي بشكل عام. والتي أعادت إلى الواجهة دور الدولة في الاقتصاد، وحفز تنظيم المؤتمرات لإعادة تقييم مبادئ الاقتصاد الرأسمالي الذي ارتبط بالعولمة، وخاصة فيما يتعلق بحرية الأسواق، وسياسات الدولة ودورها في الاقتصاد، وبرزت في هذه المؤتمرات دعوات مضادة للعولمة ومبادئ النظام الرأسمالي، مطالبة باعتماد الحماية التجارية، وتدخل الدولة في الاقتصاد رقابياً وتشريعياً، لتجاوز الأزمة المالية، وتفادي الوقوع في أزمات مستقبلية.

لائحة المراجع

- أولا:الكتب

- إبراهيم حبيب الكروان: قراءة في الأزمة المالية المعاصرة، جرير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط.1، 2009.

ـ إبراهيم عبد العزيز النجار: الأزمة المالية و إصلاح النظام المالي العالمي، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، ط.1، 2009.

- منظمة العمل العربية : آثار الأزمة الاقتصادية على  العمالة الوطنية والعربية، مؤتمر العمل العربي، الدورة 38، القاهرة، مصر، 15-22 ماي 2011

- ثانيا: المجلات

- عبد اللطيف الجواهري: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المغربي في 2011، الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية، 2012، المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، فاس، 2012. 

- محمد نجيب بوليف: الرفع من المديونية لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية : آثاره ومدى نجاعته، طنجيس للقانون والاقتصاد، العدد 11، 2011.

- ثالثا:المواقع الإلكترونية

أ- المواقع الرسمية:

- المندوبية السامية للتخطيط : أثر الأزمة العالمية على الاقتصاد المغربي

الموقع الإلكتروني للمندوبية السامية للتخطيط : www.hcp.ma

تاريخ زيارة الموقع : 11/08/2016.

- المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية : المغرب في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ص:  12 وما بعدها.

من  الموقع الإلكتروني للمعهد : www.ires.ma

تاريخ زيارة الموقع : 14/08/2016.

 

ب- المواقع غير الرسمية:

- أندري دي فريس: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية في أوربا، مداخلة الخبير الاقتصادي الهولندي  في المؤتمر الاقتصادي العالمي بالسودان سنة 2009.

تم ترجمتها و نشرها على الموقع الإلكتروني :  www.hizb-ut-tahrir.info

تاريخ زيارة الموقع : 27/08/2016.

-خالد شمت: آثار الأزمة المالية والتصدع الاجتماعي بأوربا.

مقال منشور على الموقع الإلكتروني : www.aljazzera.net

تاريخ زيارة الموقع : 26/08/2016.

الهوامش

[1]- تعرف الأزمة المالية بأنها مرحلة حرجة تواجه المنظومة المالية، وينتج عنها خلل أو توقف في بعض الوظائف الحيوية لهذه المنظومة أو كلها. و يصاحبها تطور سريع في الأحداث، ينجم عنه عدم استقرار في النظام الأساسي لهذه المنظومة، و يدفع سلطة اتخاذ القرار فيها إلى ضرورة التدخل السريع لنجدتها، وإعادة التوازن لهذا النظام.

ـ إبراهيم عبد العزيز النجار: الأزمة المالية و إصلاح النظام المالي العالمي، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، ط.1، 2009،  ص 18.

     وتوجد عدة مؤشرات لحدوث أزمة مالية والتي تتصل بالسياسات الاقتصادية الكلية، و كذلك بالخصائص الهيكلية للأسواق المالية والنقدية، و يترتب عنها عدم الثقة لدى المستثمرين في الدولة على تحقيق طموحاتهم الاستثمارية، و ندرج هذه المؤشرات فيما يلي:

ـ الارتفاع في معدل البطالة و معدلات التضخم و المستوى العام للأسعار.

ـ ارتفاع معدلات الفائدة على الودائع و القروض المحلية.

ـ ارتفاع نسبة القروض غير المنتجة إلى إجمالي قيمة القروض المحلية.

ـ انخفاض قيمة الاحتياطي النقدي من العملات الحرة. انخفاض نسبة النمو الاقتصادي، بتراجع الناتج المحلي الإجمالي.

ـ غلبة الأصول المالية عالية المخاطر كالأصول العقارية على أسواق الائتمان.

ـ تسرب الضعف إلى الجهاز الإداري المنوط به الإشراف على أسواق المال وقطاعات البنوك.

ـ غياب الشفافية و الإفصاح اللتان يستلزمهما التطبيق السليم لمعايير المحاسبة الدولية عند عرض القوائم المالية للمؤسسات الاقتصادية، مما يحجب عن المستثمرين الظروف التي تساعدهم على تقييم أصول هذه المؤسسات بصورتها الحقيقية .

ـ سيطرة بعض المؤسسات على الأسواق على الأسواق المالية، وما ينجم عن ذلك من سهولة تحكمها في هذه الأسواق.

ـ نفس المرجع السابق، ص : 21 وما بعدها.

[2]- محمد نجيب بوليف: الرفع من المديونية لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية : آثاره ومدى نجاعته، طنجيس للقانون والاقتصاد، العدد 11، 2011، ص : 11.

   كما انتقل النمو العالمي، المدفوع أساسا من قبل البلدان الصاعدة، من 4% في المتوسط خلال الفترة 2000-2007 إلى 0.7% خلال الفترة 2008-2009 ارتباطا بالتأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية.

- عبد اللطيف الجواهري: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المغرـي في 2011، الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية، 2012، المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، فاس، 2012. ، ص : 560.

[3]- قامت الدول الغربية فور تفجر الأزمة في الولايات المتحدة بضمان ودائع المدخرين في بنوكها إلى جانب دعم المؤسسات المنهارة بإشراف الدولة ورقابتها للحد من حالة الذعر ونشر الطمأنينة والأمان في أوساط المودعين من ناحية ولحماية النظام الرأسمالي لكى لا يحدث ركود عالمي. كما قامت أمريكا بخطة إنقاذ بلغت 787 مليار دولار لدعم المؤسسات المنهارة في فبراير 2009.

- إبراهيم حبيب الكروان: قراءة في الأزمة المالية المعاصرة، جرير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط.1، 2009، ص : 172.

[4]- أندري دي فريس: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية في أوربا، مداخلة الخبير الاقتصادي الهولندي  في المؤتمر الاقتصادي العالمي بالسودان سنة 2009.

ـ تم ترجمتها و نشرها على الموقع الإلكتروني :  www.hizb-ut-tahrir.info

ـ تاريخ زيارة الموقع : 27/08/2016.

[5]- أندري دي فريس : الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية في أوربا، مداخلة الخبير الاقتصادي الهولندي  في المؤتمر الاقتصادي العالمي بالسودان سنة 2009، مرجع سابق.

[6]- أندري دي فريس: الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية في أوربا، مداخلة الخبير الاقتصادي الهولندي  في المؤتمر الاقتصادي العالمي بالسودان سنة 2009، مرجع سابق.

[7]- خالد شمت: آثار الأزمة المالية والتصدع الاجتماعي بأوربا.

ـ مقال منشور على الموقع الإلكتروني : www.aljazzera.net

ـ تاريخ زيارة الموقع : 26/08/2016. 

[8]- أندري دي فريس : الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية في أوربا، مداخلة الخبير الاقتصادي الهولندي  في المؤتمر الاقتصادي العالمي بالسودان سنة 2009، مرجع سابق.

[9]- منظمة العمل العربية : آثار الأزمة الاقتصادية على  العمالة الوطنية والعربية، مؤتمر العمل العربي، الدورة 38، القاهرة، مصر، 15-22 ماي 2011، ص : 9.

[10]- منظمة العمل العربية : آثار الأزمة الاقتصادية على العمالة الوطنية والعربية، مرجع سابق، ص : 10 وما بعدها.

[11]- المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية : المغرب في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ص:  12 وما بعدها.

ـ من  الموقع الإلكتروني للمعهد : www.ires.ma

ـ تاريخ زيارة الموقع : 14/08/2016.

[12]- عبد اللطيف الجواهري، مرجع سابق، ص : 669.

[13]- المندوبية السامية للتخطيط : أثر الأزمة العالمية على الاقتصاد المغربي

ـ  الموقع الإلكتروني للمندوبية السامية للتخطيط : www.hcp.ma

ـ تاريخ زيارة الموقع : 11/08/2016.

[14]- عبد اللطيف الجواهري، مرجع سابق، ص : 772.


انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة