"التعديل الجوهري لعقد الشغل"، بقلم: يوسف المجاهد، طالب باحث بماستر قانون الأعمال، بكلية الحقوق عين الشق

انشرها على:

 "التعديل الجوهري لعقد الشغل"


بقلم: يوسف المجاهد

طالب باحث بماستر قانون الأعمال

بكلية الحقوق عين الشق الدار البيضاء



 "التعديل الجوهري لعقد الشغل"


تمهيد :
         يمكن القول بأن عقد الشغل عبارة عن اتفاق شفاهي أو كتابي صريح أو ضمني  يتعهد بموجبه الأجير بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت إشرافه أو إدارته مقابل أجر ،ويكون عقد العمل إما محدود المدة أو لمدة غير محددة ، ولعمل معين أو غير معين.  ويخضع عقد الشغل شأنه شأن باقي العقود لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين،حيث أن كلا من الأجير والمشغل ملزم باحترام وتنفيذ التزاماته المتفق عليها عند إبرام العقد ، مما يفرض ضرورة استحضار إرادة الطرفين عند كل محاولة لتعديل إحدى العناصر الجوهرية لعقد الشغل.
        لكن من الناحية العملية والواقعية غالبا ما يتدخل المشغل وبإرادة منفردة لتعديل بعض المقتضيات المتفق عليها في عقد الشغل ،وذلك نتيجة لبعض الظروف التي تدفعه لفعل ذلك من قبيل التغيرات الاقتصادية و التطورات التقنية التي يشهدها مجال المقاولة و الأعمال من جهة، ومن ناحية ثانية لأسباب ترتبط بالأجير سواء بارتكابه لبعض الأخطاء الغير الجسيمة أو نتيجة لعدم قدرته الصحية على القيام بالتزاماته على النحو المتفق عليه.إلا أن قيام المشغل بهذا الإجراء دون موافقة الأجير فيه خرق للمبدأ السالف الذكر خاصة وأن عقد الشغل في الأساس هو عبارة عن إيجاب من المشغل وقبول من الأجير على أساس القيام بعمل معين مقابل أجر محدد وفق مقتضيات متفق عليها بموجب العقد  المبرم بينهما . وتكمن أهمية هذا الموضوع في تسليط الضوء عل أهم تجليات التعديل الجوهري لعقود الشغل،وردود أفعال الأجراء إزاء ذلك. وهذا ما يقودنا إلى طرح الإشكال التالي : ما هي أهم مظاهر تعديل عقد الشغل،وما الآثار المترتبة عن ذلك؟  وإلماما بما سبق سنتبع التصميم التالي للإجابة عن هذا الإشكال:
المبحث الأول: بعض مظاهر التعديل الجوهري لعقد الشغل
المبحث الثاني: مصير الأجير في ظل رفضه لهذا التعديل

المبحث الأول : بعض مظاهر التعديل الجوهري لعقد الشغل
      
          يتأثر عقد الشغل سلبا وإيجابا بالظروف الاقتصادية للمقاولة ،لذا كان من البديهي أن تتغير الظروف التي كانت سائدة وقت إبرامه،خاصة في ظل السوق الحرة وظهور وسائل وتقنيات متطورة  تفرض على المشغل ضرورة اعتمادها لمواكبة السرعة التي أصبحت تعرفها التجارة الوطنية والدولية ،حيث يقوم المشغل أحيانا  بتعديل طبيعة شغل الأجير(المطلب الأول)،أو القيام بتعديل الأجر المتفق عليه (المطلب الثاني).
المطلب الأول : تعديل شغل الأجير
  
     يعد تعديل المشغل لشغل الأجير بشكل جوهري مساسا بالعقد والاتفاق المبرم بينهما ،لاسيما أن هذا الأخير كان نتيجة إيجاب من المشغل وقبول من الأجير على أساس أداء عمل معين متفق عليه مقابل أجر محدد ، إلا أن المشغل ولمصلحة المقاولة قد يقدم على إجراء تعديلات على العمل المسند إلى الأجير، سواء من حيث طبيعته أو حجمه كلما تعلق الأمر بعناصر ثانوية وغير جوهرية ،وذلك استنادا إلى قاعدة حق المشغل في إدارة منشأته وتنظيمها  وإعمال سلطته التنظيمية والإدارية التي تخول له الحق في تشغيل أجرائه حسب ما تتطلبه ظروف العمل شريطة عدم المساس بالطبيعة الجوهرية لعقد الشغل.وهذا ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته حيث قضى بأنه" يحق للمشغل اتخاذ جميع التدابير التنظيمية التي تهدف إلى تحسين مرودية الشغل شريطة أن لا يتضرر الأجير من ذلك ،ويدخل ضمن هذه التدابير تغيير طبيعة شغل الأجير من ممثل تجاري إلى العمل بالمحاسبة ."
          لكن الأمر ليس بهذه البساطة متى تعلق الأمر بإدخال تغيير جوهري على عقد الشغل ، من قبيل تغيير الشغل المسند للأجير تغييرا جوهريا مضرا بمصالحه  حيث يحق لهذا الأخير رفضه،  ولا يعد بذلك مرتكبا لخطأ جسيم.وهذا ما أقره المجلس الأعلى حيث أكد في أحد قراراته أنه "يعتبر فصل الأجير بسبب رفضه لأداء شغل يختلف اختلافا جوهريا عن الشغل المتفق عليه بمثابة فصل تعسفي ."
         ويتضح مما سبق أن حق الأجير في رفض أي تعديل من عدمه رهين بالصفة الجوهرية لهذا التعديل الذي يقوم به المشغل في طبيعة العمل المتفق عليه.
إلا أنه وفي رأي ونظرا لكون المقاولة أو الشركة ملتقى العديد من المصالح الاجتماعية والاقتصادية ،فإنه لا يحق للأجير التوقف عن العمل لمجرد رفضه للتغيير الذي أدخله المشغل على بعض بنود العقد وإن كانت جوهرية، لأن من شأن ذلك الإضرار بمختلف المصالح السالفة الذكر.كما أن اعتبار الفصل في هذه الحالة فصلا تعسفيا فيه نوع من الإجحاف في حق المشغل، رغم أن القرار أبان على ضرورة مراعاة مصلحة الأجير وعدم الإضرار به جراء اتخاذ قرار تعديل طبيعة العمل سواء أكان الضرر ماديا أو معنويا، إلا أنه ينبغي مراعاة تحقيق التوازن في إطار يحمي الأجير والمشغل ،دون التعسف في حق أي منهما. كما أن رأينا هذا لا يجب فهمه بسحب البساط من تحت أقدام الأجراء، بل تجب حماية هؤلا من أي ضرر مادي أو معنوي قد يلحق بهم جراء أي تعديل في بنود العقد الاصلي. وهذا ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته و الذي جاء فيه "أن نقل الطاعن (أي الأجير) من مدير عام إلى رئيس قسم الإعلاميات، وإن لم يكن فيه ضرر مادي للطاعن ففيه ضرر معنوي كبير ومخالف لمقتضيات الفصل 230 م ق ل ع. 
        بناء على مقتضيات القرارات أعلاه يتضح أن أي تعديل جوهري لطبيعة شغل الأجير فيه إضرار بمصالحه من حقه أن يرفضه والاحتجاج عليه. لكن التساؤل الذي يفرض نفسه : ماذا لو طال التعديل الأجر المتفق عليه بموجب العقد.

المطلب الثاني: تعديل الأجر
       
          يمكن القول أن الأجر هو كل ما يدخل في الذمة المالية للأجير نظير قيامه بالعمل وبمناسبته ، سواء أداه المشغل شخصيا أو أداه غيره من المتعاملين مع المحل الذي يشتغل فيه ،وذلك أيا كان نوعه وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه وأيا كانت الطريقة التي يتحدد بها ، وكيفما كان شكل وطبيعة عقد الشغل. ويلعب الأجر دورا مهما باعتباره أحد العناصر الأساسية في عقد الشغل نظرا لدوره المعيشي في حياة الأجير و أسرته والحياة الاقتصادية و الاجتماعية بصفة عامة.حيث أن أي تغيير يطاله سواء بالرفع منه أو تخفيضه ينعكس على القدرة الشرائية لأكبر شريحة اجتماعية في المجتمع، مما يلقي بظلاله على المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل عام وعلى السلم الاجتماعي بشكل خاص.ونظرا لهذه الأهمية تدخل المشرع المغربي بمقتضى مدونة التجارة ونظم كيفية تحديد الأجر وأدائه ، فضلا عن تحديد الحد الأدنى للأجر الذي لا يمكن أن يقل عنه في كل مجال على حده.
        والجدير بالذكر أن المشرع المغربي ذهب في ظل المقتضيات السابقة على مدونة الشغل إلى أن من حق الأجير رفض التعديل المتعلق بالتخفيض من ساعات الشغل ،ما دام لها تأثير على الأجر وأن التخفيض من عدد ساعات العمل لا يمكن أن يكون في أي حال من الأحوال سببا موجبا للتخفيض من الأجور . إلا أن مدونة الشغل أعطت المشغل إمكانية تخفيض أجر الأجير كنتيجة لتقليص ساعات الشغل على ألا يقل ذلك وفي جميع الحالات عن 50  بالمائة من الأجر العادي ما لم تكن هناك مقتضيات أكثر فائدة للأجير (الفقرة الثالثة من المادة 185 م ق ش).
        يتضح من المقتضيات أعلاه أن تغيير طبيعة شغل الأجير أو الأجر المتفق عليه من طرف المشغل بإرادة منفردة قد يقابله رفض الأجير، مما يقودنا إلى التساؤل مصير الأجير في ظل رفضه للتعديلات الجوهرية التي أدخلها المشغل على العقد.

المبحث الثاني : مصير الأجير في ظل رفضه لهذا التعديل
          من البديهي أن المساس بأهم مقتضيات عقد الشغل من طرف المشغل قد يقابله رفض الأجير خاصة وأن هذا الأجر فيه إخلال بمبدأ أساسي وهو أن العقد شريعة المتعاقدين.إلا أن رفض الأجير لهذا التعديل قد يتخذ صورتين وهما : رفض التعديل مع استمرارية العقد (المطلب الأول )، ورفض التعديل مع إنهاء العقد(المطلب الثاني).

المطلب الأول : رفض التعديل مع استمرارية العقد
         إن رفض الأجير بما أقدم عليه المشغل من تعديلات جوهرية في العقد لا يمكن اعتباره بذلك مرتكبا لخطأ جسيم ،وذلك سيما أن الاتفاق المبرم بينهما في بدء الأمر كان على أساس القيام بعمل معين وفق مقتضيات محددة ، وذلك أن ما أسس بناء عن توافق إرادتين لايمكن أن تلغيه أو تعدله إرادة واحدة ، وكل تعديل مخالف لذلك من حق الأجير رفضه. لكن رغم ذلك فالمشغل لا ينهي العلاقة التعاقدية القائمة مخافة ما قد يترتب عن ذلك من تعويضات لصالح الأجير ، ويبقى من حق الأجير المطالبة بتنفيذ العقد كما تم الاتفاق عليه مسبقا. وفي هذا الإطار أكدت محكمة النقض الفرنسية هذا الحق بشكل واضح حيث نصت على أن "المشغل لا يستطيع وبدون موافقة الأجير تعديل عقد شغل هذا الأخير بشكل انفرادي كلما مس التعديل عنصر جوهري في العقد ، وفي هذه الحالة لا يحق للمشغل سوى الرجوع إلى العلاقة التعاقدية الأصلية كما كانت أو إعفاء الأجير وتحمل مسؤوليته هذا الإعفاء." ورفض الأجير للتعديل الذي يمس جوهر العقد لا يمنعه من مواصلة العمل وتنفيذ التزاماته المتفق عليها في بداية الأمر ،هذا ما يفرض على المشغل ضرورة أداء الأجر المتفق عليه ،هذا من جهة.ومن جهة ثانية فليس من حق الأجير الاحتجاج بسبب تغيير طبيعة شغله ما دامت مصالحه والامتيازات التي يحصل عليها لم يطرأ عليها أي تغيير،وأن المشغل تصرف عن حسن نية، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته حيث أكد "أن هيكلة المشغل لمؤسسته بتغيير المنشات،وإدخال المعلوميات يعد من صميم اختصاصه ومن شأنه الرفع من مرد ودية مؤسسته ولا يغير شيئا في عقود الشغل المبرمة مع الأجراء،وأن الأجيرة التي لم يقع المس بأجرتها وجميع امتيازاتها ،بل تم رفع أجرتها وخضعت لفترة تكوين على الحاسوب على نفقة مشغلها ،ليس من حقها أن ترفض الوظيفة المعروضة عليها بعدما أن تم حذف المصلحة التي كانت تشتغل بها."

المطلب الثاني : رفض التعديل مع إنهاء العقد
          
      إن رفض الأجير للتعديل الذي أدخله المشغل على مقتضيات جوهرية في العقد المبرم بينهما قد يؤدي إلى إنهاء العلاقة التعاقدية من قبل المشغل ، مما يطرح معه التساؤل حول طبيعة هذا الإنهاء ، خاصة وأن السبب المستند إليه فيه تعسف في استعمال الحق من طرف المشغل ، مما يؤدي إلى اعتبار هذا الإنهاء بمثابة إعفاء تعسفي تترتب عنه آثاره، ولا يمكن اعتبار رفض الأجير خطأ جسيما ،وهذا ما جاء في حيثيات أحد القرارات  الصادرة عن المجلس الأعلى والذي جاء فيه :" لما كان الإخطار بالفصل علل برفض الأجير القيام بالعمل المنوط به ، فإن المحكمة كانت على صواب لما اقتصرت في بحثها على السبب المذكور دون أن تلتفت إلى بقية الأسباب المثارة في جواب المشغلة ، ويعتبر خرقا لمقتضيات ظهير 23/10/1948 المشغلة التي عملت على نقل الأجير من عمله المعتاد إلى العمل بمخزن التبريد دون أن يكون متخصصا في هذا العمل ودون أن تمنحه امتيازات ،فرفض الأجير القيام به لا يشكل خطأ جسيما يخول للمشغل إعفاءه من عمله."
         لكن في رأينا فقرار المحكمة هنا جانب الصواب ، وذلك نظرا لكون الأجير ليس من حقه الامتناع عن العمل رغم ما أقدم عليه المشغل من تغيير ، بل يتعين عليه الحضور إلى مقر العمل والاحتجاج على التغييرالذي لحق العقد الأصلي إن كان به ما يضر بمصالح الأجير المادية أو المعنوية ضررا محققا. وفي رأينا كل مغادرة للعمل نتيجة رفض الأجير للتعديل الجوهري في عقد الشغل والتوقف دون مبرر قانوني للمدة المنصوص عليها قانونا هو بمثابة استقالة.وهذا بخلاف ما ذهب غليه  المجلس الأعلى في أحد قراراته حيث ذهب إلى أنه " حيث تبين صدق ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه ، ذلك أنه من الثابت في محضر جلسة البحث وخاصة ما صرحت به الطالبة من أنها كانت تتقاضى أقل من الحد الأدنى القانوني للأجر، وهو ما أكده أيضا الممثل القانوني للمطلوبة الذي صرح بأن الطالبة كانت تتقاضى 8 دراهم في الساعة  وهي تقل عن الحد الأدنى للأجر ،بل إن القرار المطعون فيه قد زكى ذلك بالحكم للطالبة بتكملة الأجرة، مما تبقى معه مغادرة الطالبة لعملها لم تكن تلقائية وإنما بسبب عدم الاستجابة لطلبها الرامي إلى رفع أجرتها إلى الحد الأدنى للأجر المقررة قانونا ،مما تكون معه مغادرتها للعمل مبررة ومشروعة ، إذ أن الأجرة المتفق عليها أو المحددة قانونا تعتبر من أهم أركان عقد العمل وان التخفيض منها وكما هو الحال في النازلة يؤدي إلى خرق بنود العقد ويجعل هذا الإجراء يتسم بطابع التعسف ، مما يجعله فاسد التعليل فيما انتهى إليه ويعرضه للنقض."
    
                            خاتمة :
     وهكذا فالتعديل الجوهري لعقد الشغل من طرف المشغل يطرح إشكالات عدة ، خاصة في ظل رفض الأجراء له استنادا إلى كون الاتفاق المبرم بينهما كان على أساس اتفاق إرادتيهما . إلا أن المساس بجوهر العقد من طرف المشغل فيه مخالفة للمبدأ العام الذي نص على أن العقد شريعة المتعاقدين ، وهو ما كرسه الاجتهاد القضائي بدوره مؤكدا أن ما بنته إرادتين لا يمكن أن تلغيه أو تعدله إرادة واحدة خاصة إن كان فيه إضرار بمصالح الأجير وامتيازاته.إلا أنه من وجهة نظرنا يتعين على الحرص على حماية الحقوق دون محاباة طرف على حساب طرف اخر.

 
     قائمة المراجع المعتمدة :
                   ·مدونة الشغل.
                   ·الدكتور عبد اللطيف خالفي، كتاب الوسيط في مدونة الشغل-علاقات الشغل الفردية.
الدكتور عصام الوراري، كتاب تعديل عقد الشغل على ضوء العمل القضائي.
لتحميل المقال يرجى الضغط هنا للانتقال إلى موقع التحميل

ملحوظة هامة: في حال تم الانتقال بحضراتكم (عن طريق الخطأ) بعد الضغط إلى صفحة الإعلانات، فما عليكم سوى إغلاق صفحة الإعلانات ومعاودة الضغط حتى يتسنى لكم الانتقال إلى موقع التحميل 
انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة