التوجه الاقتصادي الليبرالي وإعادة صياغة الوظيفة الاقتصادية للدولة "التجربة المغربية نموذجا"، بقلم ذ. 'محمد قبلي'، طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق فاس

انشرها على:


التوجه الاقتصادي الليبرالي وإعادة صياغة الوظيفة الاقتصادية للدولة
 "التجربة المغربية نموذجا"
 
  بقلم ذ. 'محمد قبلي'

طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق فاس

مقدمة:

مرت الاقتصادات العربية، منذ الاستقلال، بثلاث مراحل ذات توجهات مختلفة على مستوى السياسات الاقتصادية: المرحلة الأولى، بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، حيث انتهجت معظم البلدان العربية، التوجه الاشتراكي في إدارة اقتصاداتها. وفي البلدان التي لم تتبع هذا التوجه، نجد سيطرة الطبقة المركزية المتحكمة، شبه التامة، على الاقتصاد ضمانا لاستمرار سيطرتها السياسية. ثم تحولت أغلبية البلدان العربية من منتصف السبعينيات إلى الانفتاح الاقتصادي([1]).

أما على المستوى المغربي، فيمكن القول أن انخراط واندماج المغرب في المنظومة الاقتصادية العالمية، وتأثره بمقتضيات العولمة الاقتصادية لم يتفعل إلا مع برنامج وسياسة التقويم الهيكلي([2] والتي ترجمت بانفتاح متواصل للاقتصاد الوطني على الخارج. وإعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية، وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص([3]).

وإذا أردنا الدقة أكثر فإن الهدف الأساسي من وراء هذا البرنامج التصحيحي، هو الدفع بالاقتصاد المغربي نحو الليبرالية الكاملة([4]) (المطلب الأول).

كما تعزز التوجه الاقتصادي الليبرالي بشكل جلي مع عملية التحرير الاقتصادي التجاري والتي لم تبدأ بشكل فعلي إلا في الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك بهدف جعل الاقتصاد أكثر تحررا، وزيادة دور القطاع الخاص ودرجة الانفتاح. ورغم زيادة قوة هذه العملية في التسعينيات، إلا أن التأثير الكامل لهذه العملية لم تظهر نتائجه حتى الألفينيات.

وقد تم إجراء عملية التحرير الاقتصادي في المغرب عبر العديد من السياسات الاقتصادية، بما في ذلك سياسات الاستثمار والخصخصة والإصلاح المالي والمصرفي، وإصلاح وتحديث سياسات العمل والإدارة العامة...

وتم تدعيم التحرير الاقتصادي بإصلاحات تجارية، وذلك من خلال تخفيضات جمركية والحد من الحواجز غير الجمركية، وتنفيذ عدد من الاتفاقيات الإقليمية والثنائية، وتحقيق التزامات الاتفاقيات متعددة الأطراف. وقد أدى هذا التحرير إلى إحداث تغيير عميق في الاقتصاد المغربي([5])، الأمر الذي كان له تأثير على المستجدات الاقتصادية الكلية والإيرادات الحكومية والتشغيل والأجور وعلى المستوى المعيشي للأسر (المبحث الثاني)

المبحث الأول: الليبرالية الاقتصادية كاختيار

على المستوى النظري هناك تنوع كبير للفكر الليبرالي مما يشكل بالنسبة له نقطة ضعف وقوة في آن واحد فليست هناك نظرية ليبرالية منسجمة أو متماسكة يمكن الرجوع إليها وتعلن عن نفسها هكذا وفي مرة واحدة. بل تيارات ومدارس فكرية تشترك كلها في أنها ليبرالية. فمن كلاسيكيي القرن التاسع عشر (دافيد ريكاردو ومالتوس وج.ب.ساي) وقبلهم دافيد هيوم وآدام سميت إلى إصلاحيي الفترة الكلاسيكية ( من ليبراليين إصلاحيين J.Smill إلى معارضين (Carey List) إلى النيوكلاسيكيين في منتصف القرن التاسع عشر (L.walras.S.Jevons.C.Menger.B.bawrek) ثم التنوع الحالي للفكر الليبرالي الذي يشمل المقاربة النقدية لفريد مان Friedman ونظرية العرض Laffer ثم المقاربة المعيارية Debreu و Lucas ثم نصل أخيرا إلى إعادة صياغة الليبرالية عند F.Hayek زعيم التيار النيوكلاسيكي السويدي([6]).

ومع ذلك فإنه لابد من إعطاء نوع من التحديد الإجرائي لهذا المفهوم أو العناصر المشكلة له وذلك على الأقل لتوضيح منطلقاتنا المفاهيمية في هذا البحث. وهنا نتبنى التحديد الذي أعطاه Jhon kenneth Galbraith للليبرالية والذي رأى فيه بأن هذه الأخيرة تقوم على أربعة خصائص كبرى وهي:

ــ أولا : أن محرك النشاط الاقتصادي هو إشباع المصلحة الشخصية التي تقود الفرد إلى خدمة مصلحة المجموعة([7]) والتي تكون موجهة بواسطة يد خفية.

ــ ثانيا : أن الميكانيزم الضابط لهذا النسق هو المنافسة التي تشكل العديد من المؤسسات في كل فروع النشاط الاقتصادي فكل مؤسسة تخضع إلى الأسعار كما تنتج عن اللعبة الطبيعية للعرض والطلب في السوق الحر التنافسي. ولا يمكن لأي واحدة منها أن تؤثر على أسعار السوق.

ــ ثالثا : السلطة الضابطة للتنافس تقصي كل تدخل للدولة([8])، فالتدخل الوحيد القابل للتبرير يجب أن ينحصر في احترام القانون والنظام والدفاع الوطني، فالحكومة التي تحكم أقل تكون هي الأفضل.

ــ رابعا وأخيرا بما أن السوق والتنافس هما ضامني النظام الأفضل الممكن فإنه يجب حمايتهما بأي ثمن فكلما اتسعت منطقة التبادل كلها نشطت المنافسة وأصبح السوق أكثر قوة([9]).

ولقد قوت العديد من الأحداث أطروحات الليبرالية الاقتصادية في نهاية القرن العشرين، فمن انهيار القطب السوفياتي والإيديولوجية التي تهيكله، أزمة الدولة ــ الرعاية خلال سنوات السبعينات في البلدان الغربية، إلى تدهور الوضعية الاقتصادية في العديد من البلدان السائرة في طريق النمو. أدت كلها إلى أن يكون في الواجهة التحليل النظري والتطبيق العملي الليبرالية لاشتغال الاقتصاد والدولة([10]).

وعلى المستوى المغربي، فيمكن القول بأنه ليس من السهل تحديد مصادر استلهام السياسة الاقتصادية الليبرالية بالمغرب، ومع ذلك يمكن ذكر المصدر الأول والذي ارتبط بحدث إقالة حكومة عبد الله إبراهيم ــ الحكومة الاشتراكية الثائرة ــ، فبعد هذه الإقالة أضحى بما لا يطرح معه أدنى ارتياب أن تطبيق التوجيهات الاشتراكية "فوق الطموحة" أصبح مستبعدا كليا من طرف المخزن، الذي كان يرى في التدابير المتخذة تهديدا للنسق السياسي برمته، ولكونها لم تراع في حسابها عناصر قابلية الإصلاح لتغيرات النسق، والدينامية العلائقية التي تربط بين الفاعلين، وبالتالي الحكم على المخطط الخماسي الذي استندت عليه حكومة عبد الله إبراهيم بالفشل ذلك أن أهدافه كانت تفوق ــ بنظر النخب خاصة الفلاحية منها ــ إمكانات تحمل النسق، فضلا على عدم دقة التدابير المتخذة في السياسات التصنيعية les politiques d’industrialisation، وبالتالي أعلنت المؤسسة الملكية والنخب المنخرطة في تمثلات المرجعية الرئيسية نهج الخيار الليبرالي في تدبير الشأن العام الاقتصادي بمنحى استراتيجي منذ 1963([11]).

وبالتالي فالمتتبع لمسار السياسات الاقتصادية التي تمت بلورتها خاصة بعد سنة 1963 سيلاحظ البعد الليبرالي في تركيبتها، حتى أن الخطاب الرسمي الذي رافق هذه السياسات سيحاول تسويق بعض القرارات المتخذة في الحقل الاقتصادي في صورة تمسك المغرب بالنهج الليبرالي.

إذ بدا واضحا الخيار الليبرالي من خلال تصريحات المسؤولين، فهذا وزير المالية يصرح في سنة 1967 على "أن المغرب اختار النهج الليبرالي وسيعطي بذلك مثالا لإفريقيا كلها". كما صرح وزير المالية كذلك في سنة 1973 في نفس السياق بأنه : "نحن اخترنا أن نعيش ونتطور وفقا لتقاليدنا الليبرالية العريقة في نظام ليبرالي...)([12]).

ويمكن عد المصدر الثاني المتعلق بالإرث الاستعماري، البنيات الاقتصادية والإدارية، دور الدولة في الاقتصاد، مكانة القطاع العام، تكون المجموعات الاجتماعية التي ستحمل مشعل التغيير غداة الاستقلال. ويرتبط المصدر الثالث بالثاني فهو يشكل له امتداد إذ يهم تربية النخبة البيروقراطية والتكنوقراطية الجديدة والتي اكتمل تكوينها بعد الاستقلال، إذ الجيل الذي يتحمل مسؤولية تدبير الشؤون العامة، تكونت في البداية في الجامعات الغربية، وهي مشبعة بتعاليم المذهب الليبرالي، وقد يكون المصدر الرابع هو الأهم لأنه يتعلق بتأثير بعض التنظيمات الدولية خاصة صندوق النقد الدولي، والبنك العالمي([13]) بداية من الإملاءات القاضية بضرورة تطبيق سياسة التقويم الهيكلي. وقد تضمن تطبيق هذه السياسة في المغرب مجموعة من الإجراءات يمكن تقسيمها إلى نوعين :إجراءات التثبيت التحكم في الطلب، و إجراءات الإصلاح الهيكلي التأثير في جانب العرض. إجراءات تعتبر الأساس الممهد لتحديد النفقات الموجهة للقطاعات الاجتماعية التي عرفت انخفاضا واضحا([14]) تحت غطاء تقليص العجز الموازني([15]).

وبشكل عام يمكن تلخيص منطق برامج التقويم الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي في مبدأين اثنين: كسب أكثر وإنفاق أقل([16]) وانسحاب الدولة من العديد من الميادين والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تتدخل فيها فيما سبق، وهو الانسحاب الذي يعكس تحولا في دور الدولة التنموي ودور الدولة "الرعاية"، وإحداث القطيعة مع مفهوم التوازن الاجتماعي الذي يشكل أحد أبرز وأهم أدوار الدولة الحديثة، والتأشير لمرحلة جديدة في علاقة الدولة بالمواطن قوامها نقل عبئ تكاليف الخدمات الاجتماعية إلى عاتق هذا الأخير([17])، وكذا إتاحة المجال للرأسمال الخاص ــ الوطني والدولي ــ لأخذ المبادرة والاستثمار في القطاعات التي كانت في السابق تحت مسؤولية الدولة تماشيا مع الأفكار الليبرالية الجديدة. والإعلان بذلك عن انبعاث نموذج تنموي قائم على إعطاء الأولوية للقطاع الخاص والمبادرة الحرة مقابل تقزيم دور الدولة وخوصصة مشاريعها الاقتصادية.

المبحث الثاني: إعادة صياغة الوظيفة الاقتصادية للدولة: الآليات والتجليات والآثار

 لقد اتجه الاقتصاد العالمي إلى تشجيع التبادل الحر بين الدول، والذي يعتبر فيه تحرير المبادلات التجارية من أهم السمات الرئيسية للانفتاح الاقتصادي، ولقد شكل تحرير التجارة الخارجية أحد أهم توصيات المؤسسات المالية الدولية باعتباره الإطار الذي يسمح في اعتقادها بخلق توازن الصادرات وتحقيق تنافسية الاقتصاد على المدى الطويل([18]). وقد بدأ التحرير الاقتصادي التجاري في المغرب بشكل فعلي في بداية الثمانينيات، وخلال التسعينيات والألفينيات عبر العديد من الآليات (المطلب الأول)، وهو ما ساهم في إحداث تغيير عميق في الاقتصاد المغربي وعلى الوظيفة الاقتصادية للدولة، ومن ثم على المستجدات الاقتصادية الكلية والإيرادات الحكومية والتشغيل والأجور وعلى المستوى المعيشي للأسر (المطلب الثاني)

المطلب الأول: الآليات والتجليات

شكلت سياسات الاستثمار والخوصصة والإصلاح المالي والمصرفي، وسياسات الإصلاح القطاعي إحدى أهم الآليات والعناصر الرئيسية لإستراتيجية التحرير الاقتصادي في المغرب (الفقرة الأولى). كما تم تدعيم التحرير الاقتصادي بإصلاحات تجارية، وذلك من خلال تخفيضات جمركية والحد من الحواجز غير الجمركية، وتنفيذ عدد من الاتفاقيات الإقليمية والثنائية، وتحقيق التزامات الاتفاقيات متعددة الأطراف (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: التحرير الاقتصادي

كما تمت الإشارة آنفا، شكلت سياسات الاستثمار (أولا)، والخوخصصة (ثانيا)، وكذا الإصلاح المالي والمصرفي (ثالثا)، وسياسات الإصلاح القطاعي (رابعا)  أبرز الآليات التي تم من خلالها تحرير الاقتصاد المغربي.

أولا: سياسات الاستثمار

اشتمل إصلاح سياسات الاستثمار على عدد من القوانين الرامية لتحسين بيئة الأعمال والاستثمار. كما تم إصدار ميثاق الاستثمار عام 1995 لتعزيز الاستثمار، من خلال تحسين إطار الاستثمار وإزالة التشوهات القطاعية. وفي عام 2003، تم إنشاء 16 مركزا إقليميا للاستثمار كنوافذ واحدة لتعزيز لا مركزية اتخاذ القرار، وتيسير تأسيس المنشآت على المستوى الإقليمي. وفي عام 2006، تم إعداد دليل إجراءات للمراكز الإقليمية للاستثمار، وتطوير الجهات الإدارية الشريكة لها لإدخال مزيد من التبسيط على إجراءات الاستثمار. وفي الوقت ذاته، تم إنشاء لجنة وطنية للاستثمار لتيسير التعاون بين الجهات المعنية كافة وضمان شفافية إجراءات الاستثمار على المستويين الوطني والإقليمي. كما تضمنت إصلاحات سياسات الاستثمار إصدار قانون للشركات، وقانون جديد للتجارة من شأنه تحديث ممارسات التجارة، واعتماد قانون حول مجموعات المصالح الاقتصادية. كما تم تقوية الدور الاقتصادي للنظام القضائي بإصدار قانون للمحاكم التجارية (1998) والذي أدى إلى تبسيط عملية التعامل مع النزاعات التجارية والمتعلقة بالملكية الصناعية. وعلى المستوى المؤسسي، تم في 2002 إنشاء لجنة بين – وزارية لتشجيع الاستثمار، وذلك تحت السلطة المباشرة لرئيس الحكومة لمواجهة المعوقات التي تحول دون إقامة مشروعات استثمارية كبرى. كما تكون اللجنة مسؤولة عن القواعد وعقود الاستثمار التي تربط بين الدولة والاستثمارات الضخمة، فضلا عن اعتماد التدابير اللازمة لتحسين بيئة الاستثمار. ولتشجيع وتيسير الاستثمار الوطني والأجنبي، تم إعداد قانون جديد رقم 41 لعام 2008 بإنشاء الوكالة المغربية لتنمية الاستثمار([19]).

ثانيا: برنامج الخوصصة

إن تدخل الأشخاص العموميين في الاقتصاد يعزى إلى السعي نحو تنشيط النمو الاقتصادي، وفي ظل تحديات الواقع المعاصر المستند على الليبرالية الجديدة، أصبحت الدولة مجبرة على إعادة النظر في تدخلاتها واحتكارها للأنشطة الاقتصادية لتتنازل عن جزء مهم من هذا النشاط الاقتصادي لفائدة الفاعلين الخواص القادرين على الانخراط في هذا الواقع([20]). فبعد أن عرف المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين حصول المغرب على الاستقلال 1956 إلى غاية 1983 بداية سياسة التقويم الهيكلي حضورا قويا للأشخاص العموميين على مستوى السياسة الاقتصادية نتيجة لضعف أو غياب المبادرة الخاصة، حيث سجل تدخلا قويا لتدخلات الفاعلين العموميين على صعيد مختلف المجالات وكذا الأنشطة، إلا أنه وابتداء من سنة 1983 مع بداية سياسة التقويم الهيكلي([21])، وأمام الصعوبات التي أضحت تواجهها الوحدات الاقتصادية العمومية برزت على السطح استراتيجية جديدة قوامها قوامها سياسة التحرير الاقتصادي بما تعنيه من الحد من هيمنة واحتكار الدولة للأنشطة الاقتصادية على الخصوص من خلال برنامج سياسة الخوصصة.

حيث تعد سياسة الخوصصة إحدى أهم الآليات التي عول عليها المغرب لأجل بلوغ هدف التحرير الاقتصادي([22])، وقد بدأ  برنامج الخصخصة المغربي في عام 1989 بالقانون رقم 39 لعام 1989، والذي قضى بتحويل 75 شركة و3 فنادق من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وبعد قليل من التأخير، انطلق برنامج الخصخصة في عام 1995 ثم مرة أخرى في عام 1999 ليسمح بمزيد من المرونة وخيار بيع المؤسسات المملوكة للدولة، من خلال البورصات الوطنية أو الأجنبية. وبين عامي 1993 و2006 حقق برنامج الخصخصة 94 مليار درهم مغربي وأدى إلى نقل ملكية 65 شركة. ووفقا لدراسة نشرتها وزارة الاقتصاد والمالية سنة 2007، كانت لخصخصة الشركات المملوكة للدولة آثار إيجابية على مستوى الاقتصاد الجزئي، وبعض الآثار الإيجابية على الاقتصاد الكلي بالنسبة لسائر الشركات التي تم نقل ملكيتها. فقد جعل برنامج الخصخصة قطاعات الصناعة والاتصالات والسياحة والطاقة والمال أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر. بالإضافة إلى ذلك، تم منذ عام 2001 توجيه 50% من حصيلة الخصخصة إلى صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ثالثا: إصلاح القطاع المالي

ركز هذا الإصلاح على تحرير أسعار الفائدة والتغييرات في السياسة النقدية، وانخفاض قدرة الحكومة على الحصول على الائتمان، والتغييرات التنظيمية للقطاع المصرفي، والتغييرات في عملية البورصة. وفيما يتعلق بالبورصة، دخلت ثلاثة قوانين حيز النفاذ فيما يتعلق ببورصة الدار البيضاء، وهيئة الأوراق المالية واستحداث صناديق الاستثمار المشترك. وفي عام 2008، تم تعديل قانون بورصة الدار البيضاء، بهدف تحديث عمليات سوق رأس المال. وتم تحرير القطاع المصرفي بين عامي 1993 و1999 بإلغاء نظام تأطير القروض  encadrement du crédit)) ([23])، وإلغاء القيود على الائتمان، وتحرير أسعار الفائدة على الإقراض والاقتراض. وفي بداية الألفينيات، تم اتخاذ تدابير مختلفة لإعادة هيكلة البنوك المتعترة...

رابعا: سياسات الإصلاح القطاعي

إلى جانب الإصلاحات الشاملة، تم اعتماد أربع مبادرات قطاعية لتعزيز الاقتصادي والتجاري في المغرب. وهذه المبادرات هي (Maroc Export Plus) لتنمية وتحفيز الصادرات، ومبادرة مخطط الإقلاع الصناعي (Plan Emergence) لتنمية قطاعي الصناعة والخدمات، ومبادرة المخطط الأزرق (Plan Azur) لتنمية قطاع السياحة، وإستراتيجية المخطط الأخضر(Plan Vert)  لتنمية قطاعي الزراعة والحرف اليدوية([24]).

الفقرة الثانية: التحرير التجاري

لقد انطلق منطق المؤسسات المالية الدولية من مسلمة مفادها أن أنجح السياسات من أجل تحقيق الفعالية الاقتصادية على المدى الطويل هو التحرير التجاري. وقد شرع المغرب في تطبيق إستراتيجية تحرير التجارة في الثمانينيات من القرن العشرين من خلال مجموعة من الآليات وفي مقدمتها تخفيض التعريفة الجمركية، وتقليص الحواجز الجمركية مع بقية دول العالم 2(أولا)، وإبرام عدد من الاتفاقيات التجارية الإقليمية والثنائية بين الشمال والجنوب، والجنوب والجنوب (ثانيا)، كما أنه وفي نفس السياق، ولنفس الغاية عمل على إصدار مجموعة من القوانين وفي مقدمتها قانون حرية الأسعار والمنافسة (ثالثا).

أولا: السياسات الجمركية

تتألف السياسات الجمركية للمنتجات من تخفيض لمعدلات التعريفة الجمركية، وإلغاء معظم القيود الكمية على التجارة، وتبسيط السياسة الجمركية من خلال خفض عدد الضرائب وبنود التعريفة الجمركية،  وتبسيط إجراءات الاستيراد. وبدأ أول إصلاح جمركي في عام 1982، وأدى إلى تخفيض الحد الأقصى للرسوم الجمركية من 400% إلى %60 وتم الإصلاح الثاني في عام 1993، وأجرى مزيدا من التخفيض في الحد الأقصى للتعريفة الجمركية إلى 50% وأدت جولة أورجواي  في عام 1995 إلى ربط معدلات التعريفة الجمركية عند 55% (شاملا رسم الاستيراد)، والالتزام بخفض معدل التعريفة الجمركية بمعدل 2.4% سنويا ليصل إلى %24 على مدى عشر سنوات. وفي عام 1992، تمت مواءمة المسميات المستخدمة في تصنيف التعريفة في المغرب مع النسخة الصادرة عام 2002 من النظام المنسق لتوصيف السلع وترميزها (HS). وسائر معدلات التعريفة الجمركية هي رسوم محسوبة على أساس القيمة، باستثناء 40 بندا تخضع لرسوم متغيرة. ومنذ عام 2000، تم اعتماد عدد من التدابير الإضافية الرامية إلى جعل قطاع التجارة المغربي أكثر انفتاحا على العالم، وتم دمج الرسم المالي على الاستيراد في الرسوم الجمركية في عام 2000. وتم وضع حد أدنى للتعريفة الجمركية على واردات المشاريع الاستثمارية، وألغيت الأسعار المرجعية في أغسطس 2002، كما تم تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات كافة من الاتحاد الأوروبي إلى %10 عام في عام 2003، وتم اعتماد إصلاحات جمركية لبعض القطاعات في عام 2006 في إطار مخطط الإقلاع الصناعي، وخفض الحد الأقصى للتعريفة الجمركية من %50 في عام 2007 إلى 40% في عام 2008. كما استحدث قانون الموازنة لعام 2009 إصلاحا مهما في مجال التعريفة الجمركية، وذلك بهدف الحد من الفرق في التعريفة الجمركية بين التعريفة الموحدة وتلك المطبقة في إطار الاتفاقيات التفضيلية، ولتجنب تحويل التجارة الذي يترتب على الإلغاء الكامل للتعريفة الجمركية، في إطار اتفاقية التجارة الحرة مع أوروبا. وقد تمثل الهدف من إصلاح عام 2009 في التخفيض التدريجي للحد الأقصى للتعريفة الجمركية المفروضة على المنتجات الصناعية.

ثانيا: اتفاقيات التجارة الثنائية والإقليمية ومتعددة الأطراف

احتدت صيرورة دخول المغرب في دوامة الانفتاح الليبرالي مع بداية الثمانينات لما قبل بتنفيذ برنامج التقويم الهيكلي المفروض من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وستتعمق هذه الصيرورة بانضمام المغرب إلى الاتفاق العام حول التعريفات الجمركية والتجارة (GATT) سنة 1987([25])، وإلى منظمة التجارة العالمية بعد التوقيع على اتفاقياتها التأسيسية بمراكش سنة 1994، وسيكتسي هذا الانفتاح الليبرالي طابعا معمقا مع اندماج الاقتصاد المغربي في العولمة الرأسمالية من خلال إقامة اتفاقية التبادل الحر([26]) مع مجموعة من المنظمات والدول وبشكل خاص خلال السنوات العشرة الأخيرة.

حيث عمل المغرب على تعزيز انفتاحه الاقتصادي على الخارج وتقوية مركزه الجيو اقتصادي من خلال إبرام العديد من اتفاقيات التبادل الحر([27]). شملت11 اتفاقية تجارية حرة تتضمن 55 بلدا وأبرم اتفاقيات تجارة تفضيلية مع 23 بلدا. وتتمثل اتفاقيات التجارة الحرة الرئيسية في تلك التي تم توقيعها مع الاتحاد الأوروبي (28 بلدا)، والولايات المتحدة الأمريكية، والبلدان العربية (الجافتا) وضمن الأخيرة اتفاقية أغادير الأكثر إلزاما، والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (الإفتا)([28]).

ثالثا: قانون حرية الأسعار والمنافسة

كانت الدولة تهيمن على مختلف الجوانب المتعلقة بسير الاقتصاد الوطني، وتعمل بواسطة مختلف أجهزتها على التحكم في كل ما يتعلق بالأسواق الوطنية، هادفة إلى حماية القدرة الشرائية للمستهلك عن طريق دعم المواد الأساسية.

لكن المستجدات والظروف الدولية دفعت المغرب نحو التخلي عن سياسة الرقابة والتوجيه الاقتصادي الذي ينهجه، والتوجه نحو الليبرالية الاقتصادية. والأكيد أن هذا الاختيار لم يكن بمحض إرادة وقناعة المشرع المغربي، إنما " أصبح ضرورة ملحة، وصورة من صور الإكراهات التي يتعرض لها المغرب بطريقة غير مباشرة" وذلك في إطار العولمة، حيث أصبح العالم قرية صغيرة تنكسر داخلها كل الحدود الجغرافية، لتتداخل المصالح وتتشابك الاقتصادات، وبالتالي برزت الحاجة إلى إيجاد تشريعات ونصوص قانونية فعالة تواكب هذه التطورات وتفتح أبواب الاقتصاد الوطني في وجه المؤسسات والشركات الأجنبية وإرساء تقوية  مبدأ الحرية التجارية.

 من هذا المنطلق عمل المشرع المغربي عمل على سن العديد من القوانين في مجال الأعمال بصفة عامة، وعلى رأسها قانون حرية الأسعار والمنافسة الذي صدر عام 2011، والذي هدف من خلاله إلى تعزيز أوضاع المنافسة ومنع السلوك الاحتكاري، والذي يمكن أن يأخذ شكل تثبيت الأسعار، وتقسيم السوق وإساءة استخدام الوضع المهيمن في سوق ما. وكذا الحد من عمليات التركيز، وكذا العمل على تحرير أسعار عدد من السلع والذي يعد من بين أهم الأهداف المتوخاة من سن هذا القانون.

ذلك أن هذا الأمر يكتسي أهمية بالغـة، لِمَـا يمنحه للفاعلين الاقتصاديين من حرية ومجال واسع لخلق منافسة حيوية تأثر بشكل إيجابي على النسيج الاقتصادي المغربي.  

وقد ساهمت هذه الإصلاحات المتعددة في إنشاء دينامية متميزة فيما يتعلق بالاستثمار، حيث حققت مستويات جد مرتفعة تؤشر على تحسن اقتصادي ملموس، فإذا أخذنا سنة 2006 كنموذج، نجد أنها مثلث سنة قياسية من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية بفضل العدد الكبير من الاتفاقيات  التي أبرمها المغرب مع دول أجنبية، خاصة مع الإمارات العربية المتحدة (ثماني اتفاقيات برقم معاملات وصل إلى 9 مليار دولار)، فيما انتقلت الاستثمارات العمومية من 38 مليار درهم خلال سنة 1998-1999 إلى 76 مليار درهم سنة 2006([29]).

المطلب الثاني: الآثار

يؤكد الخطاب الليبرالي اليوم على سياسات الانفتاح مؤكدا قدرتها على تجاوز "أخطاء الماضي" وإعادة بناء النمو على أسس "سليمة" لكن التجربة بينت أن هذه السياسات تحطم مشروع التنمية وتساهم في دفع التناقضات داخل الوطن العربي التي تلقي بها في كارثة اجتماعية واقتصادية تبيد وتنفي مشروع النهضة([30]). إذ أن التحرير التجاري والاقتصادي لا يؤديان بشكل منهجي إلى النمو، والأخير لا يؤدي بالضرورة إلى الحد من الفقر. ومن الممكن أن تحقق سياسات التحرير نموا دون أن إحداث تأثير كبير على الفقر، بل يمكنها حتى أن تزيد أوضاع بعض الأسر الفقيرة سوءا (الفقرة الأولى)، وأن تأثر أيضا على التشغيل بأوجـــــه الجمود في الأجور والعمالة (الفقرة الثانية)، كما يمكنها أيضا أن تسهم في تعميق عجز الميزان التجاري (الفقرة الثالثة)

الفقرة الأولى: الرفع من معدلات الفقر

للسياسة التجارية الاقتصادية أثر على أسعار السلع وعوامل الإنتاج، وبالتالي على الفقر وسوف يعتمد ذلك على عدد من العوامل مثل موقع الأسرة (في الحضر أم الريف)، وإذا ما كانت الأسرة بائعة أم مشترية للسلعة أو عامل الإنتاج وسلة استهلاك الأسر المعيشية. ومن الشأن الطريقة التي يتم من خلالها تمرير التغييرات في الأسعار إلى الأسر المعيشية، وقدرتها على الاستجابة إلى التغييرات السعرية أن تؤثر على وقع التجارة على الفقر.

ويتمثل أحد الأساليب المستخدمة لتقدير التأثير السعري لتحرير التجارة على الفقر في تحديد مصادر الدخل وكيفية تخصيص الأسرة لميزانيتها. وفي حين أن تحليل مصادر الدخل، مصنفا بحسب الفئات، يسمح بتقدير أهمية الأجور في دخل الفقراء والفئات الضعيفة في المناطق الحضرية والريفية، فإن تحليل ميزانية الأسرة يلقي الضوء على السلع التي تتسم بأهمية نسبية في ميزانيات الأسر الفقيرة والضعيفة، وبالتالي يثبت وجود علاقة بين التجارة والسياسة الجمركية، وأسعار السلع والفقر. ومع ذلك، فإن تأثير التجارة على أسعار السلع سوف يتوقف على التدابير التحكمية التي قد تؤثر على أسعار السوق. ومنذ ثمانينيات القرن العشرين. قام المغرب بتخفيض كبير في قائمة السلع التي تخضع إلى قيود سعرية. ويمكن أن يؤدي تخفيض التعريفة الجمركية إلى انخفاض في أسعار المستوردة والسلع البديلة المنتجة محليا. وسوف يكون التأثير على الفقر ذا أهمية إذا كانت السلع تمثل نصيبا مهما من استهلاك الأسر الفقيرة والضعيفة([31]).

ووفقا لمسح الأسر المعيشية 2006-2007([32])، يختلف معامل الميزانية للبنود الرئيسية للاستهلاك حسب وسط الإقامة ومستوى الدخل. ويمثل الغذاء والتبغ والسكن والطاقة 78% من ميزانية الفقراء في الحضر و%81.6 من ميزانية الفقراء في الريف. ويخصص باقي الاستهلاك أولا إلى الصحة ثم النقل والاتصالات. ولا يزال يمثل الغذاء والتبغ والسكن والطاقة نصيبا كبيرا قدره 75% من ميزانية الفئات الضعيفة من السكان. وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يعتبرون ضمن الفقراء أو الضعفاء. تمثل هذه البنود 59% من مجموع النفقات في المناطق الحضرية و%68 في المناطق الريفية. وبالنسبة للفقراء والفئات الضعيفة في الريف والحضر يمثل الغذاء والطاقة والسكن أهم البنود. وعليه، فإن أي سياسة تؤثر في هذه الأسعار سوف يكون لها تأثير قوي على مستوى رفاهتهم. ولا تختلف نتيجة مسح الأسر المعيشية 2006-2007 بشكل كبير عن مسح 1998. فالميزانية المخصصة لمختلف السلع والخدمات لا تعتمد فحسب على مستوى الفقر ولكن أيضا على محل الإقامة. ولم يتغير ذلك بشكل كبير بين 1998 و 2006-2007.

وقد أجريت دراسات عدة لتقييم تأثير التحرير الاقتصادي والتجاري على مستوى الفقر في المغرب وطبيعته. وتركز دراسة (1999) Lofgren على الإصلاح التجاري والفقراء في المغرب، وتستخدم نموذج توازن عام قابلا للحساب للريف والحضر. ويرجع هذا التمييز إلى أن الزراعة هي المصدر الرئيسي لدخل الفقراء. ويستخدم النموذج لتحليل التأثير قصير الأجل لسيناريوهات بديلة لتخفيض الحماية الممنوحة لكل من الزراعة والصناعة. وتشير النتائج إلى أن تخفيض الحماية الممنوحة للزراعة يؤدي إلى مكاسب إجمالية ملموسة في مستوى الرفاهة، ولكن يعاني الفقراء في الريف من خسائر جسيمة جراء ذلك. أما تأثير تخفيض الحماية الممنوحة للصناعة فهو طفيف. ولدى أخذ الأجل الطويل في الاعتبار والسماح بهجرة العمالة من الريف إلى الحضر تكون النتائج أقل سلبية للأسر المعيشية في الريف. وعندما تدرج في نموذج المحاكاة إمكانية توافر تدابير تعويضية تستهدف السكان في الريف، تتضح إمكانية التغلب على المفاضلة بين الرفاهة الإجمالية والرفاهة في الريف.

وتقوم دراسة (2004) Ravallion and Lokshin بتحليل المستفيدين والخاسرين من الإصلاحات الاقتصادية التجارية في المغرب، وتتناول الدراسة الآثار التي تعود على رفاهية الأسر المعيشية من التغييرات في الأسعار النسبية الناجمة عن سيناريوهات معينة لإصلاح السياسة التجارية بالنسبة للحبوب في المغرب. وتقوم الدراسة بتقدير الآثار على عينة من الأسر تبلغ 5000 أسرة باستخدام مسح قياس مستويات المعيشة في المغرب لعام 1998/1999. وبصورة إجمالية، وجدت الدراسة آثارا طفيفة على متوسط الاستهلاك وعدم المساواة. وهناك مستفيدون وخاسرون على حد السواء، وأنه يزداد وضع الفقراء سوءا في المتوسط بعد إصلاحات السياسة التجارية([33]).

الفقرة الثانية: الرفع من معدلات البطالة

إن إسهام عملية التحرير التجاري والاقتصادي في الرفع من معدلات البطالة والتأثير سلبا على سوق الشغل يظهر على عدة مستويات نذكر من بينها :

ــ يؤدي نقص موارد الدولة الناتج عن إلغاء الرسوم الجمركية([34]) إلى نقصان كبير في مناصب الشغل التي كان يوفرها القطاع العام

ــ كما تؤدي الانعكاسات السوسيو اقتصادية للتفكيك الجمركي إلى إزاحة أو تحريك نسبة مهمة من العمال النشيطين في المجال الصناعي إلى أنشطة أخرى منافسة.

ــ كما أن تراجع المداخيل الجمركية يؤدي بالدولة إلى البحث عن مداخيل ضريبية جديدة، مثل الرفع من سعر بعض الضرائب غير المباشرة لكن النتائج لن تكون أحسن. ذلك أن الرفع من أسعار الضرائب غير المباشرة يؤدي إلى تراجع في الطلب، وذلك يعني تراجع في الاستثمار، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع في الإنتاج والنتيجة التراجع في سوق الشغل، وكيفما كان تدخل الدولة في مجال العامة من أجل تعويض النقص الذي سيجنيه المغرب من فقدان مداخيله الجمركية بسبب التحرير التجاري، فإن القطاع الاجتماعي في الدولة سيبقى أكبر الخاسرين([35]).

ولنا في تجربة المكسيك خير مثال على الانعكاسات السلبية لعملية تحرير التجارة والاقتصاد على القطاع الاجتماعي بصفة عامة وعلى . حيث على الرغم من تضاعف أعداد المصانع بالمكسيك وتضاعف أعداد العمال في تلك المناطق الحرة([36])، فإن ذلك لم يكن كافيا لتعويض الخسائر والعطالة التي كانت نتيجة إغلاق آلاف المقاولات التي لم تستطع مواكبة التحرير التجاري([37]).

حيث يؤدي تحرير التجارة إلى إعادة الهيكلة والتكييف الاقتصاديين، الأمر الذي يعني ضمنا إفلاس بعض الشركات مع ازدهار أو تأسيس شركات أخرى. وبالتالي، يتم فقد بعض الوظائف وتوليد وظائف جديدة. ومن ثم يؤدي تحرير التجارة إلى توفير فرص العمل وتدميرها في آن واحد، إلا أن الوظائف التي يتم توفيرها تستلزم مهارات أعلى، وعند فقدان الوظائف يقع بعض العاملين في مصيدة الفقر. وتزايد احتمالية ذلك في العالم النامي، نظرا لمحدودية الحماية الاجتماعية وإعادة تأهيل العمالة.

ــ كما يتأثر وقع تحرير التجارة على التشغيل بأوجه الجمود في الأجور والعمالة.  وكذلك يتأثر بحجم كل من قطاعي التشغيل الرسمي وغير الرسمي. كما يتأثر بوجود قوانين الحد الأدنى للأجور وتطورها. وإذا ما تزامن وجود سياسات الحد للأجور مع تدني حرية انتقال العمالة، سوف تكون مواءمة الأجور والتشغيل مع التحرير التجاري والاقتصادي محدودة.

لذا يجب التساؤل عما إذا كان الفقراء في المغرب يعتمدون بشدة على الأجور كمصدر للدخل؟ ويمكن أن تساعدنا مسوح الأسر المعيشية للأعوام 1998 و2006-2007 في مناقشة ارتفاع مستوى عدم تجانس مصادر دخل الفقراء والفئات الضعيفة، اعتمادا على محل الإقامة وفرص التشغيل المعروضة فضلا عن مستوى التعليم. وإذا ما كان الفقراء يعتمدون بشدة على أجور التشغيل. فإن أي تأثير لتحرير التجارة على فرص التشغيل سوف يؤثر بشكل كبير على مستويات الفقر. ويحدد تحليل مسح الأسر المعيشية مصادر الدخل أو الإيرادات لثلاث مجموعات من السكان وهم الفقراء، والفئات الضعيفة غير الفقيرة، والفئات غير الضعيفة. وتشير بيانات مسح الأسر المعيشية لعام 1998 أن الفقراء في الحضر يعتمدون بشكل أكبر عل الدخل من العمل الحر أو العمل مدفوع الأجر في القطاع الأولي أو الثانوي. ويتم الحصول على أكثر من 40% من إيرادات هذا القطاع من السكان من الأجور الناتجة عن التشغيل في القطاع الثانوي وقطاع الأنشطة المرتبة الثالثة، وأكثر من 20% من العمل الحر. وتمثل التحويلات 8.5% من مجموع الدخل الذي تحققه المجموعات السكانية المحرومة (الفقيرة أو الضعيفة). وتعد مصادر دخل غير الفقراء في الحضر أكثر تنوعا.

ويعطي مسح 2006-2007 نتائج مماثلة لتلك التي يقدمها مسح 1998. وبالنسبة للفقراء والمجموعات السكانية الضعيفة في الحضر، لا تزال الأجور تمثل نسبة كبيرة من مجموع الدخل. ويبدو أنها زادت عما كانت عليه. وبالنسبة للمناطق الريفية، تظل الأنشطة تمثل مصدرا مهما للدخل.

وبكل تأكيد تمثل الإيرادت من الأجور أهمية أكثر في المناطق الحضرية عنها في المناطق الريفية رغم أن ذلك آخذ حاليا في التغيير، إذ تمثل الأجور ما يزيد على 50% من دخل الفقراء في الحضر، وأكثر من 45% من دخل الفقراء في الريف. وتعني أهمية الرواتب، كأحد عناصر دخل الأسر المعيشية الفقيرة والضعيفة. أن إعادة هيكلة الاقتصاد نتيجة لتزايد الانفتاح من المحتمل أن تؤثر على هذه الشرائح السكانية. كما أن التغير في الأسعار المحلية الناتج عن تحرير التجارة سوف يؤثر على الأجور ومن ثم على الأسر([38]).

الفقرة الثالثة: تعميق عجز الميزان التجاري

إذا كان انفتاح الاقتصاد المغربي قد مكن من تحقيق تقدم ملموس في ما يتعلق بتعزيز المبادلات واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحديث النسيج الوطني المنتج، غير أنه وضع قدرة المغرب أمام امتحان صعب بخصوص بلوغ مستوى ملائم لمواجهة المنافسة العالمية، واستمرار الضغوط القوية التي تمارس على الميزان التجاري، من خلال اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب، خصوصا اتفاقية التبادل الحر الأورو- مغربية والتي ساهمت بشكل كبير في تفاقم عجز الميزان التجاري، إذ نتج عنها عجزا تجاريا تدريجيا([39]).

هذا الخلل الذي يميز الميزان التجاري ناجم عن زيادة الواردات بوتيرة مرتفعة، في الوقت الذي لم تنمو فيه الصادرات ب بطريقة تساعد على محاصرة العجز الذي ما فتئ يتفاقم.

وإذا كان ارتفاع الواردات يرد إلى جموح حجم المحروقات والمنتوجات الغذائية بفعل تزايد واردات الحبوب، فإن الصعوبات التي تصادفها الصادرات المغربية في ولوج الأسواق الدولية، يرد بالأساس إلى ضعف تنافسية المنتوجات المغربية، وهو ما يفسر بصغر حجم الوحدات الإنتاجية المغربية التي لا توفر إنتاجا لها بتوسيع هامش تنافسيتها، ناهيك عن بروز فاعلون جدد ينافسون المغرب في الأسواق التقليدية، وهذا ما يتجلى بوضوح على مستوى صادرات قطاع النسيج الذي أعلن دخوله في أزمة يتوقع أن تستمر إلى مدة طويلة([40]).

إن الشراكة الأوروـ مغربية لا يمكن أن تصل إلى النتائج الأساسية المسطرة والمبرمجة من خلال اتفاقية برشلونة، والتي هي أساسا التوصل إلى فضاء أورومتوسطي يسوده الأمن والتقدم المشترك، بدون العمل بشكل متوازي في اتجاه أبعاد ثلاثة:

ــ البعد الاقتصادي والمالي،

ــ البعد السياسي والأمني،

ــ البعد الاجتماعي.

وكل اختلال في ذلك سيؤدي لا محال إلى نتائج عكسية، إن على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي.

 

 

 

خاتمة:

في نهاية هذا البحث، فإنه يمكن القول إجمالا أن التوجه والإصلاح الاقتصادي الليبرالي في المغرب قد أدى في مجمل الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي مر بها المغرب إلى العديد من النتائج الإيجابية والسلبية التي يمكن تركيزها في نجاح المغرب في السيطرة إلى حد ما على التضخم والديون الخارجية واضطراب سعر وسوق الصرف الذي أصبح يتمتع بدرجة جيدة من الاستقرار في الوقت الراهن. كما تحسنت تنافسية الاقتصاد وصادراته التي زادت بشكل فعال.

وبالمقابل فإن المغرب في ظل سياسات الإصلاح الاقتصادي الليبرالي فشل في تحقيق معدل نمو قوي ومتواصل ومستقر وما زال نموه متذبذبا. ورغم تحسن الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط نصيب الفرد منه بسبب السيطرة على النمو السكاني وليس بسبب ارتفاع معدلات النمو، إلا أن توزيع الدخل تردى من سيئ إلى أسوأ ليزداد الأثرياء ثراء وتتراجع حصة الفقراء والطبقة الوسطى من الدخل في ظل سياسات الأجور والضرائب والدعم. كما استمر العجز التجاري التاريخي في التفاقم بلا انقطاع. كما استمر معدل البطالة عند مستويات مرتفعة حتى في ظل ما تشير إليه البيانات الرسمية من تخفيض هذا المعدل.

 وكل هذا يعني أن التوجه والإصلاح الاقتصادي الليبرالي قد حقق تحسننا معتدلا في العديد من المؤشرات الاقتصادية وفشل في تحسين البعض الآخر، لكنه أدى إل تدهور المؤشرات الاقتصادية – الاجتماعية عموما وعلى رأسها توزيع الدخل الذي ساء بدرجة كبيرة.


لائحة المراجع

أولا المراجع باللغة العربية

أـ الكتب:

- أحمد السيد النجار: الإصلاح الاقتصادي الليبرالي : مخرج أم مأزق، دراسة مقارنة لتجارب مصر والمغرب وتركيا والهند وتشيكا، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، مصر، ط.1، 2001.

ـ أنطوان حمصي: قاموس الفكر السياسي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق، سوريا، د.ط، 1994، ج : 2.

- عبد اللطيف الجواهري: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المغربـــــــي في 2011، الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية، 2012، المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، فاس، 2012.

- علي الكنز، حكيم بنحمودة، عبد الغاني أبو هاني، عبد الناصر جابي: المجتمع والدولة في الوطن العربــــــي في ظل السياسات الرأسماليــة الجديــــدة –المغرب العربــي، مركز البحوث العربية، القاهـــرة، مصر، ط.1، 1997.

- مولاي أحمد العمراني: اقتصاد المغرب من خلال برنامج التقويم الهيكلي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط.1، 1994.

ـ محمد حنين: المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية، دار القلم للطباعة والنشر، الرباط، ط.1، 2007.

- محمود الخفيف، سحر تقديسي، معتصم الأقرع: السياسات الاقتصادية والتجارية في البلدان العربية : التكامل والتشغيل والحد من الفقر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، دار الفارس للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، المطبعة الوطنية، عمان، الأردن، ط.1، 2012.

- مصطفى الكثيري، وحسن صبار: مقاربة تقييمية لحصيلة تجربة الخوصصة في المغرب، ضمن مؤلف : الإصلاحات الاقتصادية وسياسات الخوصصة في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط.1، 1999.

ب - الرسائل والاطاريح:

- المصطفى معمر: السياسة المالية ونظام التمويل العمومي في ظرفية التقويم الهيكلي (1983-1993): محاولة في التحليل، أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عين الشق، الدار البيضاء،  السنة الجامعية: 1998-1999.

- بدر بن الحوزي: الدور الاجتماعي للدولة ومنعطف النيوليبرالية: أثر الخيارات النيوليبرالية على السياسات الاجتماعية في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدستوري وعلم السياسية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2007-2008.

- بشرى بلوتي: الأمن الاقتصادي العربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدولي والعلاقات الدولية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية : 2000/2001.

- محمد الأمين السطي: الحق في التنمية في المغرب من مظور دولي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، السنة الجامعية: 2012/2013.

- ناصر مزين: الاختيار الليبرالي وإشكالية سياسة التنمية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدستوري وعلم السياسية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2006-2007.

- سوهير منصوري: تأثير العولمة الاقتصادية على المغرب، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، السنة الجامعية : 2012/2013.

- سمير بالحاج: الآثار المالية والاقتصادية لاتفاقيات التبادل الحر بالمغرب (المغرب والاتحاد الأوروبي نموذجا)، رسالــــــة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، وحدة التكويـن والبحث : الدراسات الإداريــة والمالية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصاديـــة والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية : 2015/2016.

- رشيد غازي: السياسات الاقتصادية بالمغرب : دراسة حول سيرورة القرار العام الاقتصادي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2011/2012.

- خالد القضاوي: منطقة التبادل الحر الأورومغربية وانعكاساتها البيئية والاجتماعية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية : 2002/2003.

ج – المجلات:

ـ المولدي قسومي: السياسة الاقتصادية في تونس منذ برنامج الإصلاح الهيكلي، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد 34، العدد الأول، 2006.

- أمين رشيد: تطورات الغات : أسبابها وأثرها على الأقطار العربية، مجلة شؤون عربية، العدد 86، يونيو 1996.

ـ محمد سعيد السعيي : تدخل الدولة في الاقتصاد، التجربة المغربية، مجلة الاقتصاد والمجتمع، العدد الأول، أبريل ـ يونيو 1986.

- مصطفى الكثيري: أسباب التقويم الهيكلي، المغربية للاقتصاد، العدد الأول، 1992.

ـ رمزي زكي: الليبرالية الجديدة تقول وداعا للطبقة الوسطى، عالم المعرفة، المجلد الخامس والعشرون، العدد 2، أكتوبر 1996.

د- السلسلات:

- مراد دياني: اتساق الحرية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية في نظرية العدالة، سلسلة دراسات عمران، العدد 5، ماي 2013، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر.

هـ - المواقع الالكترونية:

- المندوبية السامية للتخطيط: مسح الأسر المعيشية 2006-2007

من الموقع الإلكتروني للمندوبية : www.hcp.ma.

تاريخ زيارة الموقع : 17/02/2018.

ثانيا: المراجع باللغة الفرنسية

a- Les ouvrages:                                                             أ ـ الكتب  

- Hakim EL Ghissassi : Regard sur Le Maroc de Mohammed VI, Edition Michel Lafon, Paris, France, Tome I, 2006.

- Maurice Flamant : Histoire du libéralisme. Que sais-je ?. PUF, Paris, France, Tome I, 1988.

 - Richard Bergeron : L’anti-développement, le prix du libéralisme, Editions L’Harmattan, Paris,  France, Tome I, 1992.

 

b-Thèses:                                                           ب ـ الرسائل والأطروحات

-. Kamal Abdelillah : le Choix libéral au Maroc et ses implications financières et commerciales, thèse de doctorat d’Etat en Sciences économiques, université Mohamed V , Faculté des Sciences juridiques, économiques et sociales, Rabat, année universitaire: 1991-1992

- Saida EL ABOUDI : Soutenabilité de la dette publique au Maroc, mémoire pour l’obtention du master en sciences économiques, université sidi Mohammed ben Abdellah, faculté des sciences juridiques économiques et sociales Fès, année universitaire : 2007-2008.

- Samir KRIMO : Quel action pour quelle mondialisation ?, mémoire soutenu pour l’obtention du diplôme d’étude supérieures approfondies en macroéconomique financière,option : monnaie, finance et conjoncture, université sidi Mohammed ben Abdellah, faculté des sciences juridiques économiques et sociales Fès, année universitaire : 2005-2006.

C-Magazines                                                                      ج ـ المجلات

-Driss Guerraoui : Le secteur public à l’heure de la restructuration, Lamalif, n° 186, mars 1987, p : 54.       

- Habib El Malki : Les fondements théoriques des stratégies économiques au Maroc, LAMALIF, n°70, Avril - Mai, 1975

- Morrison Christian, Jeannert : Ajustement et dépenses sociales au Maroc, in Revue Tiers Monde, Année 1991, Volume 32, n°126.

                           الهوامش                             


[1]-أحمد السيد النجار: الإصلاح الاقتصادي الليبرالي : مخرج أم مأزق، دراسة مقارنة لتجارب مصر والمغرب وتركيا والهند وتشيكا، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، مصر، ط.1، 2001، ص : .318.

[2]- سوهير منصوري: تأثير العولمة الاقتصادية على المغرب، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس، السنة الجامعية : 2012/2013، ص: 1.

[3]- المصطفى معمر: السياسة المالية ونظام التمويل العمومي في ظرفية التقويم الهيكلي (1983-1993): محاولة في التحليل، أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عين الشق، الدار البيضاء،  السنة الجامعية: 1998-1999..

[4]- محمد الأمين السطي: الحق في التنمية في المغرب من مظور دولي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، السنة الجامعية: 2012/2013، ص: 258.

[5]- محمود الخفيف، سحر تقديسي، معتصم الأقرع: السياسات الاقتصادية والتجارية في البلدان العربية : التكامل والتشغيل والحد من الفقر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، دار الفارس للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، المطبعة الوطنية، عمان، الأردن، ط.1، 2012، ص : 169.

[6] - Kamal Abdelillah : le Choix libéral au Maroc et ses implications financières et commerciales, thèse de doctorat d’Etat en Sciences économiques, université Mohamed V , Faculté des Sciences juridiques, économiques et sociales, Rabat, année universitaire: 1991-1992, p : 7.

[7]- حيث تعبر الليبرالية عن ذلك المذهب الذي يضع الفرد في مكانة أعلى من الجماعة، ويعطي الأولوية للمصالح الشخصية على المصالح الاجتماعية، الأمر الذي يتجلى في إيمانه المطلق بالحريات الفردية، حرية العمل، وحرية التملك، وحرية التعاقد، وحرية التجارة، وحرية الاعتقاد والتفكير، وحرية التعبير وهي الحريات التي لو توافرت لأمكن للفرد أن يعظم منفعته الشخصية. ولهذا كثيرا ما يستخدم مصطلح المذهب الفردي Individualisme كبديل لمصطلح الليبرالية.

    ويعتقد أنصار المذهب الليبرالي، أن مصلحة المجتمع ما هي إلا مجرد تجميع حسابي للمصالح الفردية، ومن هنا فإذا استطاع كل فرد أن يحقق مصالحة الشخصية، فإن مصلحة المجتمع تكون قد تحققت أيضا وكان الفرد حينما يسعى إلى تحقيق مصلحته الذاتية، فإنه يحقق دون أن يدري مصلحة الجماعة، فقد وقفت الليبرالية منذ فجر ظهورها ــ بشكل عام ــ ضد تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وطالبت بأن تكون الحكومة مجرد حارس للحريات الفردية لردع أي اعتداء عليها.

ـ رمزي زكي: الليبرالية الجديدة تقول وداعا للطبقة الوسطى، عالم المعرفة، المجلد الخامس والعشرون، العدد 2، أكتوبر 1996، ص : 32.

[8]- بمعنى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، أو أن يكون تدخلا محدودا وعلى أضيق نطاق، فواجبات الدولة محدودة، يجب أن لا تتجاوزها.

     هذا بالنسبة لموقف الليبرالية الكلاسيكية من دور الدولة، لكن الليبرالية تعرضت لتغيرات هامة منتصف القرن التاسع عشر، تحت ضغط الواقع ومرارة التجارب، وبسبب بروز الحركة الاشتراكية، وضغط الحركات العالمية، والثورات التي شهدتها أوروبا 1830 و1848، فظهرت الليبرالية الجديدة، أو ليبرالية الرفاه أو المساواة التي سمحت بتدخل أكبر في الحياة الاقتصادية.

ـ أنطوان حمصي: قاموس الفكر السياسي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق، سوريا، د.ط، 1994، ج :  ص : 178.

[9] - Richard Bergeron : L’anti-développement, le prix du libéralisme, Editions L’Harmattan, Paris,  France, Tome I, 1992, p : 26.

[10]- ناصر مزين: الاختيار الليبرالي وإشكالية سياسة التنمية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدستوري وعلم السياسية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2006-2007، ص : 1.

[11] - Kamal Abdelillah,, op cit, P : 52

[12] - Habib El Malki : Les fondements théoriques des stratégies économiques au Maroc, LAMALIF, n°70, Avril - Mai, 1975, p : 18-19.

[13]ـ في حين تركزت مهام البنك الدولي عند نشأته على العمل على المساعدة في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ثم بعد ذلك تعددت وظائفه وأدواره.

- Samir KRIMO : Quel action pour quelle mondialisation ?, mémoire soutenu pour l’obtention du diplôme d’étude supérieures approfondies en macroéconomique financière,option : monnaie, finance et conjoncture, université sidi Mohammed ben Abdellah, faculté des sciences juridiques économiques et sociales Fès, année universitaire : 2005-2006 , p : 37.                                                             

[14] - Morrison Christian, Jeannert : Ajustement et dépenses sociales au Maroc, in Revue Tiers Monde, Année 1991, Volume 32, n°126, p : 255.

[15]ـ  مثلا بلغت قيمة العجز سنة 1978، 6 مليار درهم وانتقلت إلى 7.22 مليار درهم خلال السنة الموالية و12.83 مليار درهم سنة 1981، و10.47 مليار درهم سنة 1982، و7.18 مليار درهم سنة 1984

للاستفاضة أكثر في الموضوع  يمكن أن يراجع :

- Saida EL ABOUDI : Soutenabilité de la dette publique au Maroc, mémoire pour l’obtention du master en sciences économiques, université sidi Mohammed ben Abdellah, faculté des sciences juridiques économiques et sociales Fès, année universitaire : 2007-2008, p : 2.

[16]- مراد دياني: اتساق الحرية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية في نظرية العدالة، سلسلة دراسات (عمران، العدد 5، ماي 2013، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر، ص : 7.

[17]- وهو ما ينطبق كذلك على كل الدول التي طبقت ذات الرنامج من قبيل تونس، إذ أن اعتماد هذه الأخيرة على الإصلاح الهيكلي من أجل تحقيق التوازن المالي لم يتجنب التكلفة الاجتماعية، لأن الإصلاحات لم تشمل الفئات الاجتماعية الأقل حظا إلا بشكل جانبي. فالدفع الاقتصادي لم يكن كافيا ــ حتى وإن كان ضروريا ــ لمساعدة الطبقات الشعبية خلال مراحل الإصلاح الهيكلي، لأن تكلفة المرور من سياسة اقتصادية إلى أخرى لا يمكن تجنبها.

     حيث تم فرض رسوم على جملة من الخدمات العمومية التي كانت تقدمها سابقا مجانا بالنسبة إلى الفئات غير المحظوظة (الصحة والتعليم...).

     كما تمت الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية.

     كما تم أيضا التوجه نحو الخوصصة ــ بشكل جزئي على الأقل ــ لعدد من الأنشطة الاستراتيجية بالنسبة إلى الطبقات الشعبية مثل قطاع النقل.

     كما تم أيضا رفع التعويض على المواد الاستهلاكية مما أدى إلى حوادث يناير 1984، وهذا ما جعل الطبقات الشعبية خلال الثمانينيات تتحمل أعباء التعديل وتكلفته في مسار المراكمة، ومن ثم عبرت عن عدم رضاها في بداية سنة 1984.

ـ المولدي قسومي: السياسة الاقتصادية في تونس منذ برنامج الإصلاح الهيكلي، مجلة العلوم الاجتماعية، المجلد 34، العدد الأول، 2006، ص: 17 وما بعدها.

[18]- رشيد غازي: السياسات الاقتصادية بالمغرب : دراسة حول سيرورة القرار العام الاقتصادي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2011/2012، ص : 290.

[19]- للاستفاضة أكثر في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى مؤلف:

- محمود الخفيف، وآخرون، مرجع سابق، ص : 172.

[20]- مولاي أحمد العمراني: اقتصاد المغرب من خلال برنامج التقويم الهيكلي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط.1، 1994، ص : 26.

[21]- مصطفى الكثيري: أسباب التقويم الهيكلي، المغربية للاقتصاد، العدد الأول، 1992، ص : 16.

[22]- وإذا كان اختيار الخوصصة، قد تطور في اتجاه توافق القوى السياسية والاقتصادية الرئيسية على عناصره الأساسية، فإنه في البداية عرف نقاشا حادا ولقي معارضة قوية، حيث إن العديد من القوى السياسية والمجتمعية كانت ترى في هذا التوجه آلية من شأنها أن تضعف الاقتصاد الوطني وتجعله رهينة للقطاع الخاص، وأن الأسر المغربية ستكون المتضرر الأساسي من هذه السياسة الاقتصادية.

- Driss Guerraoui : Le secteur public à l’heure de la restructuration, Lamalif, n° 186, mars 1987, p : 54.                 

     حيث كان للمخاوف الاجتماعية حضور قي الطموحات المعارضة، إذ لم يتوان أنصار هذا الاتجاه إلى التأكيد على أن تفويت المؤسسات العمومية سيترتب عنه تقليص الخدمات المقدمة من طرف الدولة، وما يعنيه ذلك من تقليص القدرة الشرائية للمواطنين، وازدياد معدلات البطالة نتيجة تسريح العديد من المأجورين.

ـ محمد سعيد السعيي : تدخل الدولة في الاقتصاد، التجربة المغربية، مجلة الاقتصاد والمجتمع، العدد الأول، أبريل ـ يونيو 1986، ص : 80 وما بعدها.

     كما اعتبرت أن اختيار الخوصصة لم يكن في سياق تصور واضح المعالم والأهداف محدد الوسائل والأدوات بقدر ما أملته على السلطات المالية ظروف الضائقة المالية التي اكتست حجما كبيرا نسبيا مع تنامي المديونية الخارجية وتفاقم مستوى العجز الموازني وعجز الخزينة، ومن ثم محدودية وسائل التمويل الذاتي للدولة.

     ومن ثم فإن هذا الاختيار الاضطراري لتوجه الخوصصة قد أدى ترجيح الهاجس المالي على الاهتمامات الاقتصادية والاجتماعية وعلى مكانة وأدوار القطاع العام في البناء الوطني والتنمية الشاملة بكل أبعادها.

- مصطفى الكثيري، وحسن صبار: مقاربة تقييمية لحصيلة تجربة الخوصصة في المغرب، ضمن مؤلف : الإصلاحات الاقتصادية وسياسات الخوصصة في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط.1، 1999، ص : 24.

    

[23]- وهو نظام تعسفي تقوم بموجبه السلطات النقدية بتحديد حجم الائتمان الذي يمكن للبنوك تخصيصه خلال فترة ما.

[24]- للاستفاضة أكثر في هذه النقطة يمكن أن الرجوع إلى :

- محمود الخفيف، وآخرون، مرجع سابق، ص : 172-175

[25]- ينطوي انضمام المغرب والدول العربية بصفة عامة إلى اتفاقات الغات على بعض المزايا والمخاطر بالنسبة لاقتصاديات هذه الدول.

     والآثار الإيجابية أو السلبية على الاقتصاديات العربية، تختلف بينها تبعا للنظام والهيكل الاقتصادي لكل دولة، بالإضافة إلى مدى تكيفها مع الأوضاع والظروف الاقتصادية الوطنية والدولية المستقبلية.

- بشرى بلوتي: الأمن الاقتصادي العربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدولي والعلاقات الدولية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية : 2000/2001، ص: 69.

     ومن بين أهم الآثار المشتركة ارتفاع الأسعار، باعتبار أن اتفاقية الغات تطلب إلغاء أشكال الدعم المختلفة، بما فيها الدعم المقدم لمواد الغذاء في السوق المحلية الذي يستهدف تحقيق الاستقرار في هذا النوع من أسعار السلع، يضاف إلى ذلك أن صندوق النقد الدولي يؤكد هو الآخر على إلغاء فقرة الدعم من موازنات الدول النامية لنفس الغرض بحجة تخفيض العجز في الموازنات المذكورة.

- أمين رشيد: تطورات الغات : أسبابها وأثرها على الأقطار العربية، مجلة شؤون عربية، العدد 86، يونيو 1996، ص : 173 وما بعدها.

[26]- بدر بن الحوزي: الدور الاجتماعي للدولة ومنعطف النيوليبرالية: أثر الخيارات النيوليبرالية على السياسات الاجتماعية في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدستوري وعلم السياسية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2007-2008، ص: 112.

[27]- عبد اللطيف الجواهري: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المغربـــــــي في 2011، الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية، 2012، المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، فاس، 2012، ص : 659.

[28]- للاستفاضة أكثر في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى مؤلف: 

- - محمود الخفيف، وآخرون، مرجع سابق، ص : 177-179.

[29] - Hakim EL Ghissassi : Regard sur Le Maroc de Mohammed VI, Edition Michel Lafon, Paris, France, Tome I, 2006, p : 103-104.

[30]- علي الكنز، حكيم بنحمودة، عبد الغاني أبو هاني، عبد الناصر جابي: المجتمع والدولة في الوطن العربــــــي في ظل السياسات الرأسماليــة الجديــــدة –المغرب العربــي، مركز البحوث العربية، القاهـــرة، مصر، ط.1، 1997، ص : 18 وما بعدها.

[31]- محمود الخفيف، وآخرون، مرجع سابق، ص : 194 وما بعدها.

[32]- المندوبية السامية للتخطيط: مسح الأسر المعيشية 2006-2007

من الموقع الإلكتروني للمندوبية : www.hcp.ma.

- تاريخ زيارة الموقع : 17/02/2018.

[33]- محمود الخفيف، وآخرون، مرجع سابق، ص : 191.

[34]- وقد تم الشروع في تنفيذ مسلسل التفكيك الجمركي ابتداء من فاتح مارس 2000 وطبقا للاتفاقيات التي أجراها المغرب مع العديد من الدول خاصة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبعض الدول العربية والإفريقية.

    وهذه الاتفاقيات تفقد الرسوم الجمركية أهميتها بالنسبة لميزانية الدول وذلك بسبب عدم استقرار مداخيلها من سنة لأخرى وهذا ما يوضحه الجدول التالي:

عائدات الرسوم الجمركية بالدرهم من سنة 2001 إلى غاية سنة 2005

السنوات

عائدات الرسوم الجمركية بالدرهم

2001

13.2 مليار

2002

13.6 مليار

2003

12.7 مليار

2004

10.89 مليار

2005

11 مليار

ـ محمد حنين: المقاربة الجديدة لتدبير الميزانية، دار القلم للطباعة والنشر، الرباط، ط.1، 2007، ص : 11.

[35]- خالد القضاوي: منطقة التبادل الحر الأورومغربية وانعكاساتها البيئية والاجتماعية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية : 2002/2003، ص: 60 وما بعدها.

[36]- ونتحدث هنا عن تجربة المكسيك في منطقة التبادل الحر لأمريكا الشمالية ALENA

[37]- خالد القضاوي، مرجع سابق، ص: 69.

[38]- محمود الخفيف، وآخرون، مرجع سابق، ص : 198 وما بعدها.

[39]- سمير بالحاج: الآثار المالية والاقتصادية لاتفاقيات التبادل الحر بالمغرب (المغرب والاتحاد الأوروبي نموذجا)، رسالــــــة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، وحدة التكويـن والبحث : الدراسات الإداريــة والمالية، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصاديـــة والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية : 2015/2016، ص: 85.

[40]- اللجنة الاستشارية للجهوية: ملخص دراسة عن الجهوية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الكتاب الثالث، 2012، ص: 14.


انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة