"مؤسسات العولمة الليبرالية وتراجع الدور الاجتماعي للدولة"، بقلم ذ: 'محمد قبلي'، طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق فاس

انشرها على:

 


مقدمة:

انطلق الحديث عن العولمة الليبرالية عمليا مع انهيار سور برلين وشروع البلدان الاشتراكية سابقا في الخضوع للبرامج التقويمية لصندوق النقد الدولي. لكن هذه الفترة تزامنت أيضا مع خضوع جل بلدان العالم الثالث لبرامج التقويم الهيكلي، حيث بدأت في اعتماد هذه البرامج ما بين 1982 و1985 واستمرت رسميا إلى حدود 1993 و1995([1]).

وبطبيعة الحال فإن خضوع البلاد الاشتراكية سابقا وبلدان العالم الثالث لسياسات موحدة للتقويم الهيكلي جاء نتيجة تعرض هذه البلدان في مراحل متفاوتة لأزمة المديونية الخارجية([2]). كما أصبح من الطبيعي أن نشاهد هذا الانتشار المنقطع النظير للشركات متعددة الاستيطان عبر العالم، نتيجة لتطبيق سياسات التقويم المشار إليها. من هنا يمكننا التأكيد منذ البداية على العلاقة الوثيقة القائمة ما بين ظاهرة العولمة الليبرالية والمديونية الخارجية. فالمديونية الخارجية كانت هي السبيل الناجع للتحكم المطلق للرأسمال على الصعيد العالمي، ويعتبر هذا التحكم المطلق هو التعبير الاقتصادي والسياسي عن مرحلة العولمة الليبرالية([3]).

وعلى غرار باقي بلدان العالم الثالث، سقط المغرب في كماشة الديون الخارجية والذي بلغ مع بداية الثمانينات وضعية تنذر بالخطر والتشاؤم([4])، حيث وصل سنة 1983 إلى 124% من الناتج الداخلي الخام([5]). فجرى إخضاعه لوصفات المؤسسات المالية القاضية بمواصلة خدمة الدين، وبخفض النفقات الاجتماعية و تكييف الاقتصاد تكييفا ليبراليا.

حيت شكلت ولا زالت تشكل مشكلة المديونية أحد أهم الآليات التي يتم من خلالها تطبيق توصيات المؤسسات المالية([6]) التي تروم الانسحاب التدريجي للدولة الرعاية عن دورها الاجتماعي في سبيل الاستمرار من الاستفادة من دعمها.

من هذا المنطلق نتساءل عن طبيعة دور هذه المؤسسات في هذا المجال، وعن طبيعة الآليات التي تمكنها من لعب هذا الدور وهذا التأثير؟

للإجابة عن هذه الإشكالية، سأحاول توظيف كل من المنهج التحليلي، والمنهج التاريخي، والتي من شأنها المساعدة على مقاربة الموضوع والإحاطة بمختلف جوانبه.

إن معالجة الإشكالية ، يقتضي منا التعرض أولا لتجليات دور مؤسسات العولمة الليبرالية في تراجع الدور الاجتماعي للدولة (المحور الأول) ، وكذا التعرض لأهم الآليات التي تمكن هذه المؤسسات من لعب هذا الدور وهذا التأثير (المحور الثاني).

 

المحور الأول: دور مؤسسات العولمة الليبرالية في تراجع الدور الاجتماعي للدولة

يعتبر الليبراليون أن سبب الأزمة الاقتصادية هو التدخل الكبير للدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية خاصة عن طريق المشاركة بقطاع عام واسع، وزيادة الإنفاق العام وتمويل مشاريع الضمانات الصحية. وعلى أساس ذلك يطالبوا بتراجع الدولة عن ذلك وترك قوانين السوق الاقتصادية التنافسية المعتمدة على العرض والطلب تعمل بصورة طليقة أو شبه طليقة([7]). وقد نجح التيار االنيوليبرالي في تجاوز الحقل الاقتصادي إلى بلورة رؤية ليس فقط للمجتمع والدولة على المستوى القطري، بل رؤية للعالم بكل تنوعه وتعقيداته، حيث تم تبني المقاربة النيوليبرالية من قبل المنظمات الاقتصادية الدولية من قبيل "صندوق النقد الدولي" الذي عمل وفق هذه الرؤية إلى إعادة رسم اقتصاديات الدول الفقيرة بالضغط على حكوماتها لتبني الاختيارات النيوليبرالية([8]).

إذ في العقود الأخيرة حينما يذكر مصطلح المالية العامة ــ خصوصا في دول العام الثالث ــ يتبادر إلى الذهن إسم صندوق النقد الدولي، للارتباط الوثيق بينهما ــ حيث ارتبطت المالية العامة للبلدان المتخلفة ــ ذات الأوضاع الحرجة ــ بالتدخلات الواسعة التي يمارسها الصندوق في الشؤون الداخلية لتلك البلاد. بيد أنه حينما أنشئ صندوق النقد الدولي طبقا لاتفاقية بروتون زودز عام 1945، لم يكن أحد يتوقع آنذاك أن يكون له مثل هذه القوة المؤثرة التي تمكنه الآن من التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وبالذات الدول المتخلفة، وإملاء ما يراه من توجيهات اقتصادية واجتماعية عليها بشكل سافر. بل لم يكن يتخيل ــ في ضوء الأهداف المعلنة للصندوق وبحسب ميثاقه ــ أن يتطور دوره في السبعينات والثمانينات إلى الحد الذي جعله يتحكم في أنظمة حكم بكاملها في عدد لا بأس به من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بحيث أصبح تشكيل الحكومات وتحديد سياستها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يتأثر بتوجيهات صندوق النقد الدولي وبمدى رضائه. من هنا ترى الكاتبة "شريل بابر" أن صندوق النقد الدولي قد غدا "أقوى حكومة فوق قومية في عالم اليوم"، وأن قدرته على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد التي يتعامل معها تمنحه سلطة ما كان لأنصار الأمم المتحدة أن يحلموا بها([9]).

لذلك يقف المعترضون ضد العولمة الليبرالية لأنها أولا تعبير عن طموح الرأسمال إلى الحرية المطلقة، ضدا عن أية اعتبارات، فكل المؤسسات المالية الدولية لها هدف واحد وهو : رفع الحواجز التي تعيق حرية تنقل الرأسمال، استثماره أينما شاء، سحبه وقتما شاء، وكل ما من شأنه إعاقة حرية الرأسمال يوضع خارج القانون وينعت بغير الفعال والمعيق للاقتصاد.

ثانيا، لأنها تناهض أي تطور متناغم، فالنجاحات العابرة والمحلية التي كانت تقدمها المؤسسات الدولية لا تجيب عن التسلسل الطويل للأزمات التي ضربت منذ 10 سنوات البلدان التي كانت تعتبر كأنبه التلاميذ: من المكسيك إلى الأرجنتين مرورا بكوريا، روسيا وأخريات، وخلف هاته الأزمات نشهد اتساعا مهولا للفوارق الطبقية. إنها النتيجة المباشرة للعولمة الرأسمالية التي تقحم شغيلة العالم في تنافسية مباشرة. فالذين يستطيعون الاندماج في القطاعات المعولمة لا يمكنهم ضمان استمرار ذلك إلا بقبولهم للحد الأدنى لمستوى الأجور، وهذا ما يسميه الرأسماليون "امتيازا" أما الباقون، فمصيرهم التهميش لعدم تمكنهم من الرقي للمستوى الذي تفرضه المنافسة العظمى Hyper Concurrence وبالتالي يفقدون عملهم ودخلهم والإمكانيات الضامنة للحاجيات الأولية.

ثالثا، لأنها بمثابة رافعة عظمى للتراجع عن الحقوق الاجتماعية، بما في ذلك في البلدان المتقدمة. فحجج من قبيل التنافسية والمساومة بهجرة المنشآت الصناعية أو الخدماتية Délocalisation والرضوخ لإكراهات اقتصادية جشعة، تترجم بتقهقر اجتماعي يطال كل من ظروف العمل ووضعية المأجورين والتغطية الاجتماعية وأنظمة التقاعد. تتقوى السياسات النيوليبرالية المطبقة في كل بلد على حدة بفضل ضغط التنافسية وتنسيقاتهم في إطار مؤسسات مثل الاتحاد الأوربي...

رابعا، لأنها لا اجتماعية بطبيعتها في كل أرجاء العالم، إذ أنها تعمل على تثبيت ما تصطلح عليه منظمة العمل الدولية ب "اللاأمن الاقتصادي" أي مرونة العمل، الهشاشة، البطالة، خفض العائدات الاجتماعية التي تنضاف كلها على الحيف الاجتماعي وبالتالي يتم لتحميل الشغيلة عبئ "المخاطر" التي يتباكى من هولها الرأسماليون... لأول مرة في تاريخ الرأسمالية يجد الشباب أفاقهم متقهقرة مقارنة بالأجيال السابقة. لم يعد للأفراد أي تحكم في مصيرهم وخاضعون لتقلبات التطورات الاقتصادية التي لا يتحكمون فيها.

خامسا، لأنها تنظم عملية ضخمة للنصب على الثروة التي تنتجها الشغيلة عبر العالم. حيث يصرح وبشكل علني أنه يفضل نموا هزيلا إذا كان ذلك هو شرط الحفاظ على معدلات ربح عالية. لكنه يراكم هذه الأرباح في مجال ضيق أكثر فأكثر. ويوزعها من خلال الدوائر المالية وسط شريحة من المضاربين جد ضيقة.

سادسا، لأنها تسعى لجعل كل شيء سلعة، إذ لا يكتفي الرأسمال بالمطالبة بحق التنقل بحرية في المناطق والقطاعات حيث يستطيع جني أرباح مرتفعة، بل أيظا للظفر بقاطاعات اقتصادية كانت فالتة إلى حد ما من سيطرته. فالأراضي التي يسعى إلى احتلالها ليست بجغرافية: إنها الخدمات العمومية التي يسعى إلى النفاذ إليها و"تحريرها" من منطق الحاجيات الاجتماعية. فلا يجد الرأسمال أي مبرر حتى تفلت الصحة، التعليم، الطاقة، النقل، الاتصالات، الثقافة، وحتى الأعضاء الحية من قبضته. فالرأسمال يعتبر أن هاته مجالات أخرى للتوسع وأي تقدم في هذا الاتجاه يعمق أوتوماتيكيا الفوارق الاجتماعية، وهذا المنطق سهل الاستيعاب: فإذا أصبحت الصحة سلعة يعني ذلك أن المرء يعالج حسب دخله وليس حسب حالته المرضية([10]).

وهكذا ترتبط اليوم فكرة السياسة الليبرالية التي تروج لها مؤسسات العولمة الليبرالية بتحرر الدولة من التزاماتها الاجتماعية والسعي لخصخصة كل القطاعات العامة في التعليم والصحة وإخضاعها لقانون العرض والطلب والسوق، كما ترتبط بسياسة بناء السوق العالمية الكبرى التي تفتح المنافسة على أشدها بين جميع البلدان في الميدان الاقتصادي والتي تستفيد منها بشكل أكبر الدول الأكثر قدرة على المنافسة.

ليس الهدف من وراء هذا التحليل إدانة الليبرالية كنزعة فلسفية وسياسية، وإنما إظهار ما تعنيه اليوم في بداية القرن 21، فعندما تستعمل كلمة ليبرالي في الفكر العالمي المعاصر فليس ذلك للإشارة إلى مضمونها الأول الذي يجعل منها فلسفة الدفاع عن حرية الفرد في وجه الإكراهات الجمعية والسلطوية العديدة التي كانت تعيق نمو الذاتية الإنسانية باسم الدين أو الدولة أو العلم. وإنما تستخدم بمعناها المعاصر الذي يشير إلى مذهب سياسي يرتكز على أسبقية المنطق الاقتصادي في التنظيم الاجتماعي على حساب منطق المجتمع والسياسة والثقافة معا، ويشير إلى سياسات تميل إلى التقليل من تدخل الدولة لتحقيق التوازنات الاجتماعية والتقسيم العادل للثروة، لصالح التأكيد على منطق المنافسة الحرة بين الأفراد والبقاء للأصلح، كما تميل إلى مسايرة استراتيجيات الدول الصناعية الكبرى في مسألة بناء سوق عالمية واحدة خاضعة للمنافسة الدولية وتجاهل مــا يمكن أن ينجم عن هذه السياسات من آثار سلبية على حياة ملايين البشر من أصحاب الدخول الضعيفة أو المنتمية إلى الدول النامية، إنها تستخدم لتشير إلى سياسات يمينية تساير مصالح الأقوياء والمنتفذين وأصحاب الثروة على مستوى العالم ككل([11]).

كما أصبح النظام الديمقراطي في ظل هذه السياسات مهددا على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ، فالخطر الذي يمثله اقتصاد السوق على أسس الديمقراطية أكبر بكثير من التهديد الذي مثلثه الحركات النازية والفاشية بداية القرن العشرين. فبتزايد عدد الدول المراهنة على جذب رأس المال العالمي (الدول الراغبة في جذب الاستثمار) إلى أسواقها الداخلية عبر تقديم الحوافز (معونات مالية، مساحات الأراضي الشاسعة المخصصة للبناء، يد عاملة رخيصة...) والعمل على تخفيض الضرائب على الاستثمار خصوصا الأجنبي، بالإضافة إلى مضي الحكومات قدما في مسلسل خصصت القطاعات العمومية الحيوية، غدا سلطان السوق على الحكومات المنتخبة أكثر قوة وتأثيرا. ولم تعد هذه الحكومات مستقلة في اتخاذ القرارات الكفيلة بخدمة المواطن "الناخب" مما دفع إلى وضع جدوى المشاركة السياسية ككل موضع تساؤل([12]). ويعتبر كينز من بين أهم المحللين الاقتصادييـن العالميين الذين نادو بضرورة تدخــــــل الدولــــة بغية توجيـــــــه الاقتصاد([13])

وحماية المواطنين من إنزلاقات اجتماعية قد يتسبب فيها اقتصاد السوق. حيث تتمحور المعادلة الكنزية على المناداة بإنجاز تعديل كبير في النظرية الليبرالية، حيث نادت بوجوب تدخل الدولة، بدل ترك الفعل الاقتصادي مرتهنا بفردانية "دعه يعمل دعه يمر"، مبلورة بذلك رؤية تقلل من استقلالية وحرية الفعل الاقتصادي. وهذا ما أسماه بإنقاذ الليبرالية من فوضى الحرية، وإخضاع الفعل الاقتصادي لمنطق الدولة، لا للمنطق التحرري الإطلاقي للدولة([14]).

وهناك الآن على الصعيدين العالمي والمحلي العديد من التنظيمات التي تعمل على صياغة العديد من البدائل والإصلاحات الممكن فرضها على المؤسسات المالية الدولية([15])، وقد برزت مثل هذه الاقتراحات على الخصوص في المنتدى الاجتماعي العالمي لبورتو أليغري. والتي تركز على تصور بديل للمؤسسات المالية الدولية توضع في خدمة "التنمية الحقيقية" وتسعى من وجهة نظرها إلى "استئصال الفقر"، والتوسع في الخدمات الاجتماعية، والتقليص من التفاوت الصارخة عبر إعادة ربط الاقتصاد بالسياسة وخلق شروط ديمومة التقدم الديمقراطي([16]).

وتدعو الاقتراحات المطروحة إلى إرغام المؤسسات المالية الدولية على التكيف مع مقتضيات "التنمية الشعبية" والانطلاق من أرضية محلية ملموسة من أجل إنجاز "تنمية أفضل" تتيح تحرير القدرات الشعبية على المبادرة وتحمل المسؤوليات واتخاذ القرار، ومن تم تجاوز حدود منطق الرأسمالية الذي يعامل بصفته قوة عمل ذات طابع سلعي والمواطن بصفته مستهلكا.

كما تدعوا هذه الاقتراحات إلى تطبيق نوع من الكينيزية على الصعيد العالمي، من خلال وضع نظام لإعادة توزيع الدخل لصالح شعوب العالم الثالث والطبقات العاملة عالميا. وفي هذا الإطار تم تطرح إصلاحات تخص المؤسسات المالية الدولية، كما يلي :

1- تحويل صندوق النقد الدولي إلى بنك مركزي عالمي يعمل على إصدار السيولة على الصعيد العالمي، ويحل محل قاعدة الدولار، ويضمن ثبات الصرف عن طريق نوع من التكيف في ظل النمو.

2- تحويل البنك الدولي إلى صندوق لتمويل التنمية عبر جمع فوائض موازين المدفوعات لا لإقراضها للولايات المتحدة، كما هو الشأن حاليا، للعالم الثالث من أجل دفع نموه.

3- دمقرطة منظمة التجارة الدولية من خلال تكافؤ الأصوات ومن خلال سن قوانين وقواعد مشتركة تحترم مقتضيات البيئة والحماية الاجتماعية. وتعمل على تثبيت أو رفع أسعار المواد الخام المنتجة في بلاد العالم الثالث مع تأسيس نظام ضرائبي على الصعيد العالمي يبدأ بفرض رسوم على المضاربات المالية وعلى الطاقة والموارد  غير القابلة للتجديد، الأمر الذي يمثل في حد ذاته وسيلة فعالة لحماية البيئة والمساهمة في تمويل تنمية الدول الفقيرة.

4- رفع شأن الدور السياسي للأمم المتحدة بغية تشجيع الدمقرطة السياسية والاجتماعية.

ويشمل الاقتراح وضع شروط تربط التمويـــل الدولي باحترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية المتعددة، والدعوة إلى مساندة السياسات التقدمية اجتماعيا التي تضمن رفــــع مستوى مداخيل العمل بموازاة مع تقدم الإنتاجية وتوزيع عادل للدخل الوطني...([17]).

 

المحور الثاني: مؤسسات العولمة الليبرالية وتراجع الدور الاجتماعي للدولة: آليات التأثير

يعتبر مشكل عجز ميزانية الدولة من أهم المشاكل التي تواجهها المالية العمومية للدول النامية.

وقد زاد من حدة المشكل اعتماد تلك الدول على القروض الخارجية بشكل كبير في تمويل عجز ميزانياتها، وذلك بسبب تزايد نفقاتها العامة سنة بعد أخرى، في الوقت الذي لم تستطع مواردها الداخلية مسايرة ذلك([18]).

والمغرب بدوره، عانى منذ استقلاله كسائر الدول النامية، من فجوة في الادخار الناتجة عن نقص الموارد الداخلية وعن العجز الدائم في ميزان المدفوعات، الأمر الذي دفعه للبحث عن مصادر تمويل أجنبية، فوجد في المؤسسات المالية الدولية خير معين على هذا الأمر، على هذا الأساس تجاوزت القروض المقدمة من طرف هذه الأخيرة بكثير القروض التي حصل عليها المغرب في إطار المساعدات الثنائية أو المتعددة الأطراف.

وقد مرت العلاقة بين المغرب وهذه المؤسسات منذ نشأتها وإلى اليوم بمراحل مختلفة، فقبل 1970 كان مستوى حجم هذه القروض محدودا([19]). ومع مطلع السبعينات سيعرف تحولا نوعيا، وسيزداد بشكل غير مسبوق مع مطلع الثمانينات وبداية تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي خلف آثارا اجتماعية واقتصادية سلبية، حيث تضاعف حجم الدين العمومي الخارجي 10 مرات خلال 10 سنوات (1972ـ1982). وتضاعفت خدمة هذا الدين زهاء 20 مرة خلال نفس الفترة. وبذلك أصبحت الدولة غير قادرة على سداد الديون الخارجية في آجالها المحددة، مما حدا بها إلى المطالبة بإعادة جدولتها([20])، وهو ما شكل ورقة إضافية في يد المؤسسات المالية الدولية لتعميق إجراءات التقويم الهيكلي.

وإذا كانت سياسة التقويم الهيكلي قد اعتمدت أساسا من أجل تصحيح الاختلالات العامة خدمة للدين، وهذا ما ظهرت نتائجه المباشرة في خروج المغرب من دائرة إعادة الجدولة، إلا أنه وبالنظر إلى حجم الدين خلال السنوات التي أعقبت تطبيق هذه السياسة وكذا حجم الدين خلال السنوات الموالية يظهر أن نهاية إعادة الجدولة لا يعني نهاية أزمة المديونية الخارجية بصفة خاصة([21])، والمديونية بصفة عامة. وهذا ما تؤكده مختلف التقارير التي ترصد حجم المديونية في المغرب وغيره من دول العالم.

فبحسب تقرير أصدره مركز الأمم المتحدة للإعلام واللجنة الاقتصادية لإفريقيا من خلال مكتب شمال إفريقيا، تحت عنوان "دينامية الديون وتمويل التنمية" فقد انتقلت المديونية الخارجية للمغرب من حوالي 21 مليار دولار بين سنتي 2006 و2013 إلى أكثر من 34 مليار دولار بين 2011 و2013، ما جعل المغرب يتبوأ المركز الثالث إفريقيا، بعد أن جاءت جنوب إفريقيا في الصدارة بمديونية بلغت سنة 2013 أكثر من 133 مليار دولار بعدما كانت تقدر بـ71 مليار دولار. وجاءت مصر في المرتبة الثانية بـ39 مليار دولار من المديونية الخارجية خلال الفترة نفسها([22]).

وأمام احتداد أزمة المديونية الخارجية، لجأت الدولة أكثر فأكثر إلى القروض الداخلية لتغطية عجز الميزانية المتنامي، مما أدى إلى تضخم المديونية العمومية للدولة([23]).

حيث شهد معدل الاستدانة الداخلية ارتفاعا سريعا، منتقلا من 7.5 % سنة 1965 إلى 42,2 % سنة 2000، تم إلى 56,1 من PIB سنة 2005، قبل أن تنخفض بشكل طفيف في السنوات اللاحقة). لقد بلغ 39% من PIB سنة 1997، مقابل 14% سنة 1980 و18% سنة 1983. وشكلت نفقاته 29 مليار درهم سنة 2005.

وبداية سنة 2010 استعمل المغرب 19,7 مليار درهم لأداء استحقاقات وصل أجلها، وهي عبارة عن قروض متأتية من سندات بمبلغ 32 مليار درهم مطروحة بالسوق الداخلي، مقابل 24.8 مليار درهم مطرحة بنفس السوق في الفترة ذاتها من سنة 2009. هكذا بلغ حجم الدين الداخلي قرابة 280 مليار درهم. بالتالي ارتفع حجمها خلال فصل واحد نهاية 2009 ومارس 2010 ب 13.5 مليار درهم. وتتشكل المديونية الداخلية، التي تمثل سنة 2007 أكثر من ضعف الدين العمومي الخارجي (نهاية 2007 : يمثل الدين الخارجي 20 % و الدين الداخلي 80 % من الدين العمومي)

وإذا كان البعض يعتقد أن الدين الداخلي لا يطرح مشكلا للدولة لأنه لن يهدد سيادتها الاقتصادية، إلا أنه مع ذلك يشكل من جانبه تهديدا متعدد الأوجه، ففي المقام الأول يشكل الدين الداخلي سدا منيعا أمام تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للسكان. ففي سنة 2007 مثلا خصص المغرب 43 % من ميزانيته لخدمة الدين بفعل انفجار دينه الداخلي([24]). حيث تفوق تكاليف سداد الديون (خدمة الدين) بكثير المبالغ السنوية التي يمنحها الدائنون ففي سنة 1999 على سبيل المثال، بلغت قروض المغرب الجديدة حوالي 15 مليار درهم، في حين بلغ مجموع تكاليف الدين 29 مليار درهم. ويبين هذا الفارق الكبير، الذي يستنزف الميزانية سنويا خصوصا على حساب ما يتعلق منها بالجانب الاجتماعي([25]). كما بلغت أعباء الدين 14.2 مليار درهم سنة 2008 مقابل 18.3 سنة 2009 و20.14 سنة 2007 و 22.84 سنة 2004. وبلغت مستحقات الفوائد 4.19 مليار 2006 و 4.68 سنة 2007 و 4.96 سنة 2008 و 4.5 سنة 2009 و 4.6 بداية 2010. وبلغت أعباء الدين الخارجي 12.31 مليار درهم سنة 2008 مقابل 14.05 مليار سنة 2007([26]). وبالتالي تستمر المديونية في إثقال قوي لنفقات الدولة([27])، التي تفضل أدائها على تلبية الحاجات الأكثر أولية للمواطنين.

 على هذا الأساس تتوالى التحذيرات من ارتفاع مديونية المغرب وخطورتها على مالية الدولة، آخرها ناقوس الخطر الذي دقه مركز الظرفية الاقتصادية حول بلوغ "مديونية المغرب مرحلة مقلقة"، مؤكدا أن الوضع الحالي لديون المملكة يجعل من ماليته العمومية "جد هشة وتحد من وتيرة النمو الاقتصادي بالمملكة".

وذهب المركز في انتقاده لارتفاع مديونية المملكة إلى حد اعتبارها تهدد مستقبل الأجيال القادمة من أبناء المغاربة الذين سيولدون ليجدوا أن عليهم ديونا لم يكونوا مسؤولين عنها، مسجلا لجوء الدولة المستمر إلى الاقتراض لتصحيح عجز الميزانية.

ودعا تقرير المركز الاقتصادي إلى "الحذر" من مواصلة الرفع من ديون المملكة، والتركيز على توجيه النفقات العمومية نحو أنشطة منتجة، مشيرا إلى أن نسبة المديونية العامة للدولة بلغت أكثر من 61.5 بالمائة خلال سنة 2013، و63.4 بالمائة خلال العام 2014، علما أنها لم تتعدى 45.5 بالمائة في سنة 2008. وتوقعت الوثيقة أنه في حال استمرار المنحى التصاعدي للديون العمومية، فإن الدولة "ستجد نفسها مجبرة على اعتماد سياسة التقشف التي يمكن أن تكون لها نتائج جد مكلفة"([28]).

لقد أصبحت أعباء المديونية بالغة القسوة على بعض الدول الأكثر فقرا لأنها تؤدي إلى زيادة اتساع مظاهر الفقر والمعاناة([29])، وقد تساءل أحد الرؤساء في سنوات مضت وقال : هل يجب أن نضر بأطفالنا جوعا لتسديد ديوننا؟. وكانت الإجابة على هذا السؤال بنعم، ففي سنوات مضت فقط فقد الآلاف من أطفال الدول النامية حياتهم لتسديد ديون بلادهم، وما زال العديد من الملايين يسددون الفوائد بسوء تغذية عقولهم وأبدانهم([30])

تطور الديون الخارجية للدول النامية للفترة 1980-2008([31])

 

 

السنة

80

 

82

84

86

88

90

92

94

96

98

2001

2003

2005

2008

 

المبلغ

65.5

92

143.3

173.9

325.5

634

831

958

1120

1275

1281

1770

2068

2051

 

فهذه الأرقام تبين بشكل جلي الوتيرة المتسارعة لتطور حجم الديون الخارجية للدول النامية، فمن 65.5 مليار دولار أمريكي في سنة 1980، تضاعفت تقريبا 32 مرة لتصبح 2051 مليار دولار أمريكي في سنة 2008.

 

خاتمة:

إن المؤسسات المالية الدولية قد أصبحت - وكما تقدم - أقوى حكومة فوق قومية في عالم اليوم"، وقدرتها على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان باتت واضحة من خلال مجموعة من الآليات والتي على رأسها القروض المقدمة من طرف هذه المؤسسات. وفي الواقع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل اقتصاديات دول العالم الثالث على هذه الحالة من الضعف، فالمديونية ليست إلا حلا عارضا لمواجهة مشكل بنيوي، والتنمية لا يمكن أن تتم في بلد يعرف نموا ديموغرافيا كبيرا، وعلى الخصوص في الحواضر في مقابل موارد محدودة مصدرها المواد الأولية، والتي تعرف أسعارها انخفاضا في الأسواق العالمية والصناعات التحويلية، إنها معادلة من دون حل أن تطلب من دولة أن تستورد ــ أي أن تستدين ــ وهي لا تمتلك الوسائل لتلبية حاجيات مواطنيها.

إننا منذ سنوات عدة ونحن نتحدث عن التنمية، ومع ذلك فمشكل المديونية لم يتم حله، وهذا أكبر دليل على أن التنمية الموعودة لم تحقق.

لائحة المراجع

 

أولا المراجع باللغة العربية

أـ الكتب:

- عبد السلام أديب: الأزمة الاقتصادية بالمغرب إلى أين؟، دراسة في ميكانيزمات الأزمة، منشورات النهج الديمقراطي،  ط.1، 2005.

- علي وهب: خصائص الفقر والأزمات الاقتصادية في العالم الثالث، دار الفكر اللبناني، بيروت، لبنان، ط.1، 1996.

- رضوان زهرو: نحن والعولمة أي رهانات ، مطبعة النجاح الجديـدة، الدار البيضاء، ط.1، 2003.

- شريل بابر: فخ القروض الخارجية، صندوق النقد الدولي والعالم الثالث، ترجمة بيار عقل، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط.1، 1977.

ب - الرسائل والاطاريح:

- عبد الجبار مسترحم: السياسات الاقتصادية بالمغرب : منعطف الليبرالية الجديدة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدستوري وعلم السياسة، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2003-2004.

- عمر إهنيب: دور القروض الخارجية في تمويل عجز الميزانية العامة للدولة بالمغرب (1973-1992)، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : المالية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية : 1993/1994.

- فريدة أشهبار: آليات تدبير القانون المالي ومتطلبات الحكامة المالية ومتطلبات التنمية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية : 2010/2011

ـ خالد القضاوي: منطقة التبادل الحر الأورو- مغربية وانعكاساتها البيئية والاجتماعية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية: 2002-2003.

ج – المجلات:

- أحمد الحارثي : قراءة في التقريــر الدولي حول التنمية البشريـة 1996، مجلة نوافذ، العدد الأول، يونيو 1998،

- هورست أفليد: اقتصاد يغدق فقرا، ترجمة عدنان عباس علي، عالم المعرفة، العدد 335، يناير 2007

- نورينا هيرتس: السيطرة الصامتة، ترجمة صدقي حطاب، عالم المعرفة، العدد 336، فبراير 2007

ـ فهد الفانك: أزمة المديونية الخارجية: نحو سياسات عربية بديلة"، المستقبل العربي، السنة 12، العدد133، بيروت، 1990.

د – الجرائد:

- سعد الروداني : إلغاء الديون شرط لا غنى عنه لوقف استنزاف الثروات وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، العدد 2، نوفمبر 2004.

- سعد الروداني : ديون المغرب: لا مناص من إلغائها وفك التبعية من أجل إطلاق التنمية وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، العدد 29، نوفمبر 2010.

هـ - المواقع الالكترونية:

- أيوب الريمي : مركز الظرفية : ارتفاع ديون الدولة يهدد مستقبل أبناء المغاربة

مقال منشور على الجريدة الإلكترونية هسبريس : www.hespress.ma

تاريخ زيارة الموقع : 23/05/2018.

ـ الشيخ اليوسي : تقرير أممي يرسم صورة سوداء عن المديونية الخارجية للمغرب

مقال منشور على الجريدة الإلكترونية هسبريس : www.hespress.com

تاريخ زيارة الموقع : 22/05/2018.

- عبد الله شحاته خطاب: دور الدولة والنظرية الاقتصادية : الدروس المستفادة للحالة المصرية، مداخلة ضمن أشغال المؤتمر ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻂ.

- من الموقع الإلكتروني : www.pidegypt.org

ـ تاريخ زيارة الموقع : 19/04/2018.

ثانيا: المراجع باللغة الفرنسية

a- Les ouvrages:                                                             أ ـ الكتب  

- Abdel Aziz Belal, lurii Nikolaevich Popov : La formation du sous-développement : passé, Présent, futur, manuels des sciences sociales, Editions du Progrès, Moscou, Russie, Tome I, 1987.

- Maurice Flamant : Histoire du libéralisme. Que sais-je ?. PUF, Paris, France, Tome I, 1988.

 - Mohamed Elabdaimi : Maroc: pays Emergent ? , Bilan et perspectives d’une Transition financière, Edition Beripie, Tome I, 1992.

 -Pierre Rosanvallon : La crise de L’état- Providence, Imprimerie Floch, mayenne, France, Tome I, 1987.

b-Thèses:                                                           ب ـ الرسائل والأطروحات

-Abessalam Ouhajjou: Intervention Des Institutions Financières Internationales et Réforme Internes : Le Cas Du Maroc, Thèse pour L’obtention du doctorat en droit public, Université sidi Mohammed ben Abdellah, Faculté des sciences Juridiques, Economiques et Sociales, Fès, année universitaire: 2003-2004.

 




[1]- عبد السلام أديب: الأزمة الاقتصادية بالمغرب إلى أين؟، دراسة في ميكانيزمات الأزمة، منشورات النهج الديمقراطي،  ط.1، 2005 ، ص : 19.

[2]- سياسات التقويم الهيكلي، أو ما يمكن تسميتها بـ "برامج التكيف الاقتصادي الدولية"، سياسات ارتبطت نشأتها أساساً بـ "تفجر أزمة المديونية الخارجية" التي اجتاحت البلدان النامية منذ العام 1982- بإعلان المكسيك، ومن ثم بعض دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، خصوصاً، إضافة إلى دول من آسيا بعد عجزها عن القدرة على سداد ديونها الخارجية

ـ فهد الفانك: أزمة المديونية الخارجية: نحو سياسات عربية بديلة"، المستقبل العربي، السنة 12، العدد133، بيروت، 1990، ص : 74.

[3]- عبد السلام أديب، مرجع سابق، ص : 19.

[4] - Mohamed Elabdaimi : Maroc: pays Emergent, Bilan et perspectives d’une Transition financière, Edition BEREPIE, Tome I, 1992, p : 122.

[5]- رضوان زهرو: نحن والعولمة أي رهانات ، مطبعة النجاح الجديـدة، الدار البيضاء، ط.1، 2003، ص : 119.

[6]- فيما يخص السياق التاريخي لأزمة المديونية الخارجية، ودون الرجوع إلى الدور الذي لعبته المديونية الخارجية في التمدد الاستعماري للقوى الرأسمالية في بلاد العالم الثالث منذ أواسط القرن التاسع عشر وإلى غاية أواسط القرن العشرين.

    نكتفي هنا بالإشارة إلى أن فرض الحماية الفرنسية على المغرب جاء عقب تعرضه لأزمة مالية خطيرة نتيجة تفاقم مديونيته الخارجية وإفلاس السياسة العامة في تدبير هذه الأزمة.

    الشيء الذي اضطر معه المغرب آنذاك، فيما يشبه تحويل مديونيته الخارجية إلى استثمارات أجنبية، إلى فتح حدوده على مصراعيها أمام المعمرين الأجانب الذين سيطروا آنذاك على المراسي، والمناجم والاستغلاليات الفلاحية وتم توسيع أنشطة المستثمرين الأجانب الكبار من أمثال بنك باريس والأراضي المنخفضة والكونسرتيوم المكون من الأبناك الفرنسية وشركتا شنايدر وروتشيلد ومناجم الريف والشمال الإفريقي.

   فقد سهلت هذه الهيمنة المالية ثم الاقتصادية الأجنبية عملية فرض معاهدة الحماية على المغرب، من جهة لحماية استغلاليات رؤوس الأموال الأجنبية ومن جهة أخرى لردع انتفاضة بعض المغاربة الغيورين على استقلال بلادهم. والملاحظ أن التاريخ يعيد نفسه اليوم، حيث يوجد المغرب في وضع لا يحسد عليه من جراء مديونيته الخارجية أو من جراء سيطرة الأجانب على مختلف هياكله الاقتصادية.

ـ عبد السلام أديب، مرجع سابق، ص : 20.

[7] - Maurice Flamant : Histoire du libéralisme. Que sais-je ?. PUF, Paris, France, Tome I, 1988, p : 119.

[8] - Abdel Aziz Belal, lurii Nikolaevich Popov : La formation du sous-développement : passé, Présent, futur, manuels des sciences sociales, Editions du Progrès, Moscou, Russie, Tome I, 1987, p : 127.

[9]- شريل بابر: فخ القروض الخارجية، صندوق النقد الدولي والعالم الثالث، ترجمة بيار عقل، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ط.1، 1977، ص : 5.

[10]- عبد الجبار مسترحم: السياسات الاقتصادية بالمغرب : منعطف الليبرالية الجديدة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : القانون الدستوري وعلم السياسة، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية : 2003-2004، ص : 212 وما بعدها.

[11]- نورينا هيرتس: السيطرة الصامتة، ترجمة صدقي حطاب، عالم المعرفة، العدد 336، فبراير 2007، ص : 223.

[12]- هورست أفليد: اقتصاد يغدق فقرا، ترجمة عدنان عباس علي، عالم المعرفة، العدد 335، يناير 2007، ص : 286.

[13]- ﻭﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ في توجيه الاقتصاد، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺗﻴﺎﺭﺍﺕ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ: ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺮﺍﻓﺾ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﻲ ﻭﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺆﻳﺪ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻭﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻊ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻧﺴﺠﺎﻡ ﺑﻴﻦ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻳﻜﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍﻷﺧﺮ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﺎﺭﺽ.

* التيار الرافض للتدخل الحكومي :

     ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﻟﺮﺍﻓﺾ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺌﻮﻥ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ فتمثله ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ (classical school) ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ  .(New-Classical) ﻭﺗﻤﺘﺪ ﺟﺬﻭﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺪﺭﺳﺔ (ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﻦ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﺍﻟﻔﻴﺰﻭﻗﺮﺍﻁ)، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﺳﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﻟﻦ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻮﻯ ﻋﺮﻗﻠﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ. ﻭﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺎﺕ ﻣﻨﺬ ﺃﺩﻡ ﺳﻤﻴﺚ ﻭﺣﺘﻰ ﻓﺮﻳﺪﻣﺎﻥ ﻭﻫﺎﻳﻚ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻓﺈﻥ ﻓﻜﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻳﺆﺳﺲ ﺭﻓﻀﻪ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺲ ﺃﻭ ﺑﺎﻷﺻﺢ ﺍﻟﻔﺮﻭﺽ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :

ــ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻀﻤﺎﻥ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻫﻮ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻛﻔﺎءﺓ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ.

ــ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ، ﻓﻔﻲ ﻅﻞ ﺗﺤﻘﻖ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻓﺈﻥ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﺤﺮ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻌﺎ ﺇﺫ ﻳﺘﻢ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻋﻨﺪ ﺃﻗﺼﺎﻩ ﻭﺑﺄﻗﻞ ﺗﻜﻠﻔﺔ.

ــ ﺍﻧﺴﻴﺎﺏ ﻭﺗﻮﺍﻓﺮ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺫﺍﺕ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﺿﻮﺡ.

ــ ﺍﻟﺘﻨﺎﻏﻢ ﺑﻴﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ.

     ﻭﻳﺆﺳﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻓﻜﺮﺗﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺣﻮﻝ الدور الحكومي والتي تتمثل فيما يلي :

ــ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻏﻴﺮ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﺇﺫ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻪ.

ــ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻏﻴﺮ ﻓﻌﺎﻝ ﺇﺫ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻪ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺃﻓﻀﻞ.

ــ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻳﻘﺘﺮﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺑﻨﻘﺺ ﻓﻲ ﺭﻓﺎﻫﻴﺔ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﺗﻘﻠﻴﻞ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﺤﻘﺔ.

* التيار المؤيد للتدخل الحكومي :

     ﺣﻔﻠﺖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻴﺎﺭﺍﻫﺎ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ  (mainstream) ﺑﺎﻟﻔﺤﺺ ﻟﺤﺠﺞ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ.  ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻜﻴﻨﻴﺰﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻴﻨﻴﺰﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ قد ﻋﺎﺭﺿﺖ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ- ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﺎ ﺑﻤﺒﺎﺩﺉ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ-ﻓﺈﻥ ﺃﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻓﺎﻫﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺃﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺴﻮﻗﻲ ﻗﺪ ﺳﻴﻄﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻲ ﺣﻮﻝ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ .ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺴﻮﻗﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻔﺸﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻷﻣﺜﻠﻴﺔ ﻟﺒﺎﺭﻳﺘﻮ ﻋﻨﺪ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﻭﺑﺼﻮﺭﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﻓﺈﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺴﻮﻗﻲ ﻓﻲ ﺃﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻓﺎﻫﺔ ﺗﺨﺺ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﻜﻔﺎءﺓ ﻓﻲ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ.

    ﻭﻭﻓﻘﺎ ﻷﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻓﺎﻫﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺗﺸﺘﺮﻙ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﻥ ﺗﻮﺍﻓﺮﺕ ﻷﺩﺕ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﻟﺘﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ، ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺠﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ:

ــ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ (imperfect competition) ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺎﺏ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻨﺘﺞ- ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ- ﻋﻦ ﺧﻀﻮﻉ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻟﺘﺰﺍﻳﺪ ﺍﻟﻐﻠﺔ) ﺗﻨﺎﻗﺺ ﺍﻟﺘﻜﻠﻔﺔ- (ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ) ﺍﻟﻤﺘﻀﺎﺭﺑﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺘﻀﺎﺩﺓ (

ــ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺎﺕ (Externalities) ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ.

ــ السلع العامة.

     ﻓﺘﻤﺜﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻨﺎﻗﺺ ﺍﻟﺘﻜﻠﻔﺔ ﺳﺒﺒﺎً ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻨﺎﻗﺺ ﺍﻟﻐﻠﺔ ﻓﻲ ﻅﻞ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﺴﻌﻴﺮ ﺍﻟﺤﺪﻱ) ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﺴﻌﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻘﻖ ﺍﻟﻜﻔﺎءﺓ( ﺳﻮﻑ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻟﻠﻤﻨﺘﺞ، ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﺤﻨﻰ ﺍﻟﺘﻜﻠﻔﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻣﻨﺤﻨﻰ ﺍﻟﺘﻜﻠﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺔ ﻭﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺎﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ. ﺍﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺁﺛﺎﺭ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﺳﻮﺍء ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﻏﻴﺮ الظاهرة  .(Missing markets) ﺇﺫ ﻳﻔﺸﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻜﻔﺎءﺓ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻓﻲ ﻅﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺛﺎﺭ، ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻛﺎﻟﺪﻋﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺎﻟﺮﺩﻉ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ.

     ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺷﺎﺭﺕ ﺃﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺎﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻫﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﺗﺠﺘﺬﺏ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻹﻧﺘﺎﺟﻬﺎ. ﻓﻤﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺴﻠﻊ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻜﻴﻦ ﻳﺸﺘﺮﻛﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻬﻼﻛﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻧﺼﻴﺐ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻩ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻔﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺔ  ﻟﺘﻮﻓﻴﺮﻫﺎ ﻟﻠﺸﺨﺺ ﺍﻟﺤﺪﻱ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﺻﻔﺮﺍً، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺴﻌﻴﺮ ﺍﻟﺤﺪﻱ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﺴﻠﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﻘﺎﺑﻞ.

     ﺍﻟﻤﺒﺮﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﻓﻘﺎ ﻟﻸﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻫﻮ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ. ﺇﺫ ﻳﻨﺘﻘﺪ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻋﺪﻡ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺪﺧﻞ. ﺇﺫ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺍﻹﻁﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺿﻤﻨﻴﺔ ﺃﻥ ﻟﺪﻯ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ ﻟﻸﺳﻮﺍﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ. ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﺌﺎﺕ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﺎﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻠﻖ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻻ. ﻭﻳﻤﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺴﻮﻗﻲ ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺒﺮﺭ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻣﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻﺳﺘﻬﻼﻛﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺍﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ.

* التيار الداعي إلى التكامل بين آليات التدخل الحكومي وآليات السوق :

     ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻓﺾ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺘﺪﺧﻞ ﺃﻭﺳﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺗﻴﺎﺭ ﻓﻜﺮﻱ ﻳﺮﻓﺾ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﺑﻞ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻣﺆﺛﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﺍﻟﺨﺎﻁﺊ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﺛﺎﺭﺍً ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻣﺪﻣﺮﺓ .(Stiglitz 1998) ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺩﻭﻝ ﺟﻨﻮﺏ ﺷﺮﻕ آسيا ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻛﺪﺕ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻭﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ (Partnership) ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻊ ﻋﻤﻞ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﻕ. ﻭﺗﺘﻤﺜﻞ ﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻠﻲ:

      ــ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺃﻳﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺒﻪ ﺃﻭ ﻣﻈﻬﺮﻩ ﻛﺴﺒﺐ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﻫﻲ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺘﻤﻠﺔ. ﻓﺎﻟﻘﻮﻝ ﺑﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﻧﺸﺎﻁ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﻭﻻ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﻁﻦ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺴﻮﻗﻲ ﻭﺛﺎﻧﻴﺎ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ. ﺇﺫ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺍﻟﺴﻮﻗﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻻﺣﺘﻜﺎﺭ ﺳﻮﻑ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻓﻀﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻜﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﺇﺫ ﻗﺪ ﺗﺤﻞ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻜﻔﺎءﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺴﻌﻴﺮ ﻣﺤﻞ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻜﻔﺎءﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ.

     ــ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﻁﻦ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺃﻳﺴﺮ ﻧﺴﺒﻴﺎً، ﻓﺈﻥ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻣﻬﻤﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻴﺴﻴﺮﺓ. ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺣﺪﻭﺩ ﻟﻠﻔﺼﻞ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ) ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻌﺎﻡ( وﻣﺎ ﻳﺘﺮﻙ ﻟﻠﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻧﺴﺒﻴﺔ ﻭﺩﻳﻨﺎﻣﻴﻜﻴﺔ ﻭﻓﻘﺎ ﻟﻤﻨﻄﻖ ﺃﻥ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﻘﺪﺭ ﺑﻘﺪﺭﻫﺎ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻋﺪﺓ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺆﺧﺬ ﻓﻲ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﻜﻞ ﺗﻮﺍﻓﻘﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﺎﻡ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﺎﺹ.

     ــ ﺃﻥ ﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﺗﻔﺘﺮﺽ ﺍﻟﺘﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺑﻴﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﻓﻼ ﺩﺍﻋﻲ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻟﻠﺘﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﻭﺑﻴﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ. ﺇﺫ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻠﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻵﻟﻴﺎﺕ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺣﺪﻯ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ.

- عبد الله شحاته خطاب: دور الدولة والنظرية الاقتصادية : الدروس المستفادة للحالة المصرية، مداخلة ضمن أشغال المؤتمر ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻂ.

- من الموقع الإلكتروني : www.pidegypt.org

ـ تاريخ زيارة الموقع : 19/04/2018.

[14] - Pierre Rosanvallon : La crise de L’état- Providence, Imprimerie Floch, mayenne, Paris, France, Tome I, 1987, p :49.

[15]- كما أنه وفي ظل تراكم الأزمات الاجتماعية في معظم دول العالم بسبب العولمة، أصبحت اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولقاءات الثمانية الكبار، وانعقاد المجلس الوزاري للمنظمة العالمية للتجارة، مناسبة يستغلها المهمشون المتضررون من سوء توزيع التحرير الاقتصادي العالمي للاحتجاج على السياسات التي تنهجها الدول المتقدمة بواسطة المؤسسات الاقتصادية الدولية التي أدت إلى تزايد كبير لأعداد الفقراء في العالم.

ـ خالد القضاوي: منطقة التبادل الحر الأورو- مغربية وانعكاساتها البيئية والاجتماعية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية: 2002-2003، ص: 55 وما بعدها.

[16]- كما نجد أن البنك الدولي ذاته في تقرير له عن التنمية في العالم لسنة 1997 تحت عنوان : "الدولة في عالم متغير"، يدعو إلى التفكير وإعادة التفكير في دور الدولة، كما أن التقرير الذي أعده سنة 1996 حول "التنمية البشرية"، يسير في هذا المنحى. فهو لا يدحض العولمة كمفهوم أو إيديولوجيا، ويقر ببعض مزاياها كسيرورة واقعية. إلا أنه في نفس الوقت يحذر من عواقبها الوخيمة على الأفراد والمجتمعات إذا لم تتخذ إجراءات إرادوية للحد من جشع قوى السوق، ومن الانحرافات المدمرة الناتجة عن هذه الحرب الجارية رحاها. فالقول بضرورة اتخاذ إجراءات تصحيحية ووقائية يعني الاعتراف بعدم كفاية السوق لضبط الاقتصاد وتحقيق التوازن، وبالتالي بضرورة الاحتكام إلى دور الدولة، وتعزيز تدخلها من أجل محاربة الفقر، وتحقيق نمو نوعي، وضمان حرية وكرامة الأفراد والجماعات.

ـ أحمد الحارثي : قراءة في التقريــر الدولي حول التنمية البشريـة 1996، مجلة نوافذ، العدد الأول، يونيو 1998، ص: 87.

[17]- عبد السلام أديب، مرجع سابق، ص : 112 وما بعدها.

[18]- عمر إهنيب: دور القروض الخارجية في تمويل عجز الميزانية العامة للدولة بالمغرب (1973-1992)، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، وحدة التكوين والبحث : المالية، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية : 1993/1994، ص: 2.

[19]- حيث يرجع تاريخ أول قرض للبنك الدولي للمغرب إلى سنة 1962، عندما أبرم البنك الوطني للتنمية الاقتصادية المعروف اختصارا ب (BNDE) أول خط ائتماني له، وقد بلغ القرض 15 مليون دولار.

- Abessalam  OUHAJJOU : Intervention Des Institutions Financières Internationales et Réforme Internes : Le Cas Du Maroc, Thèse pour L’obtention du doctorat en droit public, Université sidi Mohammed ben Abdellah, Faculté des sciences Juridiques, Economiques et Sociales, Fès, année universitaire: 2003-2004, p : 128.

وفي سنة 1964، التجأت الدولة في ست مناسبات لعقد اتفاقات مع صندوق النقد الدولي لتجاوز أزمتها المالية. وكانت الديون من مصدرين أساسيين: ثنائية ومتعددة الأطراف، ولم يتجاوز حجمها 14 % من PIB طوال هذه الفترة، واتجهت لتمويل للخزينة العامة لمساعدتها على تمويل الخدمات والسلع القادمة من الدول المانحة: مثل المساعدة الأمريكية لشراء المواد الغذائية الأساسية، والمساعدة الفرنسية من أجل تقليص العجز في ميزان الأداءات. كما استعملت لتمويل مشاريع خاصة: تمويل القطاع الفلاحي وبناء السدود.

- سعد الروداني : ديون المغرب: لا مناص من إلغائها وفك التبعية من أجل إطلاق التنمية وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، العدد 29، نوفمبر 2010.

[20]- فى سنة 1982 أعلنت عدد من الدول عن توقفها عن سداد الديون بسبب أزمات اقتصادية تمر بها مما ترتب عليه المزيد من الشروط المتشددة في منح القروض. وأصبح الشعار المرفوع هو شعار لا توجد وجبة مجانية. ذلك أن شروط صندوق النقد والبنك الدولي تظل شروطاً عادية لو كانت الدول مواظبة على السداد ولكن لو تعثرت لأي سبب عن السداد فهي تكون معرضة لعقوبات سياسية واقتصادية، أوقد تلجأ الدولة إلى إعادة جدولة ديونها الخارجية. وتتم إعادة جدولة الديون بالذهاب إلى نادي باريس للبدء في رحلة جديدة لإعادة جدولة الديون تختلف عن الشروط الأصلية التي بناءاً عليها تم تقديم القروض ويتم ذلك من خلال خطوتين أساسيتين هما :

- اتفاق الدول المدينة على برنامج إصلاح اقتصادى وتصحيح هيكلي مع صندوق النقد الدولي. هذا البرنامج يضم

وصفة علاجية في صورة حزم من السياسات الاقتصادية تتعهد الدولة المدينة بالالتزام بها على مراحل ، فكلما أنجزت مرحلة حصلت على تسهيل من الصندوق لاستكمال المرحلة التالية بغض النظر عن تأثير هذه البرامج على المستقبل الاقتصادي للدولة المدينة أو على مستوى معيشة مواطنيها

- الحصول على موافقة جماعية من الدول الأعضاء بنادي باريس على شروط إعادة الجدولة وهى الشروط التي ستدور حولها المفاوضات الثنائية بين المدينين وكل دولة دائنة على حده ومن هنا يبدأ التدخل الخارجي في الشئوون الاقتصادية للدول المدينة

[21]- و دائما ما تأتي المؤسسات المالية العالمية على رأس قائمة الدائنين ففي السنوات القليلة الماضية بلغت حصتها من الديون الخارجية للمملكة ما يقارب 50% مقابل 40% سنة 2003 و 31% سنة 1996، تليها ب 36% الدائنون الثنائيون الأطراف تم البنوك التجارية ب 13%.

ـ سعد الروداني : ديون المغرب : لا مناص من إلغائها وفك التبعية من أجل إطلاق التنمية وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، مرجع سابق.

[22]- كما قدر التقرير ذاته حجم المديونية في القارة الإفريقية بين سنتي 2011 و2013 بما يناهز 443 مليار دولار؛ أي ما يصل إلى 22 في المائة من مجمل الناتج الوطني الخام للقارة السمراء. كما كشف أن هذه الديون تتفاقم بنسبة 10.2 بالمائة في السنة، بينما قدر المديونية ما بين سنتي 2006 و2009 بـ303 مليارات دولار، بنسبة 24.2 في المائة من الناتج الوطني الخام. محذرا بذلك من الارتفاع الكبير الذي تعرفه المديونية الخارجية في عدد من الدول بالقارة الإفريقية.

ـ الشيخ اليوسي : تقرير أممي يرسم صورة سوداء عن المديونية الخارجية للمغرب

ـ  مقال منشور على الجريدة الإلكترونية هسبريس : www.hespress.com

ـ تاريخ زيارة الموقع : 22/05/2018.

[23]- فقد بلغت أكثر من 720 مليار درهم خلال العام الماضي، بعد أن كانت في حدود 385 مليار درهم خلال سنة 2007، مسجلة ارتفاعا نسبته 9.3 بالمائة، وباتت مديونية الدولة تمثل ثلاثة أضعاف المداخيل العادية للدولة.

أيوب الريمي : مركز الظرفية : ارتفاع ديون الدولة يهدد مستقبل أبناء المغاربة

ـ  مقال منشور على الجريدة الإلكترونية هسبريس : www.hespress.ma

ـ تاريخ زيارة الموقع : 23/05/2018.

[24]- سعد الروداني : ديون المغرب : لا مناص من إلغائها وفك التبعية من أجل إطلاق التنمية وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، مرجع سابق.

[25]-  سعد الروداني : إلغاء الديون شرط لا غنى عنه لوقف استنزاف الثروات وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، العدد 2، نوفمبر 2004.

[26]- سعد الروداني : ديون المغرب : لا مناص من إلغائها وفك التبعية من أجل إطلاق التنمية وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة- ، مرجع سابق.

[27]- وقد حاولت الدولة تخفيف أعباء المديونية العمومية عبر آلية تحويل الديون إلى استثمارات باعتبارها إحدى المكونات الرئيسية لما يسمى بالتدبير النشيط للمديونية، وعقدت عدة اتفاقيات ثنائية مع كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وتندرج هذه التقنية كذلك في إطار خضوع المغرب لتوجيهات المؤسسات المالية العالمية بفتح حدوده كاملة أمام الرساميل والسلع الأجنبية. إلا أنه لم تمثل مبالغ عملية تحويل الديون إلى استثمارات سوى نسبة جد ضعيفة من المديونية الخارجية ومن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخصصت أساسا للاستفادة من خوصصة الخدمات العمومية (توزيع الماء والكهرباء)، ولم ترافق بأي مشروع ذو طابع اجتماعي.

ـ سعد الروداني : إلغاء الديون شرط لا غنى عنه لوقف استنزاف الثروات وتلبية حاجات شعبنا، جريدة المناضل-ة-، مرجع سابق.

[28]- أيوب الريمي : مركز الظرفية : ارتفاع ديون الدولة يهدد مستقبل أبناء المغاربة

ـ  مقال منشور على الجريدة الإلكترونية هسبريس : www.hespress.ma، مرجع سابق.

[29]- هذا فضلا عن العلاقة الوثيقة ما بين المديونية الخارجية وبين ارتفاع الأسعار بالبلدان المدينة، حيث أن تزايد المديونية لفائدة هذه المؤسسات ينتج عنه ارتفاع عام للأسعار، بالإضافة إلى الاختلالات الهيكلية للسياسات النقدية التي تعتبر من أهم العوامل المفسرة لظاهرة التضخم.

- فريدة أشهبار: آليات تدبير القانون المالي ومتطلبات الحكامة المالية ومتطلبات التنمية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية : 2010/2011، ص: 96.

[30]- علي وهب: خصائص الفقر والأزمات الاقتصادية في العالم الثالث، دار الفكر اللبناني، بيروت، لبنان، ط.1، 1996، ص : 85.

[31]- المصدر : التقرير الدولي حول التنمية البشرية، PNUD، 2008، ص : 222.




انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة