" المجتمع المدني بالمغرب والفعل العمومي الترابي"، بقلم ذ. محمد أيت بود، باحث في في سلك الدكتوراه

انشرها على:

 



المجتمع المدني بالمغرب والفعل العمومي الترابي

 

Société civile et action publique marocaines

 

محمد أيت بود – Mohamed AIT BOUD


باحث في سلك الدكتوراه في القانون العام

 

جامعة اٍبن زهر بأكادير – المغرب

 

ملخص:

         لقد أصبح  " المجتمع المدني " أو " النسيج الجمعوي " في المغرب فاعلا رئيسيا في صنع وتدبير السياسات العمومية من منظور المنطق التشاركي الذي صار يحكم سياق التحول في وظائف الدولة المتأثرة بالسياق الخارجي أكثر ، كما أن ظهور المجتمع المدني كحاجة اجتماعية في المغرب من منظور تطور الدولة والمجتمع اٍتجه نحو إقرار المزيد من الديمقراطية وتوسيع هامش المشاركة المدنية في صنع القرار العمومي مع ضرورة الإقرار بأن تفعيل دور الجمعيات وانخراطها في الفعل العمومي أملتها ضرورات داخلية وخارجية، ؛ فأما الضرورات الداخلية فتتمثل في كون الدولة صارت مجبرة – بفعل التحولات التي تشهدها على المستويين الاٍقتصادي والاٍجتماعي – على نقل جزء من الأعباء التنموية  - التي تثقل كاهلها - من المركز إلى شركاء تحت دولاتيين يتواجدون في المحيط ، مع ضرورة المواكبة والإمداد بالدعم المادي و اللوجستي من أجل الاٍضطلاع بهذا الدور في إطار فلسفة الشراكة والقرب ، وأما الضرورات الخارجية فتتمثل في التحولات الاٍقتصادية التي طرأت على منظومة الاٍقتصاد العالمي نحو العولمة و الليبرالية الجديدة وهيمنة اٍقتصاد السوق وما استدعى ذلك من ضرورة رفع الدولة يدها عن القطاعات الاٍجتماعية الحارقة وبالأخص التعليم والصحة والتشغيل ، فكان لزاما على النظام الاٍقتصادي المعولم وهو الذي صار يرتكز على السوق أكثر من البحث عن الاٍستقرار من أجل ضمان تطور الرأسمال واستقرار السوق ، لهذا فاٍن إشكال التنمية المحلية والتدبير العمومي المركزي ساهم بدوره في دفع  الجمعيات في المغرب للمساهمة في الفعل العمومي الترابي ، لكن في أي أفق وفي ظل أية شروط مجتمعية وإمكانات مادية ؟

كلمات مفاتيح: المجتمع المدني – الفعل العمومي الترابي – العولمة – الليبرالية الجديدة – التنمية الترابية – الشراكة.

Synopsis:

L'émergence de la société civile en tant que besoin social au Maroc dans la perspective du développement de l'État et de la société s'est orientée vers la mise en place de plus de démocratie et l'élargissement de la marge de participation civique à la prise de décision publique avec la nécessité de reconnaître que l'activation du rôle des associations et leur implication dans l'action publique dictées par des facteurs internes et externes. – En raison des transformations dont il est témoin aux niveaux économique et social - pour transférer une partie des charges de développement-qui le pèsent - Les nécessités extérieures sont les transformations économiques qui ont eu lieu dans le système économique mondial vers la mondialisation, le néolibéralisme et la domination de l'économie de marché, qui ont nécessité que l'État lève la main des secteurs sociaux en feu, en particulier l'éducation, la santé et l'emploi, le système économique mondialisé, qui est devenu basé sur le marché plus que la recherche de stabilité afin d'assurer le développement du capital et la stabilité du marché, par conséquent, formes de développement local La mesure Publique Centrale, à son tour, a contribué à pousser les associations au Maroc à contribuer à l'acte public territorial, mais à quel horizon et dans quelles conditions sociétales et possibilités matérielles

Mots-clés: société civile-action publique territoriale-mondialisation-néolibéralisme – Développement territorial-Partenariat.

تقديم

لا شك في أن المقاربة النظرية العميقة جدا لهذا الموضوع تتطلب الذهاب في السياق الذي في إطاره اٍنبثق مفهوم المجتمع المدني كفكرة ثم تحوله إلى التأصيل النظري والممارسة العملية والميدانية كذلك،هذه المقاربة الاٍبستمولوجية للمفهوم تتطلب التأصيل التاريخي في المقام الأول قبل الاٍنتقال إلى تحليل أسباب بروزه كظاهرة اٍجتماعية وتحليل أسبابه وظروف نشأته ،  كما أن المقاربة القانونية والمؤسساتية رغم أهيمتها في السياق المغربي تحتاج إلى تدعيمها بالدراسات الميدانية والسوسيولوجية من أجل فهم أعمق لظاهرة المجتمع المدني ومعرفة كيفية اٍنبثاقه وطرق اٍشتغاله ومساهمته في الفعل العمومي الترابي في إطار دينامية الفاعلين الترابيين الآخرين؛لهذا سوف أزاوج بين المقاربة المؤسساتية و المقاربة النظرية و الجانب التطبيقي العملي أو الاٍمبريقي لأدوار المجتمع المدني في سياق التحولات السوسيو-اقتصادية التي يعرفها المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة محاولا الإجابة عن السؤال الإشكالي التالي الذي يؤطر هذه الدراسة:

ماهي رهانات ومعيقات المجتمع المدني في دينامية الفعل العمومي الترابي؟

من خلال التقسيم المنهجي التالي:

ظروف نشأة ومقومات المجتمع المدني بالمغرب (المطلب الأول) ظروف نشأة المجتمع المدني بالمغرب (الفقرة الأولى: اٍكراهات الاٍلتزام بمعايير المجتمع المدني(الفقرة الثانية) المجتمع المدني والفعل العمومي الترابي؛ رهانات ومعيقات (المطلب الثاني (رهانات المجتمع المدني بالمغرب (الفقرة الأولى) معيقات المجتمع المدني بالمغرب (الفقرة الثانية)، وسوف أختم بخاتمة تركيبية.

المطلب الأول: ظروف نشأة ومكونات المجتمع المدني بالمغرب

اٍرتبط بروز تنامي نشاط المجتمع المدني في المغرب بنهاية سنوات 1980 وبداية 1990 ومجمل التحولات السوسيو اقتصادية التي عرفتها الدولة والمجتمع خاصة في ظل الاٍنفراج السياسي الداخلي الذي عرفته تلك الفترة والتي اٍتسمت بالانفتاح السياسي و إفساح المجال للمعارضة اليسارية لتولي حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998،وكذا انخراط المغرب في مناخ وثقافة حقوق الاٍنسان الكونية، في هذا المطلب سوف أتناول ظروف نشأة المجتمع المدني بالمغرب (الفقرة الأولى) ومكونات المجتمع المدني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: ظروف نشأة ومكونات المجتمع المدني بالمغرب

أولا -تعريف المجتمع المدني:

تنص الفقرة الثالثة من الفصل 12 من دستور 2011 على ما يلي:" {تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون }، وينص الفصل الأول من ظهير 1958 المتعلق بالحريات العامة المعدل سنة 2011 على أن الجمعية: {هي اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح بينهم ...}[1] وفق التعريفين الواردين أعلاه فالمجتمع المدني هو عبارة عن جمعيات مدنية مستقلة عن الأحزاب السياسية وعن المنظمات النقابية { أو هكذا يفترض أن تكون }  تتكون من مواطنين أحرار يستطيعون العيش سوية وبشكل مشترك وفق القواعد التي صاغوها والتي صارت ملزمة لهم من أجل القيام بالأدوار التنموية والتأطيرية والاٍجتماعية والاٍقتصادية والثقافية التي يؤطرها القانون المشار إليه، ورغم أن القانون المنظم للجمعيات اٍرتبط بتأسيس الدولة الوطنية في بداية الاٍستقلال إلا أن المجتمع المدني كشريك في صنع السياسات العمومية وكفاعل في القرار العمومي لم يعرف نفس الدينامية التي يعرفها اليوم إلا في سنوات 1980 و1990 وذلك للأسباب والدوافع المشار إليها آنفا، [2] ووفق المقتضيات الدستورية المنصوص عليها في المواد 12-13-14 فالمجتمع المدني عرف دينامية جديدة أولا من خلال دسترة هذا المفهوم { المجتمع المدني } ثم من خلال الأدوار الجديدة التي أسندت إليه بموجب هذه المقتضيات الدستورية والتي تتمثل في بالمساهمة في ترسيخ وصيانة ونشر ثقافة حقوق الاٍنسان والديمقراطية ودولة القانون من خلال الترافع عليها على الواجهة الرسمية والمدنية، وكذا الاٍضطلاع بالدور التنموي والاٍقتصادي وممارسة المراقبة والمحاسبة على أعمال الدولة والمجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر.

لقد أدى الاٍنفراج السياسي الذي حدث في العالم والمغرب بشكل خاص في سنوات 1990 إلى حدوث تحول في أدوار الدولة ، بحيث عرفت سنوات 1990 وما بعدها زخما كبيرا من حيث عدد الجمعيات التي تأسست في جميع المجالات ؛ سواء التنموية أو الثقافية أو الرياضية أو البيئية أو تلك التي تعنى بالدفاع عن المرأة أو حقوق الاٍنسان أو حقوق المستهلك ...الخ ، وتوج هذا المسار بتبوأ الاتحاد الاٍشتراكي لرأس الحكومة المغربية في سنة 1998 في ظل ما يسمى ب " حكومة التناوب التوافقي " برئاسة عبد الرحمن اليوسفي ، وقد تم هذا التوافق من خلال سعي الفاعل الملكي آنذاك إلى إخراج المغرب من عنق الزجاجة التي كان قد وقع فيها بسبب ما أسماه الملك الحسن الثاني " وشك إصابة البلاد بالسكتة القلبية "  في خطابه بتاريخ 13 أكتوبر 1995 في البرلمان على خلفية التقرير الأسود للبنك الدولي حول الأوضاع الاٍقتصادية للمغرب التي كانت توشك على الاٍنهيار في ذات السنة  ، هذا الحدث جاء في قلب ديناميات اٍجتماعية واٍقتصادية وسياسية ، تمثلت في الاٍنخراط الفعلي للمغرب في اٍقتصاد السوق خاصة بعد اٍنضمام المغرب اٍلى منظمة التجارة العالمية وكذا توقيعه لاٍتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية.[3]

ثانيا: مفهوم المجتمع المدني:

ظهر مفهوم المجتمع المدني في السياق والفكر السياسي الغربي في إطار تطور النظرية السياسية وصيرورة المجتمع ومجمل التراكمات السياسية والمجتمعية والثقافية التي حصلت هناك ، هو يحمل معنيين مختلفين باختلاف السياق السياسي لكل من المجتمع الاٍشتراكي والليبرالي، [4]ففي الأول اٍرتبط هذا المفهوم بالمجتمع البورجوازي مثله مثل مفهوم الدولة عند كارل ماركس - Karl Marx وهو مرادف لمفهوم البنية التحتية  ، ذلك لأنه يمثل القاعدة المادية للدولة  على المستوى الاٍقتصادي والإنتاجي والمجتمع المدني بهذا المعنى هو المجتمع البورجوازي ، وهو مرادف كذلك لمقاومة الدولة الفاشية خاصة عند أنطونيو غرامشي - Antonio Gramsci، وفي الثانية اٍرتبط بالديمقراطية التمثيلية الذي ترى  " الديمقراطية الجمهورية " [5] أو المباشرة ضرورة استيعابه كبديل للديمقراطية التمثيلية ، هو إذن نوع من المقاومة كما يشير إلى ذلك أنطونيو غرامشي ، وهو يعبر عن توزان بين الدولة والمجتمع، بحيث يتموقع المجتمع المدني بينهما كتعبير عن البنية الفوقية ،[6] مفهوم المجتمع المدني عند أنطونيو غرامشي يبدو ملتبسا، فتارة يصف العلاقة بينه وبين الدولة بالمتوازنة وتارة يصفها بالمقاومة وأخرى بالتكامل والذي يعبر عنه المعادلة التالية: (الدولة = المجتمع السياسي + المجتمع المدني) وتارة أخرى يؤكد على أن الدولة والمجتمع المدني هما في الواقع شيء واحد.

يتقاطع مفهوم المجتمع المدني عند أنطونيو غرامشي مع مفهوم فريديريك هيجل - Friedrich Hegel للمجتمع المدني الذي يتطلب وضع المجتمع السياسي في مقابل المجتمع المدني باعتبارهما لحظتين في البنية الفوقية ويمثل المجتمع المدني في فلسفة الحق لهيجل العلاقات الاٍقتصادية ؛ووفقا لذلك فالمجتمع المدني يتموقع بين الدولة والبنية الاٍقتصادية ، ويرى هيجل أن المجتمع المدني له منطقه الخاص الذي يختلف عن العائلة والدولة ، وله دينامية خاصة متميزة ، وهو مجال تفاعل بين البعد الشخصي للفرد والبعد الاٍجتماعي له  ، [7]وفي فصل " الحق المجرد "من كتابه " فلسفة الحق " يرى أن الإرادة الحرة تحمل طابع الإرادة المباشرة ، هذه الإرادة واعية وكلية ومجردة و تمثل إرادة الذات الفردية وهي تؤدي اٍلى الديمقراطية المباشرة ،[8] وبالنسبة له فالدولة تمثل الخير المطلق ، وهي قيمة الحق ، لذا فإرادة الأفراد الحرة تنطبق على الدولة كتجميع قانوني ومؤسساتي لهذه الإرادات الحرة

والخيرة،غرامشي لم يقدم تعريفا للمجتمع المدني ولا تحديدا للسياق التاريخي الذي ظهر فيه [9] لكنه ربط بين المجتمع المدني وبين آليات سيطرة وهيمنة البورجوازية على المجتمع والتي هي الدولة والمجتمع المدني ، [10]ومن منظور مختلف فـــ جون لوك – John Locke  أشار إلى أن العقد الاجتماعي هو التنازل عن الحقوق الطبيعية لفائدة السلطة المنبثقة عن رغبة الأغلبية أو الإرادة العامة بتعبير جون جاك روسو- Jean Jack Rousseau   من أجل تكوين المجتمع المدني ، وحسب جون جاك روسو فالاٍنتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية يتطلب الاٍمتثال لمبادئ أخرى غير تلك الموجودة في الاٍنسان والمرتبطة بحالة الطبيعية ، هذه المبادئ تعتبر عقلانية وتتمثل في العقد الاٍجتماعي والذي بموجبه يتحول الاٍنسان من حالة الطبيعة اٍلى الحالة المدنية5 ، لكن هل كان جون جاك روسو يقصد وجود المجتمع المدني في الحالة المدنية ؟

وفي سياق آخر يرى عزمي بشارة أن فكرة المجتمع المدني دخلت إلى الفلسفة السياسية كتعبير عن وجود علاقة بين قطبين هما المجتمع والسياسة من خلال فكرة الصراع داخل فكرة الحق الطبيعي،وأشار إلى أن هذا المفهوم يبدو غامضا وضبابيا بعض الشيء، حيث أنه لم يتم تداوله في أي من المعاجم المشهورة، بل جاء في سياق مركب مثل " المجتمع المدني " أو " الدولة المدنية " وهو ما أسماه " السقوط المعجمي للمفهوم " كما أن المفهوم العصري لهذا المفهوم يحمل تناقضات بين عناصره الحداثية وعناصره غير الحداثية ؛ يتمثل في البحث عن بديل للدولة بالنسبة للخصوصية القومية والثقافية وكذلك النفور من الدولة والسياسة إذا ما تم وضعه في مقابل مفهوم الدولة ، ما يعتبره من ألد أعداء الديمقراطية خاصة عنصر المشاركة السياسية في الحياة العامة ، وهو العنصر الأهم في تسمية المجتمع المدني ، وهو يؤدي إلى الدكتاتورية وكذا إلى التوجهات النخبوية في حالة الأنظمة الديمقراطية1 ، غير أن القاموس الدسـتوري ل Olivier Duhamel " يحدد المجتمع المدني ومكوناته في مجموعة أو  جماعة من المواطنين أحيانا مشخصة، وأحيانا أخرى معارضة للمجتمع السـياسي." أما قاموس العلوم لـ Bertrand Badie فيعرف المجتمع المدني "كإطار مفهومي يسمح بممارسـة التفكير الســياســي ضمن مقاربة تسعى إلى تغليب الحقوق السياسية للشخص الاٍنساني "؛[11] يبدو مفهوم المجتمع المدني غامضا وعصيا على التحديد بدقة، وتداوله واستخدامه كأداة تحليلية يقود إلى مفارقات منهجية متعددة.

ظهر مفهوم المجتمع المدني في المغرب ، كما تمت الإشارة إلى ذلك ،  في نهاية سنوات 1980 وبداية سنوات 1990 في إطار التحولات السوسيو اقتصادية وكذا السوسيو ثقافية التي عرفتها الدولة و المجتمع في تلك الفترة  وهو مرتبط بالدور والوظيفة التي أرادت الدولة أن تسندها إليه ، لهذا لا يمكن الحديث عن المجتمع المدني بعيدا عن الدولة وطبيعتها السياسية ، بحيث بالرجوع إلى كتابات الباحثين في علم السياسية و علم الاٍجتماع فاٍن ظهور المجتمع المدني كمفهوم في العلوم الاٍجتماعية أولا ثم كممارسة في الساحة السياسية والمدنية اٍرتبط بتحول أدوار ووظائف الدولة تحت تأثير العولمة الاٍقتصادية في نهاية سنوات 1980 ، فانخراط الدولة في نظام  ٍاقتصاد السوق حتم عليها التخلي عن أدوارها التقليدية المتمثلة في التدخل في الاٍقتصاد والتنمية لصالح فاعلين جدد ، يتعين عليها في المقام الأول أن تمدهم بالأطر المؤسساتية التي ستؤهلهم للاٍشتغال ثم بالموارد المالية اللازمة من أجل الاٍضطلاع بالأدوار الجديدة المنوطة بهم ، فإلى حدود سنوات 1960 كان المجتمع المغربي لايزال يسير نفسه بنفس الآليات التقليدية القديمة المتمثلة في المؤسسات الموروثة سواء عن الأطر الاٍجتماعية لما قبل الحماية والتي هي العرف والقبيلة  أو تلك التي تم ترسيخها وتكريسها بواسطة إدارة الحماية خاصة التنظيم الاٍداري والسياسي والاٍجتماعي المرتبط بالإدارة الفرنسية ،  وهكذا فالمجتمع المغربي في تلك الفترة يعرف اٍزدواجية في القواعد الاٍجتماعية المؤطرة ، فالعالم القروي أو القبائل في مجموع التراب الوطني كان يؤطرها العرف والقبيلة ؛ بحيث كانت مؤسسة " جماعة " تقوم بكل الوظائف الاٍجتماعية والضبطية داخل القبيلة في حين كان القانون الوضعي الفرنسي يؤطر المدن حيث يقطن المعمرون والأعيان المغاربة .

ظهور المجتمع المدني في التسعينيات له صلة وثيقة بالوظيفة الأيديولوجية للدولة التي تغذت من الصراع السياسي وتنافس المصالح السياسية والمالية والتحولات الخارجية مع انسداد الأفق وانهيار الخيارات والمشاريع السياسية والتنموية التي جربها المغرب لأزيد من أربعة عقود خاصة سياسة التخطيط الاقتصادي في الستينيات والسبعينيات والثمانينات، وكان للأكاديميين والمثقفين والفاعلين والخبراء والصحافة دورا مهما في بروز المجتمع المدني وترافعهم من أجل تأسيس مجتمع حداثي متطور حيث تأسست جمعيات وطنية محلية وجهوية تشتغل في مشاريع التنمية بمعناها الواسع ، وخلفت هذه الدينامية الأثر البارز في هذا الشأن  ، وضمن هذا التوجه يرى عبد الله ساعف [12]  أن رصد المجتمع المدني قد يؤدي إلى المستويات التي تتفاعل فيها الحركات الاٍجتماعية مع تطور فلسفة المجتمع المدني ، بحيث تؤدي الأوضاع السياسية والاٍجتماعية إلى انتقال الفاعل الجمعوي إلى وضعية الفاعل الاٍجتماعي وكون هذا الاٍنتقال ليس واضحا ولكنه موجود وملموس ، لهذا فهو يؤكد على أن الدولة مدعوة للتحرر من نزعاتها الأمنية والضبطية نحو إقرار علاقة توازن أكبر مع متطلبات موقف أكثر ديمقراطية مع الحركة الجمعوية التي عليها بدورها العمل على بناء فضاء مبني على التفاوض والتأمل والتشاور.

وارتبط بروز اٍنشغال علم سياسة والعلوم الاٍجتماعية عموما بموضوع المجتمع المدني في المغرب بالاٍنتقال الديمقراطي، وتم اعتبار المجتمع المدني كأداة لتشكيل مشروعية الدولة كما يرى ذلك عبد الله ساعف،كون التأصيل النظري لمفهوم المجتمع المدني في علم سياسة عرف ضعفا رغم التوظيف الكبير له الذي اتسم بالتضخم والاٍستعمال الذي يوظف به كمقابل للدولة وأحيانا لإضفاء الشرعية على المؤسسات التقليدية ، وفي السوسيولوجيا اٍستلهم المقترب الاٍنقسامي لكل من جون واتربوري -  John Waterbury ودافيد هارتDavid Hart  واٍرنست كيلنرErnest Gléner  لفهم المجتمع المغربي ، وتحليل طبيعته وفقا لذلك ، رغم أن هذا الطرح لقي معارضة شديدة من طرف عبد الله حمودي وعبد الله العروي وبول باسكون –Paul Pacson  ؛ أولا لأن البراديغم الاٍنقسامي لا يصلح كمنهج لتحليل البنى الثقافية والاٍجتماعية المغربية لأنه ليس نابعا من الواقع الاٍجتماعي المغربي بالنسبة لعبد الله حمودي  ويلغي الدينامية التي من المفروض أنها تحكم العلاقات الاٍجتماعية وهو يرى ضرورة ترك مسافة بين المنهج والتحليل خاصة في كتابه " المسافة والتحليل – في صياغة أنثروبولوجية عربية " ، ثم لكونه يعود إلى البراديغم الاٍنقسامي الأصلي لإميل دوركايم والذي وظفه في تحليل البنى الثقافية والاٍجتماعية بمنطقة القبائل بالجزائر ، وعليه أسس منهجه في تقسيم العمل الاٍجتماعي ، وهو يقسم المجتمعات إلى تقليدية تعتمد التضامن الآلي وأخرى حديثة تعتمد التضامن العضوي بالنسبة لـ بول باسكون ، [13] كون المجتمع المغربي مركب ويعرف تضامنات عديدة منها القائدي و الباطرياركي والقبلي والصوفي ...الخ .[14]

ثالثا: تصنيف المجتمع المدني:

يطرح تصنيف المجتمع المدني إشكالا يتعلق بعلاقة هذا الأخير بالأحزاب السياسية، فإذا كان المجتمع المدني يتكون من الجمعيات والنقابات والاتحادات المحلية والتعاونيات الاقتصادية والمنظمات غير الحكومية مثل مراكز حقوق الإنسان والمنظمات الشبابية والنسائية والطفولة والبيئة وأجهزة الإعلام والنشر والتوعية والتربية ومراكز البحوث والدراسات العلمية والتنمية الثقافية والرياضية والجمعيات الدينية وجمعيات الأدباء والصحافة والمراكز الدينية ...الخ، هل يمكن اعتبار الأحزاب السياسية جزءا من المجتمع المدني باعتبار أنها منبثقة من المجتمع ؟

اٍنطلاقا من التعريفات القانونية للمجتمع المدني والأحزاب السياسية؛  [15]فاٍن هذه الأخيرة تخدم مصالحها السياسية والأيديولوجية والمجتمع المدني يتكون من جمعيات غير ربحية لكن بعض الأحزاب تؤسس جمعيات تعتبر بمثابة ذراعها المدني وذلك من أجل تمرير خطابها السياسي ونشر أيديولوجيتها السياسية وكذا الاٍقتراب أكثر من المواطن أو الناخب ومعرفة حاجياته الحقيقية خاصة في ظل اٍنحسار الديمقراطية التمثيلية وتراجع دور الوساطات التقليدية لصالح بروز الديمقراطية التشاركية وأشكال جديدة من الوساطات قوامها زعامات وقيادات ميدانية غير مؤطرة حزبيا وسياسيا تمارس نشاطها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في الشارع عن طريق الاٍحتجاج.[16]

هناك خلاف فكري حول إدراج الأحزاب السياسية ضمن المجتمع المدني، لكن إستراتيجية العمل لدى المجتمع المدني وكذا مقومات هذا الأخير تميل اٍلى عكس ذلك، كما أن الخطوات والمراحل الإجرائية من حيث التأسيس وطريقة العمل والأهداف وتوفير الإمكانيات المالية والمادية والبشرية الملائمة وتسطير الأهداف البعيدة والقريبة واستخدام أسلوب التطوع والتأطير بين المجالين تحسم بشكل واضح هذا الخلاف.

في نفس السياق هناك إشكال آخر يعرفه المجتمع المدني والمتمثل في تداخله أحيانا مع الأشكال التنظيمية التقليدية خاصة بالعالم القروي أرى أنه من الضروري طرح التساؤل التالي:هل هناك علاقة تداخل بين المجتمع المدني كمفهوم حديث مع الشكل التقليدي للتنظيم الاٍجتماعي (القبيلة والجماعة والزاوية)؟وهل يمكن اعتبار المجتمع المدني شكلا متطورا للمؤسسات التقليدية التي هي مؤسسة القبيلة والجماعة؟يذكر الجابري في هذا السياق أن المجتمع المغربي الى حدود الثلاثينيات من القرن الماضي كانت تؤطره القبيلة والزاوية أما الدولة (دولة المخزن قبل الحماية) فقد كانت جهازا فوقيا يستمد سلطته وفاعليته بل وجوده من نوع العلاقة التي يقيمها مع الإطارات المذكورة.[17]

الفقرة الثانية: اٍكراهات الاٍلتزام بمعايير المجتمع المدني

تطرح المعايير التي يمكن أن نميز بها المجتمع المدني عن غيره من التنظيمات المدنية إشكال الالتزام بها من قبل الفاعلين، و تروم هذه الفقرة إلى وضع نماذج مثالية للمجتمع المدني وفق المفهوم الفيبري –Max Weber  للنموذج المثالي، الذي يعني وضع تصور مثالي يشكل نموذجا للوضعية التي يجب أن يكون عليها الشيء أو الموضوع أو الظاهرة أو الفعل الاٍجتماعي ، ومن ثم السعي إلى البحث عن رصد نقائص النموذج كما هو موجود في الواقع بمنطق نقدي مقارناتي، لذلك فالنموذج الذي نسعى إلى مقارنة الواقع الاٍمبريقي معه يتوفر على كل خصائص مجتمع مدني متكامل العناصر ويشتغل في بيئة نظيفة وخالية من العناصر التي تشوش على النموذج المثالي وبالتالي تخل بعناصر تماسكه الموضوعية وتؤدي إلى انخرام بنيانه النظري في المحصلة النهائية.

لعل من بين المعايير التي يمكننا بواسطتها أن نميز المجتمع المدني عن غيره من التنظيمات المجتمعية معايير التطوع والتنظيم و الاٍستقلالية  وخدمة الصالح العام  وعدم السعي للوصول اٍلى السلطة ، و معيار التطوع يتم بواسطة المال والوقت والجهد، وهنا تثور إشكالية مرتبطة بكيفية تمثل المجتمع المغربي خاصة في القرى لجمعيات المجتمع المدني وكيف تتم مقارنتها بالجماعات الترابية أحيانا من حيث الأهداف والتنظيم وطريقة التمويل بحيث يقع الخلط لدى الكثيرين بين التنظيمين في غياب الثقافة المدنية والمواطنة ، لأن هناك من لا يزال يعتقد بأن الجمعيات ماهي اٍلا وسيلة لجمع الأموال المتأتية من مصادر متنوعة منها الدولة والمنظمات غير الحكومية وغيرها، واٍن كان هذا الرأي وجيها من ناحية غير أنه يبين أزمة ثقة المواطن المغربي التي صارت تخترق المؤسسات العمومية والجماعات الترابية وجمعيات المجتمع المدني .

ومعيار التنظيم يعتبر مهما جدا؛ بحيث يتميز بطريقة تنظيم جد معقلنة من حيث الهيكلة الإدارية والأهداف ومصادر التمويلات وطرق صرفها، والتي تختلف عن باقي المؤسسات العمومية، بحيث ينظم القانون هذه الإجراءات وأناط المشرع بمؤسسات الحكامة والاٍفتحاص والمراقبة تتبع جمعيات المجتمع المدني وتدقيق ماليتها درءا لما قد يشوبها من عوامل مخلة أو اٍنحرافات أو استعمالات غير مشروعة ، رغم أن أغلب الجمعيات لاتزال تشتغل بطرق بدائية في غياب تام لمنطق الإدارة ، بحيث تجد أن رئيس الجمعية هو مديرها  الاٍداري وحافظ أرشيفها والمنسق مع الجهات الخارجية وهو الذي يبحث عن المشاريع وعن التمويلات الضرورية ، ويقوم أمين المال بالتوقيع فقط على الوثائق المحاسبية ، في غياب تام لبقية أعضاء المكتب وكذا في غياب تنظيم إداري ومقر خاص ووسائل مادية ولوجستية .

و من بين معايير المجتمع المدني ؛ معيار الاٍستقلالية ، فجمعيات المجتمع المدني مستقلة عن الأحزاب السياسية وعن الدولة وعن المؤسسات العمومية والخصوصية ، رغم أن هذا المبدأ في الواقع ترد عليه اٍستثناءات عديدة سواء تلك التي نص عليها القانون وأباح للدولة وبعض المؤسسات العمومية تكوين جمعيات ذات نفع عام أو تلك التي يمكن اعتبارها اٍنحرافا عن هذا المبدأ خاصة مع جنوح الأحزاب السياسية إلى تأسيس جمعيات  تكون بمثابة ذراعها المدني وتكون واجهة لتصريف أجنداتها السياسية من خلال تبني الأنشطة الاٍجتماعية مثل توزيع المساعدات على الفقراء والقيام بالأعمال الخيرية والاٍحسانية أو المساهمة في المشروعات التي تنجزها تلك الجمعيات أو القيام بحملات التحسيس والتوعية والتي من خلالها يتم تمرير الخطاب السياسي والأيديولوجي لتلك الأحزاب ...اٍلخ وتشتغل هذه الجمعيات الموازية في أيام الحملات الاٍنتخابية بشكل مكثف بحيث تعمل على جلب أصوات الناخبين ، ويمكن في بعض الأحيان أن تكون مصادر تمويلها نابعة من تلك الأحزاب السياسية أو كوادرها الحزبية أو الأعيان أو الأشخاص النافذين من ذوي المشروعات الاٍقتصادية الكبيرة والمستثمرين ورجال الأعمال ، خاصة المنتمين منهم إلى تلك الأحزاب السياسية .[18]

السؤال الذي يطرح علاقة بمعيار استقلالية المجتمع المدني عن الدولة والأحزاب السياسية مرتبط بدرجة الاٍمتثال للشرعية الديمقراطية من قبل النظام السياسي، ومضمون الإجابة عن هذا التساؤل يوجد في رؤية الباحثة الأمريكية جينيفر غان ديJennifer Gandi  التي ترى بأن المؤسسات الخاضعة للديكتاتورية هي بمثابة المظلة التي تحجب أشعة الشمس أو الرداء الذي يغطي ضوء النافذة، وبان جزءا من المشكلة يرجع إلى ابتكار الحكام غير الديمقراطيين طرقا تمكنهم من الحكم من خلال المزج بين حكمهم و مؤسسات ديمقراطية شكلية ويرى الاٍقتصادي الأمريكي نورث دوغلاس –  North Douglass كأحد المؤسسين للنظرية المؤسساتية أنه يجب النظر اٍلى المؤسسات باعتبارها  تشكل قواعد اللعبة في مجتمع ما وبأن استيعاب قواعدها يسهم بشكل واضح  في فهم دينامية التفاعلات المجتمعية بغض النظر عن سياق وبيئة تشكلها هل هي ديمقراطية أم سلطوية.[19] 

يرتكز عمل المجتمع المدني بالأساس على خدمة الصالح العام ، فالجمعيات وفق ما ينص عليه القانون المؤسس هي مؤسسات لا تسعى إلى الربح ، بل تقوم على مبدأ التضامن بين أعضائها وتشتغل وفق إمكاناتها المالية التي يكون مصدرها اٍنخراطات أعضائها واٍعانات الدولة والجماعات الترابية والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ، وتهدف من خلال عملها إلى خدمة الصالح العام بعيدا عن التأثيرات السياسية والأيديولوجية وبعيدا عن الاٍعتبارات الدينية أو العرقية أو الطائفية أي أنها تشتغل في إطار مبادئ الديمقراطية والمواطنة ودولة القانون ، وروح الصالح العام يجب أن تسود جميع أعضائها بما يخدم تنمية الحي أو القرية أو المدينة التي أسست فيها الجمعية بعيدا عن الاٍعتبارات الذاتية ، بحيث يتعين أن يتجرد الأعضاء العاملون في الجمعية من مصالحهم الذاتية وأغراضهم الشخصية وأهوائهم السياسية وأن ينخرطوا في خدمة الصالح العام بكل نزاهة وتجرد ، فهل هذا هو الذي يحدث في الواقع ؟ لا شك أن الواقع بعيد نوعا ما عن المثال في بعض الأحيان، لأن أعضاء الجمعيات في الغالب لا يتحلون بهذه الخصال الرفيعة رغم أن هناك من يتحلون بها في الواقع، وسوف أتي على التطرق إلى هذا المشكل في المحاور اللاحقة من هذه المقالة.

و من بين المبادئ الرئيسية للعمل الجمعوي عدم سعي أعضاء الجمعيات إلى الوصول إلى السلطة من خلال عملهم التطوعي داخل الجمعيات المدنية ، ويعتبر هذا المبدأ بمثابة المرتكز الذي يميز جمعيات المجتمع المدني عن الأحزاب السياسية ، بحيث إذا كان المناضلون في الأحزاب السياسية يشتغلون على تصريف خطابهم السياسي والأيديولوجي من خلال الهياكل الحزبية من أجل إقناع المواطن ببرامجهم السياسية أثناء الحملات الاٍنتخابية

من أجل تمكينهم من الوصول إلى السلطة بواسطة التصويت على برامجهم السياسية وأجندتهم الحزبية بكثافة بحيث يتمكنون من الشروع في تنزيل تعهداتهم ووعودهم الاٍنتخابية التي قطعوها أمام ناخبيهم حال حيازتهم للسلطة ، فٍاٍن جمعيات المجتمع المدني تشتغل بعيدا عن هذا الهدف ، لا تضع نصب عينيها سوى هدف خدمة المصلحة العامة وتحقيق رغبات ومطالب وتطلعات سكان الحي أو القرية الذين انتدبوهم في الجمع العام التأسيسي للقيام بهذه المهمة التطوعية النبيلة ، غير أن هذا المبدأ من الناحية الواقعية ترد عليه استثناءات واقعية ، خاصة وكون أغلب رؤساء  وأعضاء الجمعيات إنما تحركهم الرغبات السياسية من وراء العمل الجمعوي التطوعي فيعمدون إلى مراكمة الرأسمال الرمزي الذي سيمكنهم من المرور بعد ذلك إلى الترشح للاٍنتخابات بناء على ذلك الرأسمال الرمزي الذي راكموه من خلال العمل على واجهة العمل الجمعوي.[20]

المطلب الثاني: المجتمع المدني والفعل العمومي الترابي؛ رهانات ومعيقات

في ظل التغيرات السوسيو اقتصادية التي يعرفها المغرب والعالم ،  وكنتيجة للتحولات السياسية والاٍجتماعية والدستورية التي عرفها المغرب بعد الحراك الشعبي لسنة 2011 ، فقد أناط الدستور الجديد لسنة 2011 بالمجتمع المدني أدورا وأهدافا جديدة تتلاءم مع طبيعة المرحلة ومع التطورات الدولية والإقليمية والمحلية وكذا مع التحولات التي طرأت على  وظائف الدولة خاصة في ظل هيمنة مبادئ الليبرالية الجديدة وتغول أهداف اٍقتصاد السوق ، بحيث كان لزاما أن تبحث الدولة عن شركاء وفاعلين جدد من أجل المشاركة في صنع وتدبير السياسات العمومية وأجرأة البرامج الاٍجتماعية على المستوى المحلي ، هذا الإشكال سأقوم بتحليل تداعياته من خلال التطرق للأدوار الجديدة والوظائف وكذا الرهانات الماثلة أمام المجتمع المدني ( الفقرة الأولى ) على أن أتناول التحديات والمعيقات التي تعوق المجتمع المدني عن القيام بهذه الأدوار الجديدة ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى: رهانات المجتمع المدني بالمغرب

من بين الأدوار التي أناطها الدستور الجديد بالمجتمع المدني؛ التشاور والاٍقتراح وربط جسور الاتصال مع الفاعلين الترابيين على مستوى الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين المحليين من أجل تشجيعهم على الانخراط في الأوراش التنموية والمشاريع المقترحة من طرف الجمعيات وكذا الانخراط في الأوراش التنموية التي تمولها الدولة والجماعات الترابية مثل مشاريع التنمية البشرية والتنمية المجالية ومختلف البرامج الاٍجتماعية للدولة ، وكذا تعبئة الطاقات لخدمة المجتمع وتوسيع قاعدة المهتمين بالمصلحة العامة وامتصاص حالة الاٍحتقان الاٍجتماعي والسياسي والحفاظ على التماسك الاٍجتماعي وتلبية الحاجيات المتزايدة والمتنوعة للمجتمع اٍلى التنمية والعيش الكريم وتكوين وتأطير نخب وقيادات جديدة قادرة على الاٍنخراط في الورش التنموي والترافع من أجله في المنتديات الوطنية والدولية وجلب التمويلات الضرورية واللازمة لتحقيق التنمية المستدامة والاٍهتمام بتكوين وبناء الإنسان وجعله في صلب العملية التنموية.[21]

هذه الرهانات تشكل في الحقيقية النموذج المثالي الذي تمت الإشارة إليه آنفا، لكن هل يمكن لهذا التقديم المعياري أن يصمد أمام معول النقد والرصد الميداني لظاهرة المجتمع المدني بالمغرب؟ هذا التساؤل يبدو مشروعا بالنظر إلى أن واقع المجتمع المدني ليس هو ما هو موجود في التوصيف القانوني له، ولا في ما هو مأمول ، المجتمع المدني كما يرى ذلك عبد ساعف ، لازال بدون مضمون قوي ولا يمكن الاٍستناد إليه كثيرا لفهم ما يجري بالمغرب ، ومن ثم فالمجتمع المدني مازال على الهامش ، والتطور الذي عرفته ظاهرة الجمعيات ( جمعيات البيئة ، جمعيات المستهلكين ، جمعيات حقوق الاٍنسان ... ) يعطي الاٍنطباع على أننا أمام فاعلين مستقلين عن نفوذ الدولة ، لكن عندما ترصد تحرك هؤلاء الفاعلين في الساحة ستلاحظ أن تأثيرهم يضل ضعيفا وأن حضورهم ليس وازنا مقارنة مع حضور الأحزاب والنقابات وليس حضورا ذي شأن  ، فالأحزاب هي التي في المركز بينما نجد هؤلاء الفاعلين في الهوامش ، وهكذا ظهر كما لو كانت هناك اٍرادوية سياسية وأيديولوجية  في مرحلة من المراحل إلى المجتمع المدني ، ومن ثم كان الانتباه إلى ظاهرة بروز الجمعيات بكثرة ، واٍلى جانب أنها ظاهرة غير مركزية بمعنى غير مؤثرة في مسار تطو الكيان السياسي والاٍجتماعي وليس لها محتوى سميك ، ويمكن قول الكثير عن طريقة تدبير هذه الجمعيات؛ فهي تتقاطع مع النمط الحزبي أي أنها كثيرا ما تتحرك كمرادف للسياسي، وقلة قليلة منها فقط تعرف تغييرا في المسؤولين على أجهزتها، إذ كثيرا ما نجد نفس الأشخاص يتمحورون حول التدبير والعلاقات مع الأطراف الأخرى، مع جمعيات أخرى، مع الفاعلين السياسيين، مع الخارج ومع الدولة وهي في المجمل ذات أثر محدود.[22]

1-      الديمقراطية كفضاء لنمو المجتمع المدني

الديمقراطية هي المشاركة الواسعة للجميع في سير الحياة العامة، بما تعنيه من مشاركة سياسية واقتصادية ومشاركة في كل المستويات في إطار الحريات الأساسية التي هي حرية التعبير والرأي والاٍنتماء والصحافة وتكوين الجمعيات،الديمقراطية وفق هذا التعريف هي إذن المشاركة والحرية الفردية والجماعية، لكن للديمقراطية شروطا دنيا هي تحقيق العدالة الاٍجتماعية، وتحسين أوضاع كل الفئات،فالديمقراطية، مقترنة مباشرة بالمساواة.[23]

تندرج الإرادة الطوعية المشتركة للأفراد في صلب العملية الديمقراطية رغم أن بعض الجمعيات تؤسسها السلطة [24] أو الأحزاب السياسية لأغراض معينة ، هناك إذن اٍرتباط وثيق بين الديمقراطية والمجتمع المدني باعتبار أن هذا الأخير هو الذي يترافع بشكل مستقل عن حقوق المواطنين ومصالحهم ويراقب عمل المؤسسات العمومية والجماعات الترابية خاصة في إطار مفهوم الديمقراطية التشاركية الذي جاء به الدستور الجديد لسنة 2011 ، والذي أعطى للجمعيات حق تقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع إلى السلطات العمومية والمنتخبة ( المواد  12 - 14139 من دستور 2011 ) .

في إطار الاٍستناد إلى بعض المؤشرات لمعرفة مدى مساهمة جمعيات المجتمع المدني - في إطار الحد الأدنى لها - في دينامية الفعل العمومي الترابي، نورد هنا لأمثلة عديدة منها مؤشر تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بتقديم العرائض والملتمسات إلى السلطات المنتخبة والعمومية وفق ما جاء في الفصول 14 و 15 و 139 من دستور 2011 ،[25] هذا المؤشر سيساعدنا على فهم معين لمدى انخراط المجتمع المدني في دينامية الفعل العمومي من زاوية المشاركة الديمقراطية في صنع السياسات العمومية ، وهي تحتاج بطبيعة الحال إلى مؤشرات كمية و إحصائية و ميدانية للتعرف على حجم العرائض والملتمسات [26] التي تم تقديمها إلى الجهات المعنية وكذا حجم معالجة هذه الوثائق ومدى استجابة السلطات العمومية لها ، ومن خلال الإحصائيات الرسمية [27] فمن بين 924611 عريضة وجهت لرئيس الحكومة سنة 2017 تم رفضها كلها لعدم اٍستيفائها للشروط القانونية ، ومن بين 6218042 عريضة وجهت لرئيس الحكومة في سنة 2018 تم رفضها كلها لعدم استيفائها للشروط القانونية ، ومن بين 358151 عريضة وجهت لرئيس الحكومة تم رفضها كلها لعدم استيفائها للشروط القانونية ، ومن بين789189 عريضة وجهت إلى رئيس الحكومة سنة 2020 تم قبول 474063 منها وحظيت بجواب رئيس الحكومة ، وتم رفض 315126 منها لعدم استيفائها للشروط القانونية ، ومن بين 333768 عريضة وجهت لرئيس الحكومة سنة 2021 تم قبولها كلها وحظيت بجواب رئيس الحكومة ، ومن بين 514607 عريضة وجهت لرئيس مجلس النواب سنة 2021 تم رفضها كلها لعدم استيفائها للشروط القانونية أما فيما يخص الملتمسات في مجال التشريع فمن بين 1498032 ملتمسا وجه الى رئيس مجلس النواب سنة 2021 لم تحظى بجواب السلطة العمومية المكلفة بالبرلمان لعدم توفرها على الشروط القانونية ؛ بحيث لازالت في طور التوقيع ،هذه المؤشرات الإحصائية يمكن إعطاء تفسير لها يتمثل في كون الشروط القانونية التي وضعها المشرع أمام تقديم العرائض والملتمسات تبقى العائق الأكبر لعدم تفاعل السلطات العمومية معها ، وبالتالي يطرح تساؤل مدى قدرة المجتمع المدني على تغيير هذه المقتضيات القانونية في ظل هذا الكابح التشريعي دون الاٍستعانة أو اللجوء إلى المجتمع السياسي؛ سواء الموجود منه في الجهاز التنفيذي أو التشريعي أو حتى الأحزاب السياسية الممثلة في المعارضة ، مع ضرورة الإشارة إلى ضيق هامش فعل هذه الأخيرة بدورها أمام قوة وهيمنة الجهاز التنفيذي على التشريع .[28]

هذا من جهة، أما من جهة أخرى،فالواقع السوسيولوجي يمدنا بالعديد من الأمثلة الأخرى التي يمكن اٍعتبارها بمثابة مؤشرات نوعية وكيفية عديدة ومتنوعة،ترتبط بمدى التفاعل الاٍيجابي للسلطة مع المجتمع المدني ومدى إمكانية رفع هذا الأخير إلى مستوى الشريك الفعلي والأساسي للدولة في صنع وتدبير السياسات العمومية، وهذه المؤشرات الكيفية بطبيعة الحال ترتبط بدورها بمستوى مأسسة الدولة والمجتمع وأجرأة الديمقراطية التشاركية كمفهوم دستوري جديد وكداعم للديمقراطية التمثيلية ومكمل لها ،ورغم سعي المشرع إلى التخفيف من الشروط القانونية لتقديم العرائض والملتمسات وإعطاء دفعة جديدة لهذه الممارسة  ، وبالأخص التعديلات القانونية التي همت مؤخرا القانونين 44.14 و 70.21 ، [29]إلا أن الممارسة الإدارية المزاوجة بين المنطق البيروقراطي السلبي والعقلية السلطوية لا تزال تقف عائقا أمام تطور علاقة الدولة والمجتمع المدني بالمغرب ، وتجعل من مبادرة هذا الأخير سقفا محدودا جدا وهامش فعل صغير جدا إن لم يكن قابلا للإلغاء في كثير من الأحيان بسبب السلوكيات السلطوية ذات المرجعية الضبطية ، والتي يمكن الاٍستدلال على وجودها سواء باعتماد المقاربة المؤسساتية أو السوسيولوجية .

 الفقرة الثانية: معيقات المجتمع المدني بالمغرب

يبدو من خلال التشخيص الداخلي للجمعيات بالمغرب أن هذه الأخيرة تواجه تحديات كبيرة ذاتية وموضوعية، فأما التحديات الذاتية فترتبط فمستوى التأطير والموارد المالية وصعوبات الاٍندماج وقنوات التواصل والتناقضات الاٍجتماعية والسياسية وأما التحديات الموضوعية فمرتبطة بمستوى الاٍستقلالية والاٍستعداد لخدمة الصالح العام والعلاقة مع الدولة والجماعات الترابية والفاعلين الاٍقتصاديين والعلاقات الشبكية مع المجتمع المدني والشخصيات العامة المؤثرة والأعيان وتمثلات المواطن للعمل الجمعوي.[30]

أولا:التحديات والمعيقات الذاتية:

عرف المغرب تطورا نوعيا في دينامية العمل الجمعوي ونوعية الحراك الاٍجتماعي، خاصة مع بروز المجتمع المدني في واجهة الاٍحتجاجات الشعبية لسنة 2011 (حركة 20 فبراير) والجمعيات النسائية وجمعيات حقوق الاٍنسان والحركة الأمازيغية والحركة الاٍسلامية والجمعيات التنموية وجمعيات البيئة والأرض ، وكان لهذا البروز الدور البارز في دمقرطة النقاش العمومي بحيث استفاد الفاعلون الجمعيون من الاٍنفراج السياسي الذي عرفه المغرب في سنوات 1990 وتوسيع دائرة الحريات لاقتحام فضاء الحوار والنشاط العمومي وارتبط حضور الفاعلين الجمعويين بالقضايا الجوهرية ذات طابع اجتماعي واقتصادي وسياسي وأخلاقي وثقافي ومدني واٍنساني وبيئي ...الخ، غير أن هذه الدينامية واٍن كانت قد حققت مكاسب اٍيجابية وراكمت خبرة وتجربة معتبرة في مجال الترافع العمومي والاٍنخراط في الورش التنموي ، إلا أنها لا تزال تعاني من تحديات ومعيقات ذاتية تعيقها عن القيام بدورها بشكل فعال ومثمر ، من هذه المعيقات الذاتية : ضعف مستوى التأطير وقلة الموارد المالية وصعوبات الاٍندماج وغياب قنوات التواصل وهيمنة التناقضات الاٍجتماعية والسياسية. [31]

ضعف مستوى التأطير:

تعاني عدة جمعيات خاصة بالعالم القروي من ضعف مستوى التأطير؛ ففي ضل اٍرتفاع نسبة الأمية الأبجدية بالقرى نجد أن أغلب الجمعيات وهي جمعيات ذات أهداف تنموية في الغالب (الماء الصالح للشرب – الكهربة القروية – مياه السقي – بناء الجسور – بناء المدارس – بناء دور العبادة ...الخ) يكونها أناس أميون، وهذا العامل يعتبر حاسما في تحديد الاٍختيارات الحقيقية ومعرفة القنوات الضرورية لتصريف المجهودات الرامية إلى تحقيق التنمية بحيث يؤدي عدم إلمام أعضاء الجمعية بالقراءة والكتابة إلى ضعف مستوى التأطير الجمعوي مما يقلل من فرص جلب التمويلات الضرورية وكذلك توسيع أفق العمل التنموي ، بحيث ينحصر في أمور ذات مردودية ضعيفة ، واٍن كان هناك من يرى أن الفاعل الجمعوي بالعالم القروي رغم آفة الأمية يقوم بتدبير حاجياته  بواسطة تفعيل مبدأ الاٍختيار العقلاني بحيث لا أحد غير سكان القرية أعلم بحاجياتهم الحقيقية ؛ فيمكن أن يرى الفاعل الرسمي في المؤسسات العمومية والجماعات الترابية أنهم بحاجة إلى مدرسة  في حين ينصب مجهودهم على بناء المستوصف ، وهو أمر يبدو متعارضا مع أولويات الدولة بالنظر إلى الموضوع من زاوية الأولويات التي تتحكم فيها الموارد والاٍختيارات المركزية ، غير أن اٍختيار المستوصف من الناحية التنموية يعتبر اٍختيارا عقلانيا بالنظر إلى مكانة الصحة العمومية في بناء الاٍنسان القادر على المساهمة في الفعل التنموي ، خاصة مع الأخذ بعين الاٍعتبار معاناة السكان القرويين مع مشكل نقل النساء الحوامل إلى المراكز الصحية قصد الولادة أو الأمهات المرضعات بعد الولادة.

1-      قلة الموارد المالية:

تعاني أغلب الجمعيات سواء في القرى أو حتى في المدن من قلة الموارد المالية الضرورية، والتي ستؤهلها للاٍضطلاع بدورها التنموي، و الحصول على هذه الموارد أصبح هاجسا مؤرقا لهذه الجمعيات ، وقلة فقط من الجمعيات المحظوظة التي لديها علاقات مع هذا الجانب أو ذاك ( الجماعات الترابية - الأحزاب السياسية – الأعيان – الفاعلون الاٍقتصاديون  - المنظمات الدولية ...الخ ) [32] هي التي تحصل على تمويلات مهمة وتستطيع أن تتدبر أغلفة مالية تصرفها في مشروعاتها ، وهناك جمعيات تنموية جادة خاصة بالقرى لا تجد التمويلات الضرورية وبالكاد تحصل على بعض المبالغ القليلة من خلال تعبئة المنخرطين والمحسنين في الداخل والخارج ، كما أن حصة الجمعيات من التمويل الذي تخصصه الجماعات الترابية  والذي حدد في 1%يبقى هزيلا جدا، [33] في ظل غياب أي مقتضى قانوني يلزم الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص على تخصيص نسب مالية من ميزانيتها لفائدة المجتمع المدني ،[34] مع أن هذا الدعم يمكن أن يشكل مدخلا للإخلال بعنصر الاٍستقلالية المفترض ، والمفارقة تكمن  مثلا في عدم قدرة  بعض الجمعيات التنموية ولاسيما في القرى على إيجاد  التمويل الضروري من أجل بناء قنطرة على وادي لفك العزلة عنها  أو اٍستخراج مياه جوفية مثلا  أو مد خطوط التزود  بالكهرباء، في حين نجد أن جمعيات أخرى لديها مقرات في المدن تستطيع الحصول على تمويلات مهمة تصرفها في المهرجانات الثقافية مع أن المقصود هنا ليس هو التقليل من شأن الثقافة بل المقصود هو الإشارة إلى غياب العدالة  في توزيع الموارد على الجمعيات حسب الأولويات وأهمية المشروع بالنسبة للسكان لأن تزويد دوار بالماء الصالح للشرب أو الكهرباء أو بناء طريق أو جسر  يبدو ذو طابع استعجالي أكثر من تنظيم مهرجان ثقافي  ، وهناك بعض الجمعيات الذكية التي تخلت عن استجداء التمويل العمومي الممنوح سواء من قبل الدولة أو الجماعات الترابية وصارت تنخرط في مشاريع كبيرة ومهمة مرتبطة أساسا بالتنمية البشرية في بعدها الاٍستراتيجي الذي يستحضر العامل الاٍنساني بالدرجة الأولى في عملية البناء ، بالشراكة مع المنظمات الدولية غير الحكومية أو مراكز البحث المستقلة أو التابعة للحكومات والمنظمات الأجنبية ، رغم أن الشراكة مع هذه المنظمات بدوره لا يتم دائما وفق رغبات تلك الجمعيات بل وفق أجندات وأهداف الجهات المانحة وغالبا ما يرهن اٍستقلالية تلك الجمعيات لتلك المنظمات الأجنبية.

2-      صعوبات الاٍندماج وغياب قنوات التواصل

من خلال الملاحظة الميدانية لعدد من الجمعيات اٍتضح أن عملية التواصل بينها وبين السكان مفقودة أو يشوبها الغموض أو لا تتم بالكيفية المطلوبة أو بالشكل الصحيح، وتصبح هذه المسألة مشكلا كلما ذهبنا إلى العالم القروي، بحيث هناك جمعيات أسسها مواطنون ينحدرون من قراهم بهدف تنمية تلك القرى ، وهؤلاء المواطنون يتشكلون في الغالب من الأطر الإدارية والأساتذة والتجار القاطنون بالمدن ، وهؤلاء واٍن كانت تحركهم في الغالب المصلحة العامة والرغبة في تنمية القرى التي ينحدرون منها رغم أنهم لا يقطنون بها غير أنهم يصدمون بواقع عدم الاٍندماج مع الساكنة المحلية وبغياب أو التشويش على قنوات التواصل ، فالأمية والتمثلات الاٍجتماعية والتقاليد والمصالح الضيقة لبعض أفراد القرية تحول دون اٍتمام العملية التواصلية بالشكل الذي سيؤدي إلى وحدة الأفكار والتطلعات والتصورات ، الشيء الذي يؤثر على جودة العمل الجمعوي وعلى المساهمة في خلق المشاريع التنموية الهادفة ويؤدي إلى فشل المحاولات الرامية إلى انتشال تلك المناطق من التخلف والفقر وغياب فرص التنمية ، و من ناحية أخرى فاٍن العملية التنموية أحيانا تؤطرها مجموعات تواصلية في وسائل التواصل الاٍجتماعي " واتساب –WhatsApp" بحيث تعمل هذه المجموعات على جمع التبرعات الاٍحسانية والأموال الضرورية من أفراد ينحدرون من نفس المنطقة و متباعدين جغرافيا لإنجاز مشروعات صغيرة لا تلبي حاجيات السكان ولا تحقق التنمية إلا بالقدر الذي تعبر فيه عن نوع من التضامن القبلي أو العشائري المحدود ، و في بعض القرى يصبح الهاجس القبلي والاٍثني حائلا دون التقدم في اٍنجاز المشروع المبرمج بحيث يصبح مشكل التمويل ثانويا أمام استفحال الشعور القبلي الذي تذكيه الصراعات السياسية والمصالح الفردية، ما يؤدي إلى فشل كل المحاولات الرامية إلى رأب الصدع أو التقدم في اٍنجاز المشروع المبرمج، فتضيع فرص التنمية وتهدر الأموال والجهد والوقت بغير طائل.[35]

ثانيا: التحديات والمعيقات الموضوعية

تطرح علاقة الدولة والأحزاب السياسية والجماعات الترابية مع المجتمع المدني أسئلة حارقة مرتبطة بمدى اٍستقلالية هذا الأخير عن هذه الإطارات والمؤسسات، ويطرح السؤال بحدة عندما يتعلق الأمر بعلاقة الدولة بالمجتمع المدني، هل هي علاقة تبعية أم إلحاق أم اٍستقلالية؟ خاصة مع استحضار صراع الدولة مع المجتمع المدني الحقوقي في بداية التسعينيات وكذلك بمشكل التمويل ، وهذا الإشكال تتفرع عنه تحديات ومعيقات موضوعية تعيق المجتمع المدني عن الاٍضطلاع بدوره التنموي والتأطيري في إطار الأدوار الجديدة الموكولة إليه بمقتضى الدستور والقانون وكذا المهام المنتظرة منه في سياق التحولات السوسيو- اقتصادية، من هذه التحديات: ضعف مستوى الاٍستقلالية وضعف الاٍستعداد لخدمة الصالح العام وتأثير تمثلات المواطن السلبية على العمل الجمعوي ، وكذا صعوبة الحصول على التمويلات الضرورية لإنجاز المشاريع التي تشكل الاٍنتظارات الحقيقية للساكنة .

1-      ضعف مستوى الاٍستقلالية

يظهر ضعف مستوى الاٍستقلالية من خلال تبعية الجمعيات إلى الدولة أو الأحزاب أو بعض الشخصيات المدنية أو السياسية أو الاٍقتصادية ، يطرح هذا الموضوع إشكال توظيف المجتمع المدني من طرف الفاعلين المشار إليهم من أجل خدمة أجندات خاصة ؛ سياسية واقتصادية وإستراتيجية وأحيانا شخصية ، فهشاشة الثقافة المدنية والمواطنة وضيق هامش مبادرة المجتمع المدني تدفع به إلى الاٍرتماء في أحضان أي من الفاعلين المشار إليهم ، كما أن غياب تشبع الفاعل المدني بروح الاٍستقلالية والنزوع النقدي لا يترك له مجالا لترك المسافة الضرورية بينه وبين الفاعلين الخارجيين الراغبين في توظيفه لقضاء مآربهم الخاصة ، فالنظرة الواقعية لدينامية المجتمع المدني لا تترك لنا فرصة القول بأنه يشتغل فعلا في إطار اٍستقلالية تامة ، ذلك لأن الاٍكراهات الماثلة أمامه تدفعه إلى التموقع بالنظر كذلك إلى موارد الفاعلين الآخرين خاصة الدولة والأحزاب السياسية مقارنة بما لديه من موارد  وكذا  شكل الدولة الذي يمزج بين المقاربتين التقليدانية والحداثية و قدرتها على اٍستحداث جهاز مفاهيمي سياسي وتنموي وارتكازها على قاعدة اجتماعية وثقافية يدفع بهذه الأخيرة إلى الاٍستمرار في اٍحتكار مصادر الثروة والقوة والنفوذ وفي نفس الوقت أصبحت تروج لخطاب يتقاطع مع خطابات الحركات الاٍجتماعية والسياسية بحيث صارت هذه  الأخيرة  خارج دائرة اٍهتمام المواطن بل ومنبوذة في الواقع والمخيال الاٍجتماعي، وبالتالي يمكن حصر أشكال تعامل الدولة مع المجتمع المدني في ثلاثة أشكال هي : المواجهة – المنافسة – الاٍحتواء .[36]

الاٍستقلالية لا تطرح إشكالا بالنسبة للمجتمع المدني في مقابل الدولة فحسب بل حتى في مقابل الأحزاب السياسية، فالسياسي ينظر دائما بعين التنافس إلى كل ما يشكل خارجه وخارج نفوذه، وعندما نقول الدولة نقصد في الواقع الفاعل المركزي، لكن عندما نرجع إلى هيجل فاٍن الدولة هي المجتمع المدني والمجتمع المدني هو الدولة، وليست هناك دولة قوية دون مجتمع مدني، ولذلك مهما طال الوقت، فاٍن الإقرار بأهمية المجتمع المدني وضرورته أمر لا مفر منه.[37]

2-      ضعف الاٍستعداد لخدمة الصالح العام

هذا المعطى يرتبط أساسا بتحول نظام القيم في المجتمع ، بحيث إذا كان هذا النظام لدى المغاربة معروفا بسمات متباينة تتأرجح على سبيل المثال ما بين اعتزاز مثالي وشجب غير مبرر، رغم أن قياس القيم يتعذر لاعتبارات كثيرة ولكن بالاستناد إلى بحث وطني حول القيم سنة 2004 والذي يبين تحولا نوعيا في مرجعية القيم  لدى المغاربة وكونها تمر اليوم بمرحلة انتقال تتميز باستئناسهم بالقيم التقليدية التي تعرف تراجعا لحساب قيم جديدة توجد في طور البروز والترسخ – Encrage  فبقدر ما يحاول المجتمع التشبث بالضوابط الأخلاقية الموروثة ، بقدر ما ما ينجر نحو مرجعيات قيمية أخرى وافدة غالبا ما يسميها البعض " أزمة القيم ".

لقد كان المغاربة يستمدون قيمهم من قيم الدين الإسلامي والتراث الأمازيغي والعادات والتقاليد والأعراف الجماعية والقبلية الخاصة، هذا النظام الذي ترسخ عبر الزمن أصبح متأثرا بإسهامات خارجية وتفاعلات مع مرجعيات أخرى مختلفة أصبحت تغذي القيم الفردية وصارت تحتكم إلى العلاقة مع الزمن والمكان والفرد، وخلال العقدين الأخيرين فرضت العولمة مرجعيات جديدة صارت تؤطر العلاقات الفردية والجماعية،[38] و في ظل هذه التحولات القيمية، أصبح النظر إلى الصالح العام مختلفا، كما أن أشكال التضامن التقليدية التي ترتكز بشكل أساسي على التضامن الآلي بدأت تتآكل لصالح أشكال جديدة صارت ترتكز على التضامن العقلاني، بحيث أصبحت القيم الجديدة التي هي قيد التشكل والتبلور في المجتمع تميل أكثر فأكثر إلى الإعلاء من شأن الفرد والاٍهتمام بطموحاته الذاتية والشخصية وبما سوف يحقق له اللذة و الإشباع والسعادة عوض الاٍنشغال بالحاجيات الجماعية.

3-      تمثلات المواطن للعمل الجمعوي

في ظل التحول القيمي للمجتمع المغربي ، هناك تمثلات فردية وجماعية للعمل الجمعوي تتراوح بين الإيجابية والسلبية واللامبالاة أحيانا، فأمام اٍنتشار القيم الفردية والمادية المتأتية من مرجعيات قيمية مرتبطة أساسا بالعولمة الاٍقتصادية، أصبح الاٍنخراط في الأعمال التطوعية من الأعمال التي لا تدر المكاسب المادية والمعنوية على صاحبها اٍلا بالقدر الذي يجنيه الفرد أو الجماعة من هذا الاٍلتزام الاٍجتماعي سواء بنيل الحظوة الاٍجتماعية إذا كان الأمر يتعلق بجعل العمل الجمعوي ترفا أو عملا لملأ الفراغ بالنسبة للبعض، أو من خلال العلاقات التي يقيمها مع الأطراف أو الفاعلين المؤثرين في دوائر القرار السياسي والاٍقتصادي في الدولة والمؤسسات العمومية والجماعية الترابية ، أو العلاقات الزبونية التي يقيمها مع بعض الشخصيات أو الفاعلين الوازنين ( الأحزاب السياسية والفعاليات الاٍقتصادية ) على المستوى المحلي والوطني ، وفي الجانب الأخر من هذه المقاربة هناك تمثلات أخرى تنهل من نفس القيم ولكنها تذهب في اتجاهات أخرى ؛ بحيث تدفع الفرد إلى الاٍقتناع بأن العمل الجمعوي مجال للحظوة والعلاقات الشخصية والزبونية وجني المكاسب المادية والمعنوية والسياسية وليس مجالا للعمل التطوعي النبيل الذي يهدف إلى خدمة التنمية ، ما يجعل البعض يحجم عن الاٍنخراط في هذه الدينامية التي ينظر إليها بمنظار الشك و الريبة وعدم الاٍطمئنان ، خاصة مع وجود أمثلة واقعية لشخصيات جمعوية استطاعت أن تلج المؤسسات المنتخبة ( البرلمان والجماعات الترابية ...الخ ) من باب العمل الجمعوي وأن تراكم الثروات وتحصن المكتسبات وتحصل على الحصانة المطلوبة ضد كل أشكال التعسف الاٍجتماعي أو التطاول من هذه الجهة أو تلك ، وأن تنال الاٍحترام والحظوة والمكانة الاٍجتماعية المرموقة ، ما يجعل هذه التجربة ينظر إليها من زاويتين مختلفتين ؛ الزاوية الاٍنتهازية التي تريد أن تسلك نفس الخطوات وأن تبلغ نفس الغايات ، والزاوية التي تذهب في الاٍتجاه السلبي وتحكم على العمل الجمعوي برمته من خلال هذه التجارب المتفرقة حكما قيميا ومعياريا سلبيا .

ثالثا:دور المجتمع المدني في السياسات الاٍجتماعية للدولة

حقق المغرب تطورا نوعيا في دينامية العمل الجمعوي بحيث تنوعت أشكال الإطارات الجمعوية ومنها جمعيات البيئة والأرض وحقوق الاٍنسان والجمعيات الثقافية والرياضية والتنموية والجمعيات التي تنشط في مجال المرأة والطفولة ...الخ ، هذه الدينامية الجمعوية تمارس الضغط على الدولة في سياق الديمقراطية التشاركية أو من خلال الترافع من أجل إقرار سياسات عمومية ملائمة لتطلعاتها ، من الناحية القانونية وحتى على المستوى الواقعي فالمجتمع المدني في المغرب صار شريكا للدولة والجماعات الترابية على المستوى المحلي من حيث المساهمة في صياغة البرامج وخلق المشاريع وإبرام اتفاقيات الشراكة خاصة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا مختلف البرامج الاٍجتماعية للدولة رغم ما يعترض ذلك من عقبات واٍكراهات كثيرة ، وقد تعزز هذا التوجه بعد دعوة الملك محمد السادس من الحسيمة في خطاب الذكرى 19 لاعتلائه العرش إلى إصلاح البرامج الاٍجتماعية وإعادة هيكلتها بشكل شامل وانتقد الملك برامج الدعم والحماية الاٍجتماعية التي ترصد لها عشرات المليارات من الدراهم مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية وتعاني من التداخل وضعف التنسيق فيما بينها وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها .

1تطور السياسات الاجتماعية للدولة في المغرب

تحيل السياسات الاجتماعية إلى تدخل الفاعلين العموميين في المجال الاجتماعي المتعدد المحاور (التعليم – الصحة – التشغيل– السكن...الخ) الحديث عن السياسات الاٍجتماعية سوف يحيلنا على شبكات التضامن الموجودة في المجتمع ومدى تآكل التضامن الآلي لصالح التضامن العقلاني، كما أن الحديث عن هذا الموضوع يطرح أساسا إشكال التحولات التي طرأت على المستوى الكوني وأزمة دولة الرعاية الاجتماعية واتساع الفجوة بين الاٍقتصادي والاٍجتماعي.

اٍتسمت مرحلة التحول التي يشهدها المغرب بهشاشة الاقتصاد المغربي والتقلبات المناخية ما جعل النمو الاقتصادي يعيش حالة ضعف سنوي نتيجة ضعف الناتج الداخلي الخام وضعف الاستثمارات الخاصة والعمومية الحاصل في ميكانيزمات تمويل الاٍقتصاد ومردودية تنافسية الاٍقتصاد الوطني وضعف نجاعة السياسات الضريبية والنقدية، واتسمت هذه المرحلة بإعطاء دفعة جديدة للسياسات الاٍجتماعية في إطار اٍقتصاد السوق والعولمة ولكن بضعف النقاش العمومي حول الاٍجتماعي كما أن العامل الاٍجتماعي رغم دوره الهام ضل مجالا محتكرا من طرف الدولة، ولم تجد طريقة لتصريفه سوى بإيجاد مخرج المجتمع المدني و الجماعات الترابية من خلال آلية الشراكة ومنح مزيد من الاٍختصاصات للجماعات الترابية وتوسيع هامش مبادرة المجتمع المدني.

عرف الخطاب الرسمي حول السياسات الاٍجتماعية تحولا تجاوز المرحلة التي كان فيها الفقر يعتبر " طابو – Tabous ، وصار المسؤولون يعترفون بوجود الفقر وصارت السلطات العمومية المغربية تتحدث بوضوح عن الفقر والإقصاء ( الخطب الملكية ) بعد أن كان موضوع الفقر حكرا على المعارضة السياسية ، ويدل هذا على الاٍرادوية السياسية للسلطة التي اٍبتدأت مع نهاية عهد الملك الراحل الحسن الثاني وبداية عهد الملك محمد السادس في سنة 1999 ، بحيث برزت بقوة إرادة الدولة في الاٍهتمام بالمسألة الاٍجتماعية ، من خلال تأسيس العديد من المؤسسات العمومية لتي تشتغل في المجال الاٍجتماعي مثل وكالة التنمية الاجتماعية من أجل محاربة الفقر وفك العزلة عن العالم القروي في سنة 1999 ، وكذا مديرية الاٍقتصاد الاٍجتماعي كإطار لإنعاش الاٍقتصاد التعاوني سنة 2002 ، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن من أجل النهوض بأوضاع الفقراء ومحدودي الدخل ومساعدتهم سنة 1999، وكذا بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005  والتي تتضمن برامج محاربة الفقر والهشاشة و التنمية المجالية ومقاربة النوع الاٍجتماعي ، وفي خضم هذه الدينامية انطلقت مشاريع الاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني. [39]

تزاول المناطق القروية المغربية [40]زراعة معاشية تقليدية تعتمد على بعض المنتوجات المحلية مثل الذرة والشعير والخضراوات وثمار الأشجار مثل زيت الزيتون الجوز واللوز والتين والتين الشوكي وثمار شجر الأركان وبعض المنتوجات الحيوانية مثل الزبدة والحليب المتأتية من تربية الماشية ..الخ ، هذه الزراعة لا تلبي غالبا احتياجات السكان ولا تمكننهم من اقتناء جميع ضروريات العيش ، لأن قيمتها التبادلية تخضع لتقلبات السوق المحلية ، وكذا للعوامل المناخية والظروف الاجتماعية ، بحيث يغطي السكان حاجتهم إلى الموارد المالية سواء بواسطة الهجرة الداخلية نحو مدن مراكش أو الدار البيضاء أو طنجة أو تحويلات التي تأتيهم من أبنائهم و عائلاتهم في بلدان المهجر ( أوروبا وأمريكا في الغالب ) كما أن الرواج المحلي يبلغ ذروته في فصل الصيف مع عودة أبناء الجالية القاطنين بالخارج إلى قراهم ، غير أن هذا المعطى الاٍقتصادي طرأ عليه تغير ابتداء من سنة 2010 بسبب الأزمة الاٍقتصادية العالمية ، بحيث لم يعد هؤلاء يتوافدون بنفس الوثيرة والعدد على قراهم خاصة الجيل الثالث والرابع الذي ولد وترعرع في بلاد المهجر ، هؤلاء صاروا يفضلون قضاء العطلة الصيفية في المدن ، كما أن الجيل الأول الذي هاجر إلى أوروبا في الستينيات والذي كان يعول عليه لخلق الرواج الاٍقتصادي صار أعدادهم في تتناقص بسبب الوفاة وهجرة معظمهم للقرى التي ينحدرون بسبب ما صارت يوفره الاٍستقرار بالمدن من وسائل الراحة والقرب من المصحات والصيدليات بسبب تقدمهم في السن وضعف مستوى الرعاية الصحية في القرى ، مما أثر على البنية الاقتصادية المحلية التي كانت تعتمد في السابق على موارد الزراعة المعاشية وموارد الهجرة وتحويلات أبناء الجالية ومع توالي سنوات الجفاف وقلة الموارد المائية صار الناس يفكرون في الهجرة بشكل جماعي نحو المدن مشكلين أحزمة الفقر بضواحيها ، ورغم أن الدولة تفطنت لهذا الأمر وسارعت بتجهيز العالم القروي بالكهرباء والماء والطرق ، غير أنها تأخرت كثيرا ، لأن المشكل المطروح بحدة والذي لم تتفطن له الدولة مبكرا هو ندرة الموارد وغياب فرص التشغيل بالبادية بفعل تقادم الهياكل الزراعية التي تعتمد في الغالب على مياه الأمطار ، و تحاول الدولة في الآونة الأخيرة أن تحد من هذه الظاهرة وأن تجد حلا لهذه المعضلة في إطار برامج الأمم المتحدة الإنمائية وكذلك من خلال مساعدات الجهات الدولية المانحة مثل الاٍتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي للإعمار والتنمية على إعادة الاٍعتبار لتلك المنتوجات المحلية وذلك بالعمل على خلق تعاونيات الاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني.

2-مفهوم الاقتصاد الاٍجتماعي والتضامني

ظهر الاقتصاد الاٍجتماعي والتضامني كاقتصاد محلي يسعى لتنمية الأنشطة التي تتم بخاصية القرب – Proximité  والتي تستجيب لحاجيات شريحة محددة من المواطنين وتسمح بخلق فرص الشغل على المستوى المحلي خاصة في ظل التحولات التي يعرفها العالم ودول العالم الثالث ومنها المغرب، والمرتبطة بانهيار الأيديولوجية الاٍشتراكية وظهور أزمة دولة الرعاية الاٍجتماعية على خلفية بروز الليبرالية الجديدة ، وفي ظل هذه التحولات برزت الحاجة إلى خلق تنظيمات محلية تتولى القيام بالأنشط الاٍقتصادية المدرة للدخل من أجل إنماء الدخل الفردي والأسري وخلق الرواج الاٍقتصادي في القرى من أجل خدمة أهداف التنمية المستدامة  ودعم اٍستقرار الأسر القروية والحد من نزيف الهجرة الداخلية نحو المدن ، ويرتبط الاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني بثقافة التشغيل الذاتي والمقاولة الفردية تجاه أزمة التشغيل في الاٍقتصاد الرأسمالي .

يسمح هذا النوع من الاٍقتصاد الاٍجتماعي للفلاحين في القرى بإعادة تثمين المنتوجات المحلية وتوجيها نحو التسويق المحلي والوطني والمعارض الدولية، من أجل خلق قيمة مضافة وجلب الموارد المالية المساعدة على توفير العيش الكريم للفئات الفقيرة والهشة وخلق فرص الشغل وتشجيع الأسر على الاٍستقرار في البادية، وذلك من شأنه أن يخلق دينامية اٍقتصادية جديدة وتضامن اٍجتماعي جديد بالقرى خاصة من خلال تغيير نظرة وتمثل السكان للثروة المحلية والاٍنطلاق مما هو محلي لتحقيق التنمية المستدامة وتحرير الإمكان البشري.[41]

يرى بعض الباحثين أن الاٍقتصاد التضامني ما هو إلا عملية لإعادة تضميد جراح الرأسمالية واحتواء العولمة المتوحشة وذلك لأن العائد المالي لهذه الأنشطة الاٍقتصادية المحلية محدود جدا ، ولا يخلق قيمة مضافة جديرة بالتقدير كما أن هذا النوع من النشاط الاٍقتصادي المحلي تواجهه معضلات وتحديات كثيرة تتمثل في مشكل التسويق والعرض ، كما أن أثمنه هذه المنتوجات المصنعة مرتفعة نوعا ما مقارنة بأثمنتها الحقيقية خاصة في ظل أزمة القدرة الشرائية وكذلك في ظل التفكك التدريجي الذي تعرفه الشبكات التقليدية للتضامن الاٍجتماعي من جهة وأزمة الأنظمة الوطنية للحماية الاٍجتماعية من جهة أخرى ، بحيث أن اعتبار الاٍقتصاد التضامني نسقا اٍقتصاديا بديلا لتحقيق الإقلاع المنتظر يحتاج إلى كثير من الدعامات الاٍقتصادية على المستوى المحلي والوطني ولا يقوم مقام الاٍقتصاد الصناعي الذي يمتلك قوة تنافسية وجاذبية اٍستهلاكية كبيرة ومن شأنه أن يخلق ثروة وطنية ومحلية كبيرة جدا وأن يخلق فرص الشغل اللازمة.[42]

1-      معيقات قيام اٍقتصاد " من أسفل " وأزمة بنيات الإنتاج

يعتمد الاٍقتصاد التضامني والاٍجتماعي على فكرة الاٍقتصاد " من أسفل " ويترجم هذا النمط الاٍقتصادي فشل النهج النيوليبرالي الذي لم يؤدي إلى توسيع مصادر الثروة الاٍقتصادية واٍلى إرساء قواعد اٍجتماعية للاٍنتقال الديمقراطي خاصة وكون الاٍقتصاد " من أسفل " لا ينتج الثروة بالكمية التي ستجعل الإقلاع الاٍقتصادي والاٍجتماعي ممكنا ضمن المنظور القريب، و إنما يقوم خاصة في ظل أزمة ندرة الموارد وضعف الاٍقتصاد المحلي والوطني بتأجيل أشكال التدهور الاٍقتصادي التي خلفتها العولمة الاٍقتصادية ، ليست هناك ثروة ذات قيمة تبادلية كبيرة من شأنها أن تخلق قيمة مضافة اٍقتصادية عدا المنتوجات الفلاحية المحلية الموجهة أساسا للاٍستهلاك المحلي، ليست هناك اٍستثمارات كبيرة قادرة على تغيير معالم القرى وخلق تنمية مستدامة وتغيير مستوى عيش السكان وتطوير مستوى اٍستهلاكهم وتغيير مستواهم الثقافي وتمثلانهم لذاتهم ولمحيطهم ، الاٍقتصاد التضامني لا يخلق ثروة من شأنها أن تخلق تنمية مستدامة حقيقية  وإنشاء المشروعات الكبرى المنتظرة  مثل الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات ومراكز التكوين وبالأخص خلق فرص الشغل للعاطلين .

واٍلى جانب ذلك ، يعاني الاٍقتصاد التضامني من اٍكراهات كثيرة منها ما هو متعلق بالفاعلين ومنها ما هو متعلق بمحدودية الموارد المالية ومنها ما هو متعلق بصعوبات الحصول على الأوعية العقارية، ومنها ما هو متعلق بتسويق المنتوجات؛ فيما يخص الفئة الأولى من الصعوبات والمتعلقة بالفاعلين، فإنها تطرح إشكالات كثيرة ومتعددة ومتنوعة، وعندما نتحدث عن الفاعلين فالحديث يشمل كل الفاعلين الذين تربطهم علاقات من مستويات مختلفة مع هذا النوع من الاٍقتصاد ، سواء الفاعلون التعاونيون أنفسهم  ؛( الجمعيات و التعاونيات العاملة في هذا الصنف من الاٍقتصاد ) أنفسهم أو الرسميون مثل الدولة والجماعات الترابية أو غير الرسميون مثل القطاع الخاص والمجتمع المدني ، بحيث تطرح العلاقة معهم عدة إشكالات قانونية وإدارية وثقافية وسلوكية أيضا ومدى استعدادهم للتعامل مع هذا النمط الإنتاجي وفق نفس المنطق الذي يتعاملون به مع الاٍقتصاد الربحي والإنتاجي والتنافسي ، فالاٍقتصاد التضامني واٍن كان يندرج ضمن الإستراتيجية الاٍجتماعية الجديدة للدولة إلا أنه يضل غائبا عن البرامج الاٍقتصادية لهذه الأخيرة بما هي برامج تنتمي للمجال الاٍقتصادي الإنتاجي، حتى واٍن كان هناك قطاع حكومي يولي أهمية لهذا النوع من الاٍقتصاد غير الإنتاجي ولديه إستراتيجية قطاعية للنهوض بالاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني ، [43]غير أن تنزيلها يواجه عدة صعوبات ،و في المقابل لا نكاد نعثر على أي فصل موازني مخصص لدعم هذا النمط الاٍقتصادي في قانون المالية ، وفيما يخص الفئة الثانية من الصعوبات التي يعاني منها الاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني فهي تتعلق بمحدودية الموارد المالية بحيث لم ينص المشرع صراحة على موارد الفاعلين في هذا النمط الاٍقتصادي غير المساعدات المتأتية من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار برامج منصات الشباب أو برامج محاربة الفقر والهشاشة أو برامج التقليص من الفوارق المجالية ، مع أن مساطر الحصول على التمويلات الضرورية منها وطرق صرفها طويلة وتحتاج إلى تعبئة عدة شركاء، أو الموارد المتأتية من تسويق المنتجات وهذه الأخيرة تعرف عدة صعوبات وعراقيل خاصة غياب دعامات التسويق وضعف الاٍمكانيات المتوفرة لدى الجمعيات والتعاونيات وصعوبة الولوج إلى الأسواق المحلية والعالمية ، وفيما يخص الفئة الثالثة من الصعوبات فتتعلق بصعوبة الحصول على الأوعية العقارية خاصة بالنسبة للتعاونيات الفلاحية ، بحيث تتكون أغلب الأوعية العقارية المتواجدة بالقرى والمدارات الحضرية إما إلى أراضي الجماعات السلالية أو أراضي الملك الخاص للدولة ؛ وهذين الصنفين من العقارات تحيط بمسألة تملكهما إجراءات مسطرية طويلة جدا ومعقدة .

خاتمة:

اٍرتبط المجتمع المدني في الأدبيات السياسية دائما بمقاومة السلطة والطغيان والاٍستبداد (الحكومة المدنية لجون لوك)، والمجتمع المدني هو في الأصل حاجة إنسانية وليست اٍرادوية، وهدف المجتمع المدني هو مقاومة الإغراءات المتعددة (إغراءات السلطة – المال – استدراج المنظمات الدولية ...الخ)، والشرط الأساسي للمجتمع المدني هو الحرية، فهل اٍتسم سياق بروز المجتمع المدني في المغرب بالاٍنضباط لهذه الأدبيات؟ وهل يوجد حقا مجتمع مدني في المغرب؟

من المعلوم أن بروز المجتمع المدني أو الجمعيات بالمغرب أتى في سياق متلاطم من التغيرات والتحولات الجذرية على المستوى الاٍقتصادي والاٍجتماعي والثقافي، فبروز الجمعيات من الناحية الاٍقتصادية كان مرتبطا بالأجندة النيوليبرالية والتي هدفها هو تحقيق الاٍستقرار خدمة للرأسمال، فهل كان المجتمع المدني حاجة اٍجتماعية في المغرب؟

المجتمع المدني أو العمل الجمعوي بالمغرب يعرف خللا وظيفيا بتعبير روبرت ميرتون – Robert Merton ، بحيث تحول من باحث عن المصلحة العامة إلى نشدان المصلحة الفردية، كما أن الاٍرادوية التي تم بها  " إقحام " المجتمع المدني أو الجمعيات كفاعل في السياسات العمومية الترابية أثرت على جودة ونوعية هذه السياسات والمشاريع الناتجة عنها  وكذا طريقة تدخله في أجرأة الفعل العمومي الترابي ، وتنزيل السياسات الترابية ، بحيث لا ينطلق هذا التدخل من الأسفل بل هو عبارة عن قرارات تأتي من الأعلى في شكل برامج  ومشاريع أريد لها أن تصاغ من أسفل وهي في الحقيقة صيغت على مستوى المركز وليس على مستوى التراب.

لائحة المراجع:

القوانين

1- ظهير شريف رقم 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات مع التعديلات التي لحقته وآخر تعديل كان سنة 2011.

2- القانون 75.00 المتعلق بتأسيس الجمعيات والقانون التنظيمي 29.11 المتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية.

3-القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، و

4- المرسوم رقم 2.16.773 المحدد لتأليف لجنة العرائض واختصاصاتها وكيفيات سيرها، والقانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع.

5- القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والمرسوم رقم 2.16.773 المحدد لتأليف لجنة العرائض واختصاصاتها وكيفيات سيرها، 6- القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع.

7- القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض للسلطات العمومية الذي بدأ العمل به سنة 2016المعدل للقانون التنظيمي رقم 70.21 الصادر في الجريدة الرسمية عدد7021 بتاريخ 13 شتنبر 2021،.

8- القانون التنظيمي 71.21، متضمناً مقتضيات تعديلية جديدة للقانون رقم 64.14 .

9-المادة 92 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بمنح الدعم للجمعيات من طرف الجماعات الترابية.

10-مذكرة وزير الداخلية عدد D 2185 بتاريخ 05 ابريل 2018 ، لاحظ وزير الداخلية أن الجماعات الترابية لا تحترم المقتضيات القانونية المنظمة للدعم ، وأشار إلى الشكايات التي ترد على الوزارة من طرف الجمعيات بهذا الخصوص وطلب من الجماعات الترابية احترام المقتضيات القانونية المنظمة لدعم الجمعيات .

 

3-      الكتب

1-حجاجي محمد -مساهمة المجتمع المدني في تعزيز البناء الديمقراطي –– سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية – العدد 3 – منشورات مجلة العلوم القانونية – سنة 2015 – ص 52.

2-حسني محمد يحيى– مفهوم المجتمع المدني لدى أنطونيو غرامشي من خلال كراسات السجن، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاٍقتصادية، السنة 2017، ص 81.

3-غرامشي أنطونيو – Gramsci Antonio  كراسات السجن ، دار المستقبل العربي ، القاهرة ، السنة 1994 ، ص 223.

4-بدر الدين مصطفى أحمد –هيجل: عن الدولة العقلانية والمجتمع المدني – موقع مؤمنون بلا حدود – 17 مارس 2017- الرابط : https://www.mominoun.com-تاريخ الاٍطلاع 30/11/2021 ، الساعة 10 س 15 دقيقة.

5-هيجل حورج فيلهلم فريديريك –Hegel George Wilhelm Friedrich -فلسفة الحق (المجلد الأول) – دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2007، ص 146.

6-لوك جون–Lock  John-الحكومة المدنية –، مطابع شركة الإعلانات الشرقية، السنة غير محددة، الصفحة 72. روسو جون جاك –Rousseau Jean Jack، العقد الاٍجتماعي، مؤسسة هنداوي للتعليم والنشر، سنة 2013، ص 43.

7-بشارة عزمي – المجتمع المدني دراسة نقدية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – يناير 2012 – ص 58.

8-سوسن عبد الوهاب -المتغير التنظيمي للمؤسسة في ظل الاقتصاد التعاوني والتضامني – مفهوم المؤسسة المتحررة – مؤلف جماعي تحت عنوان: الاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني ورهانات التنمية العادلة – طبع مؤسسة هانس كيدل – منشورات مركز تكامل – درا العرفان اكادير – السنة 2020 الصفحة 11.

4-      المقالات

1-مروان حسن – المجتمع المدني من المفهوم الى الممارسة – مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل – العدد الأول أكتوبر 2019 – ص 131

2-حمد اويجميل -المجتمع المدني أساس التنمية البشرية في العالم العربي –– مجلة الفرقان – العدد 74 السنة 2014 – ص 19

3-طلابي محمد -المجتمع المدني بين الدولة العميقة والمجتمع العميق –– مجلة الفرقان – العدد 74 السنة 2014 – ص

4-ساعف عبد الله – أحاديث في السياسة المغربية – مجلة كتاب الجيب – العدد 33 – منشورات الزمن – السنة   2002130..

5-شحادة حسام -المجتمع المدني -– سلسلة التربية المدنية 6 – بيت المواطن للنشر والتوزيع – دمشق سورية – الطبعة الأولى 2015 – ص 16

6-طارق حسن –تاريخ السياسات الاجتماعية بالمغرب، محاولة في التحقيب – مجلة فكر العلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية – العدد 3 سنة 2014 – ص 125

7-جرموني -رشيد -المجتمع المدني بين السباق الكوني والتجربة المغربية –– مجلة الفرقان – العدد74 السنة 2014 – ص 27

8-ساعف عبد الله– أحاديث في السياسة المغربية – مجلة كتاب الجيب – العدد 33 – منشورات الزمن – السنة   2002130

5-      التقارير

1-المغرب الممكن – إسهام في النقاش العام من اجل طموح مشترك – تقرير الخمسينية – مطبعة دار النشر المغربية – السنة 2006- ص 47

6-      المواقع الاٍلكترونية

1- عبد الله ساعف المفكر المغربي الذي يكشف عن هوية المجتمع والدولة -الخميس 2019/09/19الموقع الالكتروني : العرب، الرابط:https://alarab.co.uk– تاريخ الاٍطلاع: 21/11/2021

2- صابر مولاي عبد الصمد – تطور علاقة المجتمع المدني بالدولة: صراع واحتواء أم تفاعل وشراكة؟ المجتمع المدني المغربي أنموذجا. – مجلة مؤمنون بلا حدود – 26 يوليوز 2016 – ص 15–الرابط: - https://www.mominoun.com/pdf1/2016-06/mmadanni.pdf – تاريخ الاٍطلاع: 17/11/2021 – على الساعة 15 س 30 دقيقة.

3- لمحامد المهدي –القضية الأنثروبولوجيا عند عبد اللهّ حمودي :قراءة نقدية في راهن ورهانات الأنثروبولوجيا العربية من  خلال كتاب حمودي : المسافة والتحليل في صياغة أنثروبولوجيا عربية– مركز ابن خلدون للعلوم الاٍنسانية والاٍجتماعية – دار نشر جامعة قطر – 2019 – الرابط : https://journals.qu.edu.qa/index.php/tajseer/article/view/1368/867- تاريخ الاٍطلاع : 17/11/2021 – على الساعة : 15 س 45 دقيقة.

4-بوابة الكترونية لتلقي الملتمسات والعرائض من قبل المواطنين-الرابط :www.eparticipation.ma– تاريخ الاٍطلاع: 20/11/2021 – على الساعة 12 س و25 دقيقة.

5-موقع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان -البوابة الوطنية للمشاركة المواطنة –الرابط : https://www.eparticipation.ma/espace/liste_petitions/motion - تاريخ الاٍطلاع 15/11/2021 -على الساعة 15 س 30 دقيقة

6- اليملولي رشيد - إشكالية المجتمع المدني في المغرب– موقع جدلية نيوز – مجلة اٍلكترونية –– أنظر الرابط أدناه :

https://www.jadaliyya.com/Details/3134- تاريخ الاٍطلاع: 18-03-2021 -على الساعة 10 س 50 دقيقة.

7- بكتي الطاهر -الاٍقتصاد التضامني إعادة اختراع الرأسمالية أم تضميد لجراحها؟  مركز تكامل للدراسات والأبحاث – السنة   202131-الرابط: https://www.takamoul.org/wp -content/uploads/2021/07/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86%D9%8A-%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D8%B6%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D8%AC%D8%B1%D9%88%D8%AD%D9%87%D8%A7%D8%9F.pdf

8-إستراتيجية وبرنامج عمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب 2018-2028– مواقع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني.https://mtataes.gov.ma -/-تاريخ الاٍطلاع: 17/11/2021 على الساعة: 11 س 30 دقيقة.

 

 الهوامش

 



[1] - ظهير شريف رقم 1.58.376 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات مع التعديلات التي لحقته وآخر تعديل كان سنة 2011.

[2] - حجاجي محمد -مساهمة المجتمع المدني في تعزيز البناء الديمقراطي –– سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية – العدد 3 – منشورات مجلة العلوم القانونية – سنة 2015 – ص 52.

[3] - اٍنضم المغرب اٍلى منظمة التجارة العالمية من خلال توقيعه على الاٍتفاقية المتعلقة بهذه المنظمة الدولية بمدينة مراكش بتاريخ 15 أبريل 1994، كما وقّع اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة في يوم 15 يونيو 2004، ودخلت حيز النفاذ في 1 يناير 2006.

[4]  - حسني محمد يحيى– مفهوم المجتمع المدني لدى أنطونيو غرامشي من خلال كراسات السجن، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاٍقتصادية، السنة 2017، ص 81.

[5]  - هذا المفهوم " الديمقراطية الجمهورية " وظفه أنطونيو غرامشي في كتابه : " كراسات السجن " خاصة في فصل المجتمع المدني ؛ ويعني به الدولة التي تضم نظاما جمهوريا ديمقراطيا ، وهو عكس الأنظمة الجمهورية الفاشية أو الشمولية .

[6] - غرامشي أنطونيو – Gramsci Antonio  كراسات السجن ، دار المستقبل العربي ، القاهرة ، السنة 1994 ، ص 223.

[7]  - بدر الدين مصطفى أحمد –هيجل: عن الدولة العقلانية والمجتمع المدني – موقع مؤمنون بلا حدود – 17 مارس 2017- الرابط : https://www.mominoun.com-تاريخ الاٍطلاع 30/11/2021 ، الساعة 10 س 15 دقيقة.

[8]  - هيجل حورج فيلهلم فريديريك –Hegel George Wilhelm Friedrich - فلسفة الحق (المجلد الأول) – دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2007، ص 146.

[9]  - نفس المرجع أعلاه.

[10]  - لوك جون–Lock John-الحكومة المدنية –، مطابع شركة الإعلانات الشرقية، السنة غير محددة، الصفحة 72. روسو جون جاك –Rousseau Jean Jack، العقد الاٍجتماعي، مؤسسة هنداوي للتعليم والنشر، سنة 2013، ص 43.

[11]  - بشارة عزمي – المجتمع المدني دراسة نقدية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – يناير 2012 – ص 58.

 

[12]  - عبد الله ساعف المفكر المغربي الذي يكشف عن هوية المجتمع والدولة -الخميس 2019/09/19الموقع الالكتروني : العرب، الرابط:https://alarab.co.uk– تاريخ الاٍطلاع: 21/11/2021

[13]  - مروان حسن – المجتمع المدني من المفهوم الى الممارسة – مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل – العدد الأول أكتوبر 2019 – ص 131

[14]  - صابر مولاي عبد الصمد – تطور علاقة المجتمع المدني بالدولة: صراع واحتواء أم تفاعل وشراكة؟ المجتمع المدني المغربي أنموذجا. – مجلة مؤمنون بلا حدود – 26 يوليوز 2016 – ص 15–الرابط: -https://www.mominoun.com/pdf1/2016-06/mmadanni.pdf– تاريخ الاٍطلاع: 17/11/2021 – على الساعة 15 س 30 دقيقة.

[15]  - لمحامد المهدي –القضية الأنثروبولوجيا عند عبد اللهّ حمودي :قراءة نقدية في راهن ورهانات الأنثروبولوجيا العربية من  خلال كتاب حمودي : المسافة والتحليل في صياغة أنثروبولوجيا عربية– مركز ابن خلدون للعلوم الاٍنسانية والاٍجتماعية – دار نشر جامعة قطر – 2019 – الرابط : https://journals.qu.edu.qa/index.php/tajseer/article/view/1368/867-تاريخ الاٍطلاع : 17/11/2021 – على الساعة : 15 س 45 دقيقة.

[16]  - القانون 75.00 المتعلق بتأسيس الجمعيات والقانون التنظيمي 29.11 المتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية.

[17]  - حمدا ويجميل -المجتمع المدني أساس التنمية البشرية في العالم العربي –– مجلة الفرقان – العدد 74 السنة 2014 – ص 19

[18]  - جرموني -رشيد -المجتمع المدني بين السباق الكوني والتجربة المغربية –– مجلة الفرقان – العدد74 السنة 2014 – ص 27

[19]  - شحادة حسام -المجتمع المدني -– سلسلة التربية المدنية 6 – بيت المواطن للنشر والتوزيع – دمشق سورية – الطبعة الأولى 2015 – ص 16

[20]  - التشخيص الميداني شمل جمعيات المجتمع المدني خاصة بإقليم تارودانت، جهة سوس ماسة.

[21]  - طلابي محمد -المجتمع المدني بين الدولة العميقة والمجتمع العميق –– مجلة الفرقان – العدد 74 السنة 2014 – ص12

[22]  - ساعف عبد الله– أحاديث في السياسة المغربية – مجلة كتاب الجيب – العدد 33 – منشورات الزمن – السنة   2002130

 

[23]  -  نفس المرجع السابق ص 57.

[24]  -  أغلب الجمعيات  التي أسست في العالم القروي  في التسعينيات تمت بإيعاز من ممثلي السلطة المحلية ( القواد  ) وذلك من اجل خلق دينامية العمل الجمعوي في القرى ، وذلك في إطار تنفيذ توصية البنك الدولي بضرورة إشراك الجمعيات في التنمية المحلية.

[25]  - القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والمرسوم رقم 2.16.773 المحدد لتأليف لجنة العرائض واختصاصاتها وكيفيات سيرها، والقانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع.

[26] -  فتحت حكومة سعد الدين العثماني في سنة 2018 بوابة الكترونية لتلقي الملتمسات والعرائض من قبل المواطنين-الرابط: :  https://www.eparticipation.ma/fr- تاريخ الاٍطلاع: 20/11/2021 – على الساعة 12 س و25 دقيقة

[27]  - القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والمرسوم رقم 2.16.773 المحدد لتأليف لجنة العرائض واختصاصاتها وكيفيات سيرها، والقانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم الملتمسات في مجال التشريع.

[28]  - موقع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان -البوابة الوطنية للمشاركة المواطنة –الرابط : https://www.eparticipation.ma/espace/liste_petitions/motion - تاريخ الاٍطلاع 15/11/2021 -على الساعة 15 س 30 دقيقة

[29]  - القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض للسلطات العمومية الذي بدأ العمل به سنة 2016المعدل للقانون التنظيمي رقم 70.21 الصادر في الجريدة الرسمية عدد7021 بتاريخ 13 شتنبر 2021،بموجبه أصبح عدد التوقيعات المطلوبة لتقديم العريضة للسلطات العمومية محدداً في 4000 عوض 5000 المعمول به سابقاً، هذه المقتضيات القانونية التي دخلت حيز التنفيذ تقضي بتخفيف شروط تقديم العرائض في مجال التشريع بالمغرب وأصبح مفهوم العريضة بموجب القانون الجديد يشمل كل طلب مكتوب على دعامة ورقية أو إلكترونية، كما فتح المجال لتقديمها عبر بوابة إلكترونية تحدث لهذا الغرض لدى السلطة العمومية المعنية.

أما فيما يخص تقديم الملتمسات في مجال التشريع فقد صدر بخصوصه القانون التنظيمي 71.21، متضمناً مقتضيات تعديلية جديدة للقانون رقم 64.14 المعمول به منذ خمس سنوات وينص القانون الجديد على أن الملتمس يجب أن يكون مدعماً على الأقل بتوقيع 20 ألف شخص عوض 25 ألفا المعمول به في السابق، كما يشمل أيضاً مقتضيات تدعم التقديم عبر دعامة إلكترونية.وتأتي هذه التعديلات في ظل ضعف الإقبال من طرف المواطنين على هاتين الآليتين اللتين جاء بهما دستور 2011، وذلك بسبب الشروط والمساطر المطلوب

[30]- التشخيص  الميداني شمل جمعيات المجتمع المدني خاصة بإقليم تارودانت.

[31] - المغرب الممكن – إسهام في النقاش العام من اجل طموح مشترك – تقرير الخمسينية – مطبعة دار النشر المغربية – السنة 2006- ص 47


[32]  - التشخيص  الميداني شمل جمعيات المجتمع المدني خاصة بإقليم تارودانت.

[33]  - المادة 92 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بمنح الدعم للجمعيات من طرف الجماعات الترابية.

[34]  - بموجب مذكرة وزير الداخلية عدد D 2185 بتاريخ 05 ابريل 2018 ، لاحظ وزير الداخلية إن الجماعات الترابية لا تحترم المقتضيات القانونية المنظمة للدعم ، وأشار الى الشكايات التي ترد على الوزارة من طرف الجمعيات بهذا الخصوص وطلب من الجماعات الترابية احترام المقتضيات القانونية المنظمة لدعم الجمعيات .

[35]  - اليملولي رشيد - إشكالية المجتمع المدني في المغرب– موقع جدلية نيوز – مجلة اٍلكترونية –– أنظر الرابط أدناه :

https://www.jadaliyya.com/Details/3134- تاريخ الاٍطلاع: 18-03-2021 -على الساعة 10 س 50 دقيقة.

[36]  - ساعف عبد الله – أحاديث في السياسة المغربية – مجلة كتاب الجيب – العدد 33 – منشورات الزمن – السنة   2002130..

[37]  - المغرب الممكن – إسهام في النقاش العام من اجل طموح مشترك – تقرير الخمسينية –مطبعة دار النشر المغربية - السنة 200651

[38]  - طارق حسن –تاريخ السياسات الاجتماعية بالمغرب، محاولة في التحقيب – مجلة فكر العلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية – العدد 3 سنة 2014 – ص 125


[39]  - المغرب الممكن – إسهام في النقاش العام من اجل طموح مشترك – تقرير الخمسينية – مطبعة دار النشر المغربية – السنة 2006- ص 47

[40]  - الحديث هنا عن إقليم تارودانت – جهة سوس – ماسة.

[41]  - سوسن عبد الوهاب -المتغير التنظيمي للمؤسسة في ظل الاقتصاد التعاوني والتضامني – مفهوم المؤسسة المتحررة – مؤلف جماعي تحت عنوان: الاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني ورهانات التنمية العادلة – طبع مؤسسة هانس كيدل – منشورات مركز تكامل – درا العرفان اكادير – السنة 2020 الصفحة 11.

[42]- بكتي الطاهر -الاٍقتصاد التضامني إعادة اختراع الرأسمالية أم تضميد لجراحها؟  مركز تكامل للدراسات والأبحاث – السنة   202131-الرابط: https://www.takamoul.org/wp-content/uploads/2021/07/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86%D9%8A-%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D8%B6%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D8%AC%D8%B1%D9%88%D8%AD%D9%87%D8%A7%D8%9F.pdf

 

[43] - إستراتيجية وبرنامج عمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب 2018-2028– مواقع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاٍقتصاد الاٍجتماعي والتضامني.https://mtataes.gov.ma -/-تاريخ الاٍطلاع: 17/11/2021 على الساعة: 11 س 30 دقيقة.

 

 انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع

‎مدونة المنبر القانوني‎

 

ترسل أعمالكم العلمية (من مقالات وبحوث...) لنشرها على الموقع إلى بريدنا الإلكتروني:

TRIBUNEJURIDIQUE@GMAIL.COM

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة