"جهاز النيابة العامة ما بين مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة والمادتين 8 و9 من قانون المسطرة المدنية" بقلم ذ: ;'ياسين العمراني'، قاض، باحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق فاس

انشرها على:



"جهاز النيابة العامة ما بين مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة والمادتين 8 و9 من قانون المسطرة المدنية"

بقلم ذ: "ياسين العمراني"

قاض

باحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق فاس  

      اختلفت وتنوعت الآراء حول الطبيعة القانونية لتدخل جهاز النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة منذ أن دخلت هذه الأخيرة حيز الوجود وذلك على ضوء التعارض الحاصل بين مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة التي نصت على أنه :<< تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة >> وبين مقتضيات الفصلين 8 و 9 من قانون المسطرة المدنية المعدل بمقتضى القانون رقم 03-72 والذين يعتبران أن جهاز النيابة العامة طرفا منضما في جميع القضايا المتعلقة بالأسرة، إذ جاء في الفصل الثامن أعلاه على أنه :<< تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها ....>>؛ فيما حدد الفصل 9 القضايا التي يجب تبليغها للنيابة العامة والتي من بينها القضايا المتعلقة بالأسرة وذلك حين نص على أنه << يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:...
2 ـ القضايا المتعلقة بالأسرة.... >>.
      فأمام هذا التعارض الحاصل بين مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة و والفصلين 8 و9 من قانون المسطرة المدنية برزت مجموعة من الآراء المتباينة في تحديدها للطبيعة القانونية لتدخل النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة، فالبعض اعتبر النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا مدونة الأسرة (أولا) والآخر اعتبرها طرفا منضما (ثانيا) وبين هذا وذاك، برز من يقول بازدواجية الطبيعة القانونية لتدخل النيابة العامة في هذه القضايا(ثالثا)
أولا : النيابة العامة طرف رئيسي في قضايا مدونة الأسرة:
     يرى جانب من الفقه أن جهاز النيابة العامة يعتبر طرفا رئيسيا في جميع قضايا مدونة الأسرة مستندا على حرفية نص المادة 3 من مدونة الأسرة ﴿[1]﴾؛ مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية من قبيل إلزامية حضور النيابة العامة في جميع جلسات قضايا مدونة الأسرة وإبدائها للرأي إلى جانب طرفي الدعوى؛ هذا فضلا عن أحقيتها في إقامة جميع الدعاوى المرتبطة بقضايا مدونة الأسرة باعتبارها طرفا مدعيا أو تكون طرفا مدعى عليه وذلك حين تقام هذه الدعاوى في مواجهتها كما أن لها أن تستعمل كافة أوجه الطعن؛ ولها أن تتدخل تلقائيا في كل القضايا التي تراها ملائمة ﴿[2]﴾...إذ كلما بلغ إلى علمها أو تم إطلاعها على ما يخالف أحكام المدونة أوما يتعارض مع النظام العام إلا وتعين عليها أن تتقدم بالطلبات الضرورية لاستصدار القرارات التي يتطلبها الموقف والحال تبعا لذلك ﴿[3]﴾ فهي إذن تتدخل كمدعية وكمدعى عليها في كل القضايا الرامية إلى تطبيق المدونة؛ ولها أن تستعمل كل طرق الطعن التي يخولها القانون؛ باستثناء التعرض ﴿[4]
     وهذا الاتجاه هو نفسه الذي تبناه واضعوا الدليل العملي لمدونة الأسرة؛ حين اعتبروا أن النيابة العامة طرف أصلي ولكن في نفس الوقت اعتبروا أن حضورها في الجلسات غير إلزامي إذ بإمكانها أن تدلي بمستنتجاتها في كل ملف دون أن تحضر؛ وهكذا جاء في الدليل العملي لمدونة الأسرة ما يلي: << جاءت المادة 3 بمقتضى جديد أصبحت معه النيابة العامة طرفا أصليا أي رئيسيا في جميع القضايا, بعد أن لم يكن لها هذا الدور والصفة في مدونة الأحوال الشخصية .
     ويتعين على النيابة العامة أن تقدم مستنتجاتها في كل ملف كلما تعذر حضورها مادام أن المشرع لم يرتب بطلانا عن عدم حضورها في غير الجلسات الجنائية طبقا للمادتين 4 و7 من ظهير التنظيم القضائي >>﴿[5]﴾.
      هذا وفي نفس الاتجاه يضيف البعض أن النيابة العامة أصبحت بمقتضى المادة الثالثة من مدونة الأسرة طرفا أصليا في جميع قضايا الأسرة باعتبار أن مدونة الأسرة قانون خاص وأن المادة التاسعة من ظهير المسطرة المدنية ماجاءت إلا لتؤكد ذلك.﴿[6]
     غير أن ما يعاب على هذا الاتجاه: 

   1- : أن اعتباره جهاز النيابة العامة طرفا رئيسيا في جميع قضايا مدونة الأسرة؛ يترتب عنه بالمحصلة تخويلها صفة الخصم باعتبارها مدعية أو مدعى عليها؛ أي أحقيتها في رفع جميع الدعاوى المنصوص عليها في مدونة الأسرة بشكل مستقل عن باقي الأطراف؛ وكذا أحقيتها في الطعن بالنسبة لجميع الأحكام الصادرة بهذا الصدد؛ والحال أن ذلك غير ممكن لا من الناحية القانونية أو الواقعية:
     فالنيابة العامة لا تكون دائما مدعية أو مدعى عليها في إطار قضايا مدونة الأسرة و بالثالي لا يمكن تصورها كطرف أصلي في جميع قضايا مدونة الأسرة؛ إذ كيف لهذه الأخيرة أن تتقدم بطلب الطلاق أو التطليق أو النفقة أو الرجوع لبيت الزوجية بشكل مستقل ودون أن يكون أحد الزوجين هو من قام برفع هذه الدعاوى ؟ وكيف يمكن للنيابة العامة أن تضع يدها على مثل هذه النزاعات التي يكاد يقتصر العلم بحصولها على الزوجين ؟و كيف يمكن تفسير تدخل جهاز النيابة العامة في إطار المادة 53 المتعلقة بإرجاع المطرود لبيت الزوجية ؟﴿[7]﴾ هذا فضلا عن أن للنيابة العامة أدوارا أخرى في مدونة الأسرة تتدخل من خلالها دون أن تكون طرفا أصليا وذلك من خلال تكليفها بالقيام ببعض الإجراءات بهدف تطبيق نصوص المدونة أو اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير للمحافظة على الأسرة أو مساعدة المحكمة في تجهيز بعض القضايا والسهر على تنفيذ الأحكام القضائية وكذا السهر على التبليغ...وفق ما نصت عليه المواد: 43 و68 و 103 و 105و141 و 147 من مدونة الأسرة.
      أما بخصوص حق النيابة العامة في ممارسة الطعون ضد جميع الأحكام الصادرة في قضايا مدونة الأسرة حتى وإن لم يتمسك أحد الأطراف بها؛ فهو أمر غير مقبول قانونا, إذ كيف يمكن لهذه الأخيرة الطعن بالاستئناف في الحكم الصادر بالطلاق أو التطليق في شقه المتعلق بالمستحقات المحكوم بها لفائدة الزوجة والحال أن هذه الأخيرة راضية بالمبلغ المحكوم لها كمستحقات ولم تقم بالطعن في الحكم ؟﴿[8]﴾ 

     2-: كما أن القول باعتبار النيابة العامة طرفا رئيسيا في جميع قضايا مدونة الأسرة يترتب عنه إلزامية حضورها في الجلسات؛ وهو الأمر غير الملموس عمليا ذلك أن النيابة العامة تتولى فقط تقديم مستنتجات كتابية في الموضوع دون أن تكلف نفسها عناء الحضور للجلسات؛ على أنه تجدر الإشارة إلى أن سبب عدم حضور النيابة العامة للجلسات يرجع بالأساس لعدم كفاية عدد قضاة النيابة العامة لاسيما في المحاكم التي تعاني من الخصاص في عدد قضاة النيابة العامة وذلك خلافا للرأي القائل بأن عدم حضورها راجع إلى أن العمل القضائي يعتبرها طرفا منضما.﴿[9]
     أما بخصوص القول الوارد في الدليل العملي لمدونة الأسرة فهو يوحي بأن النيابة العامة طرف منظم وأصلي في نفس الوقت؛ فقد جاء في الدليل العملي كما سبق الذكر أن النيابة العامة طرف أصلي؛ لكن في نفس الوقت لاحاجة لحضورها في الجلسات وعليها فقط أن تقدم مستنتجاتها الكتابية كلما تعذر حضورها؛ ومعلوم أن الطرف المنضم هو من يمارس الدعوى من خلال المستنتجات في حين أن الطرف الأصلي يمارس الدعوى من خلال الطلبات.
     كما أن النيابة العامة كطرف أصلي ملزمة بحضور الجلسات والقول أن المشرع لم يرتب البطلان على عدم حضورها سوى في الجلسات الجنائية يتنافى ومقتضيات الفصل 10 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه:<< يعتبر حضور النيابة العامة في الجلسة غير إلزامي إلا إذا كانت طرفا رئيسيا أو كان حضورها محتما قانونا...>>؛ فمن خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع استعمل صيغة الإلزام عند حديثه عن حضور النيابة العامة بالجلسات كلما كانت طرفا أصليا؛ والقول بعدم ترتيب جزاء البطلان على تخلفها في غير الجلسات الجنائية يفرغ هذا الفصل من محتواه؛ إذ ما الفائدة من إصدار نص قانوني إذا كان سيخرق من طرف الساهر على حسن تطبيقه بتبرير عدم وجود جزاء البطلان ؟
3- : أما بخصوص الرأي القائل بأن النيابة العامة أصبحت بمقتضى المادة الثالثة من مدونة الأسرة طرفا أصليا في جميع قضايا الأسرة باعتبارها قانونا خاصا وأن المادة التاسعة من ظهير المسطرة المدنية ما جاءت إلا لتؤكد ذلك﴿[10]﴾ فهو قول غير منسجم أمام التعارض الجلي بين أحكام المادة الثالثة من مدونة الأسرة والفصلين الثامن والتاسع من قانون المسطرة المدنية إذ كيف يؤكد الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية – الذي يقضي باعتبار النيابة العامة طرفا منضما في قضايا الأسرة – ما جاء في المادة 3 من مدونة الأسرة التي تعتبر النيابة العامة طرفا رئيسيا في هذه القضايا ؟
-4 : إلى جانب كل ما سبق لم يحدد هذا الاتجاه الأساس القانوني لعمل النيابة العامة في إطار المادتين 53 من مدونة الأسرة المتعلقة بإرجاع المطرود لبيت الزوجية, والمادة 54 من نفس القانون المتعلقة بالسهر على حماية حقوق الأطفال .
ثانيا : النيابة العامة طرف منضم في قضايا مدونة الأسرة :
    في اتجاه مناقض للإتجاه السابق يرى من البعض أن النيابة العامة طرف منضم في قضايا مدونة الأسرة وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية باعتباره قانونا مسطريا؛ إذ يرى هذا الاتجاه بأن الحل الواجب إعماله بخصوص التعارض الحاصل بين المادتين 3 من مدونة الأسرة و9 من قانون المسطرة المدنية هو ملاحظة أن كلا من قانون المسطرة المدنية كما وقع تعديله من خلال الفصل 9 ومدونة الأسرة قد نشرا في جريدة رسمية واحدة وصودق عليهما في تاريخ واحد؛ ومن تم لا مجال لإعمال قاعدة :النص اللاحق يلغي النص السابق هذا فضلا عن كون الأمر لا يتعلق بقانونين من نفس النوع والطبيعة﴿[11]﴾؛ وأنه تبعا لذلك يجب اعتماد قاعدة أخرى في الترجيح تنطلق من أن الفصلين معا نظما مسألة إجرائية؛ وأنه من المعلوم أن من ضوابط التفسير عند التعارض بين قاعدتين مسطريتين إحداهما منصوص عليها في قواعد الشكل؛ والأخرى في قواعد الموضوع؛ أنه يتم ترجيح تلك القاعدة المسطرية المنظمة في القانون الإجرائي؛ ومن تم يرى هذا الاتجاه أن النيابة العامة تعتبر طرفا منضما في الدعاوى الرامية إلى تطبيق أحكام مدونة الأسرة؛ وهي غير ملزمة بحضور جلسات قضاء الأسرة إلا ما تعلق منها بدعاوى الحالة المدنية لأن المشرع لم ينص على حضورها؛ ولا يجوز تشكيل هيئة إلا وفق ما نص عليه القانون﴿[12]﴾؛ هذا فضلا عن أنه لو أراد المشرع اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا في القضايا الرامية إلى تطبيق مدونة الأسرة لحذف الفقرة الثانية من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية بدل أن يستبدل عبارة الأحوال الشخصية بعبارة الأسرة عندما عدل هذا الفصل خاصة وأنه عدل في نفس اليوم الذي صدرت فيه مدونة الأسرة.﴿[13]
     غير أن ما يعاب على هذا الاتجاه:
1 : أن القول بكون النيابة العامة طرف منضم في قضايا مدونة الأسرة يتعارض مع الخلفية التي حكمت تشريع المادة 3 من مدونة الأسرة؛ إذ ما فائدة التنصيص على أن النيابة العامة طرف أصلي في قضايا مدونة الأسرة في المادة 3 من نفس القانون مادمنا سنعتبرها طرفا منضما ؟ وما هو الجديد الذي حملته هذه المادة تبعا لذلك ؟ وكيف يمكن الحديث عن النيابة العامة كطرف منضم في قضايا مدونة الأسرة والحال أن المشرع قد خولها في العديد من نصوص المدونة صفة المدعي بتخويلها صلاحية التقدم بالطلبات في العديد من المناسبات﴿[14]﴾؟ مع العلم أن صفة المدعي وصلاحية التقدم بالطلبات تبقى مرتبطة بالطرف الأصلي لا بالطرف المنضم, فالطرف المنضم لا يمارس الدعوى من خلال الطلبات بل من خلال المستنتجات في حين أن الطرف الأصلي هو من يمارس الدعوى من خلال الطلبات.
2 : إلى جانب كل ما سبق لم يحدد هذا الاتجاه بدوره الأساس القانوني لعمل النيابة العامة في إطار المادتين 53 المتعلقة بإرجاع المطرود لبيت الزوجية؛ والمادة 54 المتعلقة بالسهر على حماية حقوق الأطفال؛ فهل النيابة العامة طرف منضم في هاتين الحالتين ؟ والحال أن الأمر هنا لا يتعلق بأية دعوى قضائية حتى نقول أن النيابة العامة طرف فيها.
ثالثا : النيابة العامة طرف أصلي ومنضم في قضايا مدونة الأسرة :
وداخل هذا الإتجاه برز رأيان:
* الرأي الأول: خلص إلى أن دور النيابة العامة كطرف أصلي أو منضم تحكمه فرضيتان:
     - الفرضية الأولى : تكون فيها النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا التي خول لها المشرع بمقتضى نصوص المدونة حق إقامة الدعوى وكذا في الحالات التي تتخذ موقفا في هذا الاتجاه بعد إحالة الملف عليها لتقديم مستنتجاتها, وكذا عندما توجه ضدها الدعوى ابتداء كمدعى عليها.
    - الفرضية الثانية : مؤداها أن النيابة العامة تكون طرفا منضما في جميع القضايا المنبثقة عن تطبيق المدونة التي لا تكون فيها مدعية أو مدعى عليها حيث لا تتخذ حق المواجهة أو المنازعة وإنما تتقدم بمستنتجاتها في شكل محايد ولفائدة القانون وتبدي رأيها في هذا الاتجاه ولو كان لصالح موقف أحد الأطراف أو ضده مع مناقشة الحجج والأسانيد المقدمة وإبداء الأسباب لتأييد أو رفض أي من طلبات الخصوم من الناحية القانونية بشرطة ألا تتجاوز طلباتهم أو موضوع النزاع ﴿[15]﴾.
     غير أن ما يعاب على هذا الاتجاه هو:
1 : إغفاله لأحد الضوابط الأساسية المحددة للطبيعة القانونية لتدخل النيابة العامة في القضايا المدنية؛ ذلك أن الطبيعة القانونية لتدخل النيابة العامة في القضايا المدنية تتحدد من خلال ضابطين اثنين:
     أولهما ضابط صفة الإدعاء : ومن خلاله تكون النيابة العامة طرفا أصليا كلما أضفى عليها المشرع صفة المدعي أو المدعى عليه – وهو الضابط الذي اعتمده القائلون بهذا الاتجاه – غير أن هذا الضابط لا يمكن الاحتكام إليه عند وجود الضابط الثاني وهو:
ضابط وجود النص القانوني : إذ كلما نص المشرع على اعتبار النيابة العامة طرفا رئيسيا إلا واعتبرت كذلك حتى ولو لم تتحقق فيها إحدى الصفتين أعلاه سواء كمدعية أو مدعى عليها؛ والواقع أن الضابط الثاني قد توفر بتنصيص المشرع من خلال المادة 3 من مدونة الأسرة على اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا في قضايا مدونة الأسرة.
2 : هذا فضلا على أن القول بأن النيابة العامة تكون طرفا أصليا في الحالات التي تتخذ فيها موقفا في هذا الاتجاه بعد إحالة الملف عليها لتقديم مستنتجاتها؛ لا ينسجم ومقتضيات الفصلين 8 ؛ 9 من قانون المسطرة المدنية؛ ذلك أن تبليغ الملف للنيابة العامة قصد الإدلاء بمستنتجاتها لا يكون إلا في حال تدخلها كطرف منضم؛ مادام أن الطرف الأصلي لا يمارس الدعوى من خلال المستنتجات بل من خلال الطلبات؛ ومادام المشرع قد اعتبر أن النيابة العامة تكون طرفا منضما في القضايا التي يجب تبليغها إليها.
3 : إلى جانب كل ما سبق لم يحدد هذا الاتجاه بدوره الأساس القانوني لعمل النيابة العامة في إطار المادتين 53 المتعلقة بإرجاع المطرود لبيت الزوجية؛ و54 المتعلقة بالسهر على حماية حقوق الأطفال.
* أما الرأي الثاني: فيرى أنه لا وجود لأي تناقض بين المادة 3 من مدونة الأسرة التي تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا مع مقتضيات الفصول من 6 إلى 10 من قانون المسطرة المدنية؛ ذلك أن المشرع من خلال مدونة الأسرة حدد حالات لتدخل النيابة العامة كطرف أصلي وحالات أخرى لتدخلها كطرف منضم؛ كما حدد الحالات التي تقوم فيها النيابة العامة بأدوار إدارية ووقائية؛ ومن تم فللنيابة العامة في ضل مدونة الأسرة ثلاث أنواع من المهام وهي: مهام مدنية ومهام أمنية ووقائية ومهام إدارية:
المهام المدنية: وفي إطارها تكون النيابة العامة: طرفا رئيسا في الدعوى: كما هو الشأن بخصوص تدخلها من خلال المواد 177 و179 و270 من مدونة الأسرة
 وطرفا منضما: كما هو الحال بالنسبة للمادة 88 من مدونة الأسرة حيث ألزم المشرع النيابة العامة بتقديم مستنتجاتها؛ ورتب جزاء بطلان الحكم في حالة عدم الإشارة إلى إيداع النيابة العامة لمستنتجاتها. 

 وجهة مكلفة بالتنفيذ: وذلك عندما كلفها المشرع بتنفيذ التدابير المؤقتة المتخذة من طرف المحكمة في إطار المادة 121 من مدونة الأسرة.
المهام الأمنية والوقائية: وتتجلى من خلال تدخل النيابة العامة لحماية أحد الزوجين من تعسف الآخر عن طريق مسطرة إرجاع المطرود لبيت الزوجية طبقا للمادة 53 من مدونة الأسرة,وكذا حماية حقوق الأطفال طبقا لما نصت عليه المادة 54 من نفس القانون .
المهام الإدارية: كما هو الشأن بالنسبة لاختصاص النيابة العامة في مجال تضمين بيانات عقد الزواج والطلاق في سجلات الحالة المدنية طبقا للفصول 15 و 68 و141 من مدونة الأسرة ﴿[16]﴾.
غير أن ما يعاب على هذا الاتجاه:
• أن القول بعدم وجود أي تناقض بين المادة 3 من مدونة الأسرة التي تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا مع مقتضيات الفصول من 6 إلى 10 من قانون المسطرة المدنية؛ يبقى غير منسجم أمام الصياغة الواضحة لمقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة التي تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في قضايا مدونة الأسرة؛ و الفصلين 8 و9 من قانون المسطرة المدنية الذين يعتبرانها طرفا منضما. 

      وعموما يمكن القول أنه؛ بالوقوف على مقتضيات الفصلين 8 و9 من قانون المسطرة المدنية وكذا المادة 3 من مدونة الأسرة يتضح أن هناك تعارضا واضحا بينهما إذ أن الفصلين الأولين ينصان على اعتبار النيابة العامة طرفا منضما في قضايا الأسرة؛ في حين أن المادة 3 من مدونة الأسرة تعتبرها طرفا أصليا في قضايا الأسرة؛ الأمر الذي يتطلب تدخل تشريعي لحسم هذا التعارض من خلال حذف الفقرة رقم 2 من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية؛ والتنصيص على اعتبار النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة لما لأسرة من أهمية قصوى؛ واعتبارا لكونها أصبحت شأنا عاما يجب المحافظة عليه.
• وفي نفس الوقت يمكن القول – في ظل غياب التدخل التشريعي السالف الذكر– أن الطبيعة القانونية لتدخل النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة؛ تتحدد من خلال طبيعة المهام المسندة إليها في إطار هذا القانون؛ والتي يمكن التمييز فيها بين نوعين من المهام :    - مهام ذات طبيعة قضائية: ﴿[17]﴾ وهي مهام أسند فيها المشرع للنيابة العامة صلاحية التقاضي باعتبارها طرفا في الدعوى سواء بتدخلها الانضمامي أو الأصلي:
    فخولها صفة الإدعاء ومهام الطرف الأصلي أحيانا؛ من خلال تخويلها الحق في التقدم بالطلبات؛ وإثارة الدفوع؛ والطعن في الأحكام﴿[18]﴾... وهي بذلك تكتسب صفة الخصم إذ لها ماله من حقوق وعليها ما عليه من واجبات؛ هذا فضلا عن وجوب حضور ممثلها في الجلسات﴿[19]﴾ وأن يشمل الحكم الصادر اسم ممثل النيابة العامة الحاضر في الجلسة.
أما في باقي المهام القضائية الأخرى والتي لم يخول فيها المشرع للنيابة العامة صفة الإدعاء؛ فإن تدخلها في إطارها يكون انضماميا فقط؛
    - مهام ذات طبيعة غير القضائية: وهي مهام أسند من خلالها المشرع للنيابة العامة صلاحيات إدارية – كما هو الحال بالنسبة لمهامها المرتبطة بتضمين بيانات عقد الزواج والطلاق في سجلات الحالة المدنية... – وأخرى ولائية﴿[20]﴾– من قبيل صلاحية إرجاع المطرود لبيت الزوجية في إطار الفصل 53 من مدونة الأسرة؛ واتخاذ مجموعة من التدابير المؤقتة لحماية حقوق الأطفال في إطار المادة 54 من مدونة الأسرة – وفي إطار هذه المهام لا يمكن اعتبار النيابة العامة لا طرفا أصليا ولا طرفا منضما؛ بل طرفا يسهر على حسن سير القضايا الأسرية وفق الأبعاد الاجتماعية التي نصت عليها المدونة؛ فهي في هذه الحالة لا تمارس الدعاوى من خلال الطلبات كما هو الحال بالنسبة للطرف الأصلي ولا من خلال المستنتجات كما هو الحال عند تدخلها كطرف منضم؛ بل والأكثر من ذلك أنه في إطار هذه المهام لا نكون أمام دعوى حتى نقول أن النيابة العامة طرف فيها – سواء بصفتها الأصلية أو الإنضمامية – بل نكون أمام إجراءات إدارية وتدابير حمائية وقتية .

       الهوامش


[1]بعض المتدخلين في أشغال الندوة العلمية المنظمة من طرف جامعة المولى إسماعيل بمكناس بتاريخ 17 و 18 فبراير 2004 وكذا بعض المتدخلين في الأيام الدراسية المنظمة بمدينة إفران من طرف المعهد العالي للقضاء مابين 16 و19 فبراير 2004 للمزيد من التفاصيل حول هذه الآراء راجع ذ عبد العالي المومني << تأملات حول عمل وواقع النيابة العامة من خلال الفصل 3 من مدونة الأسرة>> منشور بمجلة القسطاس الصادرة عن هيئة المحامين بمكناس العدد الخامس 2005 ص من 31 إلى 41
و من القائلين بهذا الرأي كذلك :
ـ ذ محمد الصرخي " تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة "الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة, المنظمة من طرف المعهد العالي للقضاء,. سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية ,العدد الخامس شتنبر 2004 ص83
ـ ذ سفيان أدريوش << دور النيابة العامة في قضاء الأسرة الأسرة>> مجلة القصر العدد التاسع شتنبر2004 منشورات مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 141
[2] ذ زهور الحر = دور القضاء في تفعيل مقتضيات قانون الأسرة = الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة المنظمة من طرف المعهد العالي للقضاء, سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية ,العدد الخامس شتنبر 2004 ص 114
[3] ذ محمد بوصوف = دور النيابة العامة في قانون مدونة الأسرة = أشغال الندوة العلمية المنظمة من طرف جامعة المولى إسماعيل بمكناس بتاريخ 17 و18 فبراير 2004,سلسلة منبر الجامعة العدد الخامس منشورات جامعة المولى إسماعيل ص 115
[4] د محمد الكشبور = شرح مدونة الأسرة = الجزء الأول المتعلق بالزواج الطبعة الأولى 2006 منشورات مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 97
[5] الدليل العملي لمدونة الأسرة؛منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية ؛والقضائية سلسة المعلومة للجميع ؛العدد الأول أبريل 2007؛مطبعة إليت /سلاص 18 .
[6] عبد المالك زعزاع = حضور النيابة العامة والإحالة على القانون الجنائي في قضايا الأسرة = مجلة الفرقان عدد 50 لسنة 2004 ص 54
[7] مع العلم أنه والحالة هاته لا تكون النيابة العامة لا مدعية ولا مدعى عليها.
[8] سبق وأن صدر حكم عن المحكمة الابتدائية بالعرائش بتاريخ 10/09/1986 في ضل م الأحوال الشخصية قضى بإبطال الطلاق الصادر عن المدعي بدعوى وقوعه في حالة غضب فقامت النيابة العامة بالطعن في الحكم بالرغم من كون الطرفان المعنيان وهما المدعي والمدعى عليه ( المطلق والمطلقة) لم يتقدم أي منهما بالطعن.,وقد استجابة محكمة الاستئناف لهذا الطعن معتبرة أن النيابة العامة طرفا رئيسيا في دعوى الطلاق إذ جاء في إحدى حيثيات القرار ما يلي " حيث استأنف بتاريخ 11/2/87 السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالعرائش، الحكم الصادر بتاريخ 10/9/86، والقاضي بإبطال الطلاق الصادر من المدعي بتاريخ 27/11/85، لوقوعه في حالة الغضب، وتحميله الصائر، ذلك الحكم الذي بلغ للنيابة العامة بتاريخ 10/2/1987.
الحكم المذكور اعتبر النيابة العامة طرفا أساسيا في النازلة لكونها اصدر الحكم ضدها.
ومن المقرر فقها، انه عندما تكون النيابة العامة طرفا أصليا في الدعوى، يمكنها أن تستعمل جميع طرق الطعن المسموح بها للخصوم وبذلك يكون الاستئناف واقعا على الصفة والشكل المطابقين للقانون". حكم غير منشور, أورده د أحمد الخمليشي, دون مراجع ,للمزيد من التفاصيل حول هذا الحكم يراجع مقال للدكتور أحمد الخمليشي بعنوان= صلاحية النيابة العامة للطعن بالاستئناف في الميدان المدني الإحالة على المجلس الأعلى بسبب تجاوز القضاة سلطاتهم= ,منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 51 شتنبر / أكتوبر 1987,منشورات مطبعة النجاح الجديدة /الدار البيضاء ص 73 .
[9] د عبد الكريم الطالب = النزاعات المدنية لمدونة الأسرة = ,مجلة المحاكم المغربية عدد106 يناير/فبراير 2007 منشورات مطبعة النجاح الجديدة / الدار البيضاء ص 73 .ص 47
عبد المالك زعزاع مرجع سابق ص 54 .[10]
د عبد الكريم الطالب مرجع سابق ص 46 . [11]
[12] من القائلين بهذا الرأي : - ذ محمد الكشبور و ذ يونس الزهري و ذ حسن فتوح , للمزيد من التفاصيل حول رأي هذا الإتجاه يراجع ذ هاشم دوليم = دور النيابة العامة في قضايا الأسرة = قضايا الأسرة من خلال اجتهادات المجلس الأعلى ,سلسة الندوات الجهوية المنظمة من طرف المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه ,الندوة الجهوية الثانية ,مكناس 8 / 9 مارس 2007 منشورات جمعية التكافل الاجتماعي لقضاة وموظفي المجلس الأعلى؛مطبعة الأمنية /الرباط ص 110 / 111
مرجع سابق ص 46 . - دعبد الكريم الطالب
د عبد الكريم الطالب مرجع سابق ص 46 . [13]
من الحالات التي خول فيها المشرع للنيابة العامة صلاحية التقدم بطلبات كطرف أصلي نجد ما نصت عليه المواد:[14]
- المادة 75 من المدونة بشأن طلب التصريح بكون المفقود المحكوم بوفاته ما زال على قيد الحياة. - المادة 165 من المدونة بشأن طلب اختيار الأصلح للحضانة . - المادة 179من المدونة بشأن طلب منع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن. - المادة 221 من المدونة بشأن طلب التحجير أو إلغائه - المادة 270 من المدونة بشأن طلب إعفاء أو عزل الوصي أو المقدم - المادة 380 من المدونة بشأن طلب استبدال المصفي
[15] من القائلين بهذا الرأي ,ذ أحمد نهيد= تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة= مجلة المحامي، عدد مزدوج 44-45، سنة 2004،ص181
[16] راجع ذ عبد العالي المومني مرجع سابق ص من 31 إلى 41
[17] يتحدد نطاق المهام القضائية للنيابة العامة في هذا الإطار استنادا إلى معيار وجود أو انتفاء الخصومة القضائية,إذ كلما كان تدخل النيابة العامة في إطار نزاع قضائي إلا وتعلق الأمر بمهام ذات صبغة القضائية, وكلما كان تدخلها خارج إطار الخصومة القضائية إلا وكان الأمر يتعلق بمهام غير قضائية.
[18] من الحالات التي خول فيها المشرع للنيابة العامة الحق في التقدم بطلبات أصلية ما نصت عليه: - المادة 75 من المدونة بشأن طلب التصريح بكون المفقود المحكوم بوفاته ما زال على قيد الحياة. - المادة 165 من المدونة بشأن طلب اختيار الأصلح للحضانة . - المادة 179من المدونة بشأن طلب منع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن. - المادة 221 من المدونة بشأن طلب التحجير أو إلغائه - المادة 270 من المدونة بشأن طلب إعفاء أو عزل الوصي أو المقدم - المادة 380 من المدونة بشأن طلب استبدال المصفي...
[19] ما دام الفصل 10 من ق م م ينص على أنه << يعتبر حضور النيابة العامة في الجلسة غير إلزامي إلا إذا كانت طرفا رئيسيا أو كان حضورها محتما قانونا.ويكون حضورها اختياريا في الأحوال الأخرى>>
[20] اختلف الفقه بشأن التمييز بين الأعمال ذات الطبيعة الولائية والأعمال ذات الطبيعة الإدارية ؛فالبعض ذهب للقول أن الأعمال الولائية ما هي إلا أعمال ذات طبيعة إدارية؛ في حين اعتبرها البعض الآخر أعمالا ذات صبغة قضائية ؛فيما اعتبرها اتجاه ثالث أعمالا ذات طبيعة مختلطة إذ أنها من حيث الموضوع تكتسي صبغة العمل القضائي ؛في حين تعتبر أعمالا إدارية من حيث مصدرها وشكلها .للمزيد من التفاصيل حول هذه الآراء راجع د إدريس العلوي العبدلاوي = الوسيط في شرح المسطرة المدنية ؛الجزء الأول الطبعة الأولى 1998 ؛منشورات مطبعة النجاح الجديدة /الدار البيضاء ص من 147 إلى 154 .

انضموا إلى قائمة متابعينا على فيسبوك لتكونوا قريبين من جديد الموقع من خلال الضعط على زر الإعجاب

انشرها على:

مقالات وبحوث

أضف تعليق:

0 التعليقات:

هل لديك أي استفسار؟تحدث معنا على الواتساب
مرحبا، كيف أستطيع مساعدتك؟ ...
... انقر فوق لبدء الدردشة